يشهد المركز الثقافي المصري في الرباط نشاطا ثقافيا من كل المهتمين بالثقافة المصرية بصفة عامة والمهتمين بالفن التشكيلي بصفة خاصة ويظهر ذلك جلياً بإقامة معرض للفن التشكيلي لمدة اسبوع من كل شهر يشارك فيه فنانين تشكيلين من جيل الخبرة والرواد والآخر من جيل الشباب وذلك لتلقي الخبرة والدراية بالحماس والطاقة والمستقبل. هكذا بدأ د. محمد بركات المستشار الثقافي المصري بالرباط حديثه معنا.
وبزغ من هذا الزخم الثقافي والفني ظهور الفكرة الإنسانية بمشاركة الفن التشكيلي لدعم المجتمع المدني المغربي وذلك بتبرع الفنانين التشكيليين من جميع أنحاء العالم بأحد أعمالهم الإبداعية لصالح مستشفى سرطان الأطفال بالرباط مشاركة منهم لتخفيف الآلام والمعاناة عن أطفال المغرب المصابين بمرض السرطان.
كما صرح المستشار في حواره مع شبكة الإعلام العربية "محيط" بأنه يطرح هذه المبادرة بناءً علي رغبة العديد من الفنانين التشكيلين من جميع انحاء المملكة للمشاركة بالتبرع بأحد لوحاتهم لصالح مستشفي سرطان الاطفال.
تحدث أيضا عن الثقافة المغربية ومدى علاقتها بالثقافة المصرية، ورؤيته عن عادات وتقاليد الشعب المغربي من خلال إقامته ستة عشر شهرا في المغرب لم يشعر خلالها بأي غربه، واصفا نفسه ب"المحظوظ" أنه يعيش في مجتمع يتمتع ببيئة خصبة للثقافة بوجه عام، وللقيم بوجة خاص.. وإليكم تفاصيل الحوار: كيف ترى المغرب بعد إقامتك فيها ستة عشر شهرا؟
يقال أن المغرب بلد حضاري يجمع بين العديد من الثقافات وبالفعل تظهر للوهلة الأولي عبقرية الجهويات كما يقال عليها بالمغرب والمقصود بها المناطق الجغرافية وهنا تقسم المغرب الي خمس جهويات وفقا للاتجاهات الأصلية الجهوية الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية والوسطى فقد نجد في بعض المناطق الانفتاح والتحرر لكننا نجد في أغلب المناطق الالتزام وبر الوالدين، ولنا التعجب في أننا لا نجد في المغرب دار للمسنين؛ لأنهم يعتبرون أن الأسرة والأم تحديدا قيمة عالية جدا يجب أن تحترم وتقدر، وأي كبير في المغرب يقال له يا شريف، وأي مسن في الشارع حتى لو كان متسولا يعامل باحترام وأدب. أحكي لنا عن عادات وتقاليد الشعب المغربي؟ لم تختلف عن مصر كثيرا. وبر الوالدين من أهم السمات التي تلفت النظر، والاهتمام بالأسرة، وفي الأعياد الجميع يجتمع في بيت العائلة في اليوم الأول، وفي عيد الأضحى يحرصون على تقديم طقوس الذبيحة والأضحية بمناسبة عيد الأضحى المباشر لكل بيت ولكل أسرة، وهذه من أهم الصفات الحميدة للمجتمع المغربي. بالإضافة إلى أنهم شعب يعشق الثقافة المصرية، بدءا من أغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وكان للأفلام والمسلسلات المصرية الدور الأكبر لحبهم للثقافة المصرية، هذا بالإضافة لعشق الأدباء والمفكرين بأدب نجيب محفوظ ويوسف السباعي وتوفيق الحكيم، ولطه حسين مكانة خاصة بين المفكرين المغاربة باعتبار أن زيارته للمغرب عام 1958 كانت بداية لانطلاق الثقافة المصرية العربية بالمغرب.
ونجد أن الشعب المغربي متمسك بلغتهم العربي ولغة القرآن الكريم على الرغم من سيطرة اللغة الفرنسية إلا أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، ونجد انتشار الزوايا والمدارس العتيقة المحفظة للقرآن الكريم والاقبال علي أداء صلاة الجماعة وامتلاء المساجد قبل آذان صلاة الجمعة.
حافظت المملكة أيضا على ثوبها المغربي الأصيل والقديم طوال السنين، ومازال عالميا يعرف بالمغرب، وهذا على الرغم من أنهم مروا للكثير من الثقافات لكنهم استطاعوا مقاومة الغزو الثقافي بقوتين ناعمتين، الأولى اللباس المغربي الذي لا يستطيع أي بيت أزياء عالمي استلهامه إلا وينسب لهم.
والثانية الأسماء، فلم نجد سوى فاطمة وخديجة وسكينة وأمينة وغيرها من أسماء النساء، وما حمد وعبد في أسماء الرجال؛ هذا مما حافظ على الهوية المغربية. حدثنا عن الثقافة المغربية؟
نابعة من مجموعة ثقافات بحكم موقع المملكة وتعرضها للاحتلال الأسباني والبرتغالي والفرنسي، بالإضافة إلى أنها كانت محطة كبيرة أيام الرومان والفنيقيين؛ ولذلك كل جهوية لها ثقافة متميزة، ففي الشمال نجد التأثر بالثقافة الأسبانية؛ حيث أتى الكثير من الموريسكين والمارينيين من أسابنيا واستقروا في الشمال وتمتعوا بالرقي والتقدم والثقافة، إلى جانب الجزء الجنوبي المتأثر جدا بلغة الصحراء والثقافة الصحراوية والأدب العربي والشعر، وطقوسهم المعروفة بالجلوس على النار وشربهم الشاي المغربي في الليل والتباري في إلقاء الشعر والزجل.
مازال أيضا عندهم الموسيقى الأندلسية والتي حولوها لمغربية، وألحانهم الخاصة. كما يتميز المغرب بفن الملحون، الذي كان أغاني قصائد في مدح الرسول عليه الصلاه والسلام، لكنهم حولوها لنوع من الغزل والحب والعشق. لو قارنا الثقافة المغربية بالثقافة المصرية ماذا نجد؟
المغرب متأثر جدا بالثقافة المصرية، وأغلب المثقفين والأدباء المغاربة تعلموا في مصر؛ حيث كان لجيل الرواد المصريين دورا كبيرا في نشر الثقافة المصرية في المغرب، وهم من ساعدونا في أن يعشق الشعب المغربي الأدب المصري والثقافة المصرية وأن يبحث عنها، والكثير منهم شغوف بالدراسة في مصر.
واعتقد أن مصر لن تسترد الريادة العربية إلا عن طريق نشر الثقافة والعلم وفتح المجال للطلبة للدراسة في مصر وبخاصة المغاربة، وإن اختلف نظام التعليم في البلدين نتيجة اللغة الفرنسية. وكان عندنا مدرسة كبيرة في المغرب تسمى "المعهد المصري" كل مدرسيها وكتبها من مصر، وكان لها صيتا جيدا جدا في المغرب، وكل من تعلم فيها من المغاربة فخور بذلك.
لماذا أغلق هذا المعهد؟
بسبب بعض المشاكل السياسية بين البلدين في عام 1963. ومن هنا أرى أن الثقافة المصرية في تحدي كبير لمحاولة ثقافات عديدة منافسة الثقافة المصرية ولنا في المسلسل التركي والمكسيكي مثلاً وهذا يدعو للسخرية لأن الأسرة المغربية كانت تجتمع لمشاهدة المسلسل المصري الجيد بنهم شديد، وحاليا يتسائلون عن المسلسلات والأفلام المصرية الجيدة، فالتنافس شرس، ولابد من تواجدنا في نشر الثقافة وتحدياتها في المغرب. ويجب تعمق علاقتنا الجميلة بالمغرب. أغلب المغاربة يتمنون زيارة مصر لكنهم يخافون من الأوضاع المصرية الحالية، كيف تتعامل مع هذه الفكرة؟ د. بركات: أركز في تعاملي على العمل الثقافي؛ لأن الثقافة هي القوى الناعمة لترابط الشعوب، كما أنني اتجنب النقاش السياسي إلى قدر كبير. وحرصت في المركز الثقافي في الرباط على عمل برنامج شهري يجذب ما يحبه الشعب المغربي والثقافات التي يقبل عليها ذلك عن طريق برنامج ثقافي شهري يدعو كل الادباء والشعراء والفنانين التشكيلين وتوجيه الدعوة للشباب للمشاركة مع جيل الرواد في الأنشطة الثقافية، وهم متشبعون بالثقافة والحضارة المصرية، واستهدفت جيل الشباب من عمر 18 وحتى 25 عاما لأنهم محتاجين للمزيد من المعرفة عن الثقافة المصرية. ماذا يتضمن برنامجك الشهري في المركز؟
يتضمن في الأسبوع الأول من الشهر قراءة في كتاب لأحد رواد الفكر المصري والمغربي، ويجتمع معنا بعض أساتذة الجامعة والمفكرين في تحليل وقراءة ونقد هذا الكتاب.
وفي الأسبوع الثاني يكون أسبوعا للفن التشكيلي، فتحت خلاله المجال باحتكاك الشباب بجيل الرواد؛ حيث نقيم معرضا مشتركا لأحد الفنانين الرواد وأحد الشباب حتى يتم المزج والإستفادة من خبرات الرواد وطاقات الشباب، وبالتالي يخرج مواهب جديدة. أما الأسبوع الثالث فهو الأسبوع الأدبي. والأسبوع الرابع يكون للشعر والموسيقى كما كان يسهر محبين كوكب الشرق كل يوم خميس من نهاية كل شهر، وعلى أنغام العود الشرقي والقانون يتم لقاء بين شاعرين أحدهم من كبار شعراء المغرب والآخر شاعر شاب. بادرت بفكرة رائعة لجمع تبرعات لمستشفى سرطان الأطفال في الرباط، حدثنا عن هذه المبادرة ومدى الإستجابة لها؟ هذه الفكرة جائتني بعد نجاح تجربة الفن التشكيلي في المغرب؛ حيث وجدت إقبالا كبيرا للعرض في قاعة المركز لدرجة أننا أنهينا برنامج العام؛ ففكرت بأن نفعل شيئا إيجابيا للمجتمع المدني، وحصلت على التأكيد من كثير من الفنانين بتبرعهم بأحد أعمالهم للمستشفى؛ حيث أنني استطلعت رأي الفنانين وقمت بزيارتهم في مراسمهم لعرض الفكرة عليهم ووجدت ترحابا كبيرا، لكننا سنرى عدد الأعمال المتبرع بها حتى 30 أبريل وسنقوم بتقيمها ثم سنتصل بالجهات المعنية وبالمستشفى؛ لأنني كمركز أقترح الفكرة وأنظمها لكن تنفيذها سيكون عن طريق وزارة الثقافة المغربية، وسوف يقام معرضا كبيرا للأعمال لعرضها للبيع ولمشاركة جميع فناني العالم، وسوف يتم البيع بتوريد قيمة العمل الفني مباشرة في حساب المستشفى في أحد البنوك، وبمجرد أن يأتي لي الشاري بمستند يفيد شراءه للعمل يحصل عليه وبذلك تكون العملية منظمة وبشفافية عالية حتى لا يتم أي خطأ، وأنا كمستشار ثقافي لم اتدخل في فكرة البيع والشراء لكنني صاحب الدعوة للتبرع فقط. ما الذي تحرص عليه بخصوص المشاركة المصرية في أنشطة المغرب الثقافية؟ شرعنا منذ فترة التنسيق الكامل مع وزارة الثقافة المصرية للمشاركة في الأنشطة المغربية الثقافية، وبخاصة د. كامليا صبحي رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية، وبدأنا البحث على الجودة أكثر من المشاركة، وهذا على الرغم من سعادتنا بالمشاركة وتواجد أسم مصر في الأنشطة الثقافية المغربية، بالإضافة للحب الجارف المغربي للأعمال الفنية المصرية.
ومن المشاركات المميزة لنا في المغرب مهرجان مراكش للمونو دراما، والذي شاركت فيه فرقة لفنانين مصريين، قدموا عرضا ليوم جديد كان رائعا، وقوبل باستقبال حافل من الجمهور والتصفيق لمدة عشر دقائق بعد العرض، بالإضافة لمهرجان السنيما للأفلام التسجيلية القصيرة، والذي حضرته في مدينة على بعد 700 كيلو من الرباط، بحضور مخرج مصري أسمه جون إكرام بفيلم "تحية طيبة وبعد"، وعلى الرغم من مشاركة حوالي 20 دولة في المهرجان لكن الحضور ركز على مناقشة الفيلم المصري الذي له جمهوره وحضوره في المجتمع المغربي؛ ولذلك يهمنا حضور أعلام ونماذج من الفناين التشكيليين الكبار ليضفي قوة وحضورا مصريا جيدا في المهرجانات والمؤتمرات المغربية المميزة.
وأتمنى بشدة وجود مصر في كافة المحافل الثقافية في المغرب لأن هذا يعمل على استمرار ريادة مصر في الثقافة العربية.