تعالت أصوات الآباء المطلقون في مصر احتجاجاً على بعض قوانين الأحوال الشخصية لتحقيق مطالبهم الإنسانية بعد حرمانهم من رؤية أطفالهم بموجب القانون. قانون الرؤية الحالي وضع منذ عام 1929، ويعطي للأب الحق في رؤية طفله لمدة 3 ساعات أسبوعياً فقط، أي ما يعادل 6 أيام فى السنة بإجمالي ثلاثة أشهر خلال خمسة عشر عاماً وهي فترة الحضانة.
صرخة استغاثة
وبعد تظاهر بعض الآباء أمام مشيخة الأزهر للمطالبة بتعديل قوانين الأحوال الشخصية فيما يتعلق بجزئية الرؤية الذي تنص على السماح برؤية الأطفال ثلاث ساعات فقط فى الأسبوع، مطالبين بتعديله ليصبح 48 ساعة أسبوعياً، وخفض سن الحضانة إلى سبع سنوات للولد و9 سنوات للبنت.
ومن هذا المنطلق جاءت صرخات الآباء أمام مشخية الأزهر لعودة السن الشرعي لحضانة أبنائهم، وعودة الولاية التعليمية، والحق في استضافة أبنائهم لوقت أطول لتقوية الروابط بينهم وبين فلذات أبنائهم، والأمر نفسه تعاني منه بعض السيدات اللآئي خضعن لنفس القانون، وأخريات فقدن حقهن فى الولاية التعليمية كحاضنات مما أدي إلى تفاقم المشكلات لديهن.
ومع كل هذا الصراع غفل الجميع عن أن هناك قانوناً يحمي الطفل من المشاحنات التى تكبده ما لا يطيقه بين طرفي النزاع أثناء مطالبتهم بالتحكم بمصير أبنائهم.
وباتت الأمهات متعسفات فى استعمال حق الحضانة، الأمر الذي يؤثر على نفسية الطفل وعلى علاقته بوالده وأهله.
ويؤكد المحامي رجب أحمد محمد، منسق مشروع "حق الطفل للحماية"، أن قانون الرؤية يعطي للأب فقط الحق في رؤية أولاده، ولا يعطي للأقارب هذا الحق، لذلك يضيع هذا القانون صلة الرحم.
الأصل في تشريع
وعقبت الدكتورة سعاد صالح، أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، على الأمر قائلة: "الأصل في تشريع عقد الزواج هو المحافظة على الأطفال وتربيتهم تربية سليمة، وتنشئه طفلا صالحا للمجتمع، لذلك وضع الله سبحانه وتعالي ضمانات كافية للزواج ليستمر ويستقر؛ لكن النفس الإنسانية الأمارة بالسوء تتسرع فى إلقاء يمين الطلاق لأتفه الأسباب بين الأب والأم ، ومع تشريع الإسلام للطلاق، فإن الله قيده بإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
وأضافت أن ما يحدث بعد الطلاق أن الآباء والأمهات يستخدمون الأطفال كدروع بشرية لكي ينتقم كل منهما من الآخر، والذي يدفع هذا الثمن هم الأبناء ثمرة هذا الزواج، وبذلك يزداد أبناء الطلاق إلى أكثر من 7 ملايين طفل، ثم يتحولون بعد ذلك إلى أبناء شوارع حتى يصبحوا قنابل موقوتة تهدد المجتمعات.
قانون الحضانة
وتؤكد د. سعاد صالح أن قانون الحضانة ليس له نصوص شرعية، لكن يقوم على الاجتهاد وعلى تحقيق المصلحة العامة للأم وألأب والطفل، وهذا القانون أخد أطواراً، حيث كان فى السابق سبع سنوات للولد وتسع للبنت، وهذا بناء على واقعة وهي ذهاب أحد الصحابيات لتشتكي للرسول من زوجها الذي أراد أن يأخد طفلها بعد انفصالهما وقالت : يارسول الله ان ابنى، هذه ثديي له سقاء، وبطني له وعاء، وحجري له حواء، وأبوه يريد أن يأخذه مني، فقال لها الرسول عليه الصلاة والسلام: "أنتِ أحق به ما لم تنكحي".
وهذا يعنى أن حقها فى الحضانة يسقط بزواجها من آخر، ومن هنا بدأ القانون الذي جعل الحضانة للولد سبع سنوات و9 سنوات للبنت ثم تطور إلى 12 سنة وعشر سنوات، ثم تطور إلى 15 عاماً بناء على الانحياز إلى بعض الشخصيات العامة فى المجتمع فكان هذا هدماً للأسرة.
وعن التعديلات وتوافقها مع مصلحة الطفل تؤكد د. سعاد أن الرجال ليسوا جميعهم شياطين ، وليست جميع النساء ملائكة ، ولكن النفس الأمارة بالسوء توجد بالطرفين ، ومصلحة الطفل تقتضي أن يكون له أهل يواصلهم ويواصلونه ، وما نريده هو أن يكون هذا القانون محققاً لصلة الأرحام بين الأبناء وأهل الأب ، ونري أن الأم الحاضنة أحياناً تستولي على أولادها وتحرم الأب وأهله من رؤية الطفل والتواصل معه ، ووصل العند إلى التعنت مما يستلزم الشدة فى معالجة هذه الثغور.
قانون الرؤية الحالي ليس فى مصلحة الطفل
وتشدد د. سعاد صالح بضرورة تشريع قانون الاستضافة فى الأجازات ، بحيث يختلط الطفل بأهل أبيه ، وبإخوانه من زوجة أبيه الثانية إن وجدت، وينشأ بطريقة طبيعية وبنفسية سليمة بعيداً عن العقد النفسية التى تحدث أحيانا لأبناء الطلاق.
وأشارت إلى أن ما يحدث عند الرؤية على أرض الواقع هو عناد شديد جداً بين الطرفين، وبعض الأمهات يتهربن من وقت الرؤية وأخريات يذهبن فى آخر الوقت المقرر، أو تتعمد الأم أن تظل مع طفلها لتكون بمثابة الحارس للابن مع الأب، ولا يستطيع الأب أن ينفرد بابنه أو يتحدث معه.
واستطردت: أما الولاية التعليمية، فالنصوص القرانية كلها موجهة إلى الأب للالتزام برعاية الأسرة قال سبحانه وتعالي : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ) سورة طه. إذن الأب في الأسرة هو المسئول عن سير شئون الأسرة، ولذلك جاءت القوامة من حق الرجل وليس العكس، وكون الأم حاضنة وتملك الولاية التعليمية ونمحو سلطة الأب تماماً ، فهذا القانون لا يحقق العدالة ، وهو قانون ينحاز لطرف على حساب الآخر.