احتدم الجدل داخل المجتمع المصري من جديد حول مشروع قانون الأسرة. ولاسيما بعد موافقة لجنة الاقتراحات والشكاوي برئاسة النائب طلعت مرزوق في مجلس الشعب بصفة مبدئية علي اقتراح بمشروع قانون الأحوال الشخصية رقم 25 لسنة 1920 بشأن الولاية علي النفس والرؤية. لحين ضم مشروع القانون لمشروع آخر مقدم من النائب عادل عزازي وأخذ الموافقة النهائية بشأنه. وهو الأمر الذي أثار حفيظة جمعيات الأمهات الحاضنات. حيث اعتبرت محاولات تعديل القانون إضرار بمصلحة الطفل وتهديد لاستقراره. نظراً لاستهداف هذه التعديلات إنهاء حق حضانة النساء للأطفال ببلوغ سن 7 سنوات للولد و9 سنوات للبنت. وتجزئة الولاية وهذا ما عارضته الجمعيات النسائية.. من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق. أكد المؤيدون أن القانون الحالي مخالف للشريعة الإسلامية التي لم تعرف تجزئة الولاية بشكل صريح. حيث لم يأت بها ذكر عن الاستضافة. وإنما تحدثت فقط عن الحضانة والرؤية. كما تتجاهل ما أجمع عليه جميع الفقهاء من ضرورة أن تتم الرؤية تحت سمع وبصر وإشراف الحاضن حتي لا تكون الرؤية وسيلة للانتقاص من قدر وكرامة الحاضنة التي يعيش في كنفها الطفل. فضلاً عن تعارض الاستضافة مع مصلحة الأبناء. إذ يترتب عليها تمزق الصغير نفسياً أكثر مما كان يتعلق بعدة ساعات. وتلحق الأذي بالطفل بطريقة مؤكدة. بحرمانه من الاستقرار وعدم الاستفادة من الإجازة والعطلات الأسبوعية الأمر الذي ينعكس سلباً علي تحصيله الدراسي وتنمية مهاراته وعلاقاته بأصدقائه. إذ إن المبيت خارج المنزل حتي لو كان لدي والده يحرمه من الراحة اللازمة لصحته الجسدية. ويعيق استمراره في مزاولة التدريبات الرياضية وغيرها من البرامج المهمة لصقل قدراته. علي حين. تمسك الآباء بحقهم في تعديل القانون وسرعة تنفيذه. ودعوا إلي تنظيم وقفات احتجاجية أمام مجلس الشعب للمطالبة بإنهاء الإجحاف الذي تعرضوا له بتمكينهم من رؤية أولادهم بشكل لائق وكريم. بدلاً من رؤيتهم في الحدائق العامة ومراكز الشباب. وأطلقوا حركة ثورة رجال مصر وائتلاف حماية الأسرة المصرية الذي شدد علي ضرورة إلغاء قوانين الأسرة التي مررتها سوزان مبارك والمجلس القومي للمرأة. والعودة إلي تحكيم الشريعة الإسلامية العادلة في مسائل الأحوال الشخصية. كما دشنوا صفحة "أطفال ضد الأحوال" علي موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" وأعلنوا فيها رفضهم لقوانين الأسرة التي صدرت خلال السنوات الماضية وانتصرت لجانب المرأة. وطالبوا بقانون جديد ينص علي تحديد سن الحضانة ب 7 سنوات للذكور و9 سنوات للإناث بدلاً من 15 سنة لكل منهما. وإلغاء قانون تجزئة الولاية علي الطفل الذي جرد الأب من حقه في الولاية التعليمية علي أطفاله. ويحرمه من الإشراف عليهم ومتابعتهم وتوجيههم تعليمياً. وأيضا إعادة النظر في استحقاق الأب لحضانة الطفل ليصبح مستحقاً لها بعد الأم مباشرة. بدلاً من وضعه في ذيل قائمة المستحقين للحضانة. ويضمن عدم حرمان الأجداد والأعمام والإخوة غير الأشقاء من التواصل مع الأبناء. خصوصاً مع التزامهم بتحمل النفقات الخاصة بالأولاد كاملة. إنقاذ للأسرة يقول أحمد أبوساطي - عضو مؤسس بحركة إنقاذ الأسرة المصرية - إن المجتمع المصري يوجد به ما يقرب من 703 ملايين طفل لآباء منفصلين يتعرضون لمشاكل كثيرة لتنازع الأبوين بالمحاكم. مما ينعكس علي الطفل فيصاب بالأمراض النفسية ويكبر معقداً. موضحاً أن قوانين الأسرة المصرية التي صدرت خلال الأعوام القليلة الماضية أدت إلي تشتيت شمل الأسرة ودمارها. وجارت علي أبسط الحقوق الإنسانية. أشار إلي أن قانون الرؤية نص علي أن يري الطرف غير الحاضن من الزوجين الطفل مدة 3 ساعات أسبوعياً. علي أن تكون الرؤية في الأماكن العامة كالحدائق والمتنزهات ومراكز الشباب. كما تضمن حرمان الأجداد والجدات والأعمام من رؤية أحفادهم. مؤكداً أن القانون تعبير صارخ عن الانحياز لطرف علي حساب الآخر. وتسبب في حدوث مواقف مأساوية فالمدة لا تكفي لقيام الأب بدوره في التنشئة وتربية الطفل. كما يحرم الأب الذي يلزمه في ذات الوقت بمصاريف المدرسة وينص علي سجنه كالمجرمين إذا لم يدفع. من ممارسة دوره الرقابي والمشاركة في تعليم ابنه. ويصل الظلم مداه في ظل هذا القانون بسماحه للابن القاصر بالسفر دون إذن الأب. يؤكد أحمد العصار - عضو ائتلاف حماية الأسرة المصرية - أن الائتلاف بدأ في التحرك لتعديل قانون الرؤية بالاستضافة منذ 6 سنوات. بسبب احتوائه علي مخالفات جسيمة زادت من معاناتنا عند تطبيقه عام 2005. وتقدمنا بمقترح تعديل قانون الرؤية إلي الاستضافة لأكثر من جهة منها المجلس القومي للمرأة الذي رفض مجرد الاطلاع علي المقترح. وخاطبنا المجلس القومي للطفولة والأمومة وكان موقفه سلبياً. ولجأنا لوزارة العدل ولكن لم نتلق أي رد. والقانون لا يضر الآباء فقط ويحرمهم من حقهم في تربية أبنائهم واستضافتهم ولكن يمتد أثره السلبي إلي آبائنا وأمهاتنا وأشقائنا وأبنائنا من زوجة أخري. جبروت النساء يشير حاتم محمود - عضو حركة انقاذ الأسرة - إلي أنه لم ير أبناءه منذ عام ونصف العام سوي مرات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. موضحاً أن أمهم تتعنت وتتعمد التلاعب والادعاء بأعذار وحجج واهية لإلغاء ميعاد رؤيتي لهم. وأصبحت علاقتي بهم تنحصر في مجرد دفع نفقات إعاشتهم ومصاريف مدرستهم والالتزامات المادية الأخري دون أن أراهم وحالتي النفسية تدهورت لشعوري بأن أمهم تبث الكراهية في نفسهم اتجاهي. يؤكد سلامة البرنس - عضو جمعية إصلاح الأسرة المصرية - أن التعديل الجديد لقانون الأحوال الشخصية بشأن الولاية علي النفس والرؤية كفيل بإعادة الأمور إلي نصابها الصحيح. إذ يتضمن تمتع الأطفال برعاية مناسبة من كلا الوالدين بعد الانفصال. وقال إن أعضاء الحركة بالتضامن مع ائتلافات الأسرة المصرية أعلنوا وناشدوا مجلس الشعب الاستجابة لمطالبهم العادلة التي تنحصر في تعديل القرار الوزاري الخاص بالرؤية. ليصبح استضافة الأبناء مدة 48 ساعة أسبوعياً. علي أن يسري القرار فور صدوره دون الحاجة لرفع أي دعاوي قضائية. وكذلك الرجوع بسن الحضانة لمصلحة الأبناء ليكون 7 سنوات للولد. و9 سنوات للبنت دون تخييرهم طبقاً للشريعة الإسلامية والمذاهب الأربعة. وعدم تجزئة ولاية الأبناء. وتكون كاملة للأب. مع عدم فصل الولاية التعليمية عن الأب ويليه في الولاية الجد والعم. وإعادة ترتيب أولويات الحضانة لتكون للأم. يليها الأب. تليه الجدة للأم. تليها الجدة للأب. وإدراج أسماء أبناء الطلاق علي قائمة الممنوعين من السفر. ولا يتم سفرهم إلا بموافقة الطرفين. والنص علي عقوبة تجرم عدم تنفيذ قرار الاستضافة للطرف الحاضن. مثلما توجد عقوبة بحبس الزوج لعدم دفع النفقة. ووجوب إخطار الرجل بزواج طليقته ليسترد أولاده. إنهاء الصراع أكدت الدكتورة عزة كريم - أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي المصري للبحوث الاجتماعية والجنائية - أن التعديلات التي أدخلت علي قانون الأحوال الشخصية المصري هدفت إلي إحكام سيطرة المرأة علي المجتمع. مؤكدة أنها جاءت لتراعي صالح المرأة لا الأسرة وترتب عليها وجود صراع غير مبرر بين الرجل والمرأة وظهر هذا الاتجاه بصورة كبيرة في قانون الحضانة الذي غيب دور الأب تماماً في تربية الأولاد ورفض منحه أي مسئولية أو دور في الإشراف علي تنشئتهم وتعامل معه وكأنه غير معني أو ليس بطرف أصلي فيما يخص أبناءه. أوضحت أن أحد المآخذ الفادحة علي قانون الرؤية حصره علاقة الأب بأبنائه في الإنفاق. مما يفقد الأب الإحساس بالأبوة وقيمتها ولا يشعر بأي ارتباط اجتماعي. فيبدأ في التقصير في الإنفاق وهو ما يدخل كل أطراف العلاقة الأب والأم والأبناء في مشاكل كثيرة علي الرؤية والإنفاق. وقالت إن النص القديم لقانون الحضانة كان أفضل بسماحه للأب بالقيام بدوره الأبوي. وكانت الأم تخشي من أن تعامل من قبل الأب بنفس الأسلوب عندما تنتقل إليه الحضانة فكانت تحسن المعاملة وتشركه في تقرير أمور الأبناء. ولفتت الدكتورة عزة إلي أنها مع التعديل بحيث تكون سن الحضانة 9 سنوات للولد وليس 7 سنوات لأن الابن في هذه السن الصغيرة لا يستطيع القيام بمهامه الشخصية ولكنه بعد سن ال 9 سنوات يكون في حاجة لرعاية وحزم الأب. وبالنسبة للبنت فلابد أن يكون سن الحضانة عند 11 سنة وليس 9 سنوات لأنها في هذه السن تكون ما بين المراهقة وسن البلوغ وبالتالي تحتاج إلي رعاية الأب. ضوابط شرعية يؤكد الشيخ منصور الرفاعي عبيد - وكيل وزارة الأوقاف المصرية لشئون الدعاة سابقاً - أنه لا خلاف بين أهل العلم في أن حق الحضانة في حال افتراق الزوجين يكون لأم الأولاد. لحديث عبدالله بن عمر أن امرأة أتت رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال: أنت أحق به ما لم تنكحي". قال إن الفقهاء اختلفوا حول السن التي تنتهي عندها الحضانة اختلافاً كثيراً. والراجح أن الأم أحق بحضانة الأولاد حتي يبلغوا سن التمييز والاختيار. فإن بلغوها خيروا. وذلك للأحاديث الصحيحة الدالة علي ذلك وعمل الصحابة. فقد خير رسول الله - صلي الله عليه وسلم غلاماً بين أبيه وأمه. يضيف أن روي ايضا. أن امرأة جاءت فقالت يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني فقال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: "استهما عليه" فقال زوجها من يحاقني في ولدي فقال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: هذا أبوك وهذه أمك وخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به". وقد علق العلماء علي الحديث المتقدم بالقول أنه يدل علي أنه إذا افترق الأبوان وبينهما ولد فالأم أحق به من الأب ما لم يقم بالأم ما يمنع تقديمها. أو بالولد وصف يقتضي تخييره. وهذا ما لا يعرف فيه نزاع وقد قضي به خليفة رسول الله - صلي الله عليه وسلم - أبوبكر علي عمر بن الخطاب ولم ينكر عليه منكر فلما ولي عمر قضي بمثله. أوضاع مخالفة للشرع استنكر الدكتور سعيد أبوالفتوح - أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة عين شمس - قوانين الأسرة التي تسقط ولاية الأب عن الطفل. مؤكداً أن الحق في الاستضافة للأب غير الحاضن يتفق مع الشريعة الإسلامية التي لا تقبل حرمان الأب من رؤية ابنه وترفض الانتقاص من دوره واختزال علاقته به في ثلاث ساعات فحسب. أشار إلي أن قانون الرؤية المصري انفرد بتقرير أوضاع جائزة لا تعرفها تشريعات الأحوال الشخصية في الدول العربية أو الإسلامية. مضيفاً أن القانون المصري بوضعه الحالي يمثل خطورة كبيرة علي الأسرة ولم يحقق نتائج إيجابية. بل ساهم في زيادة حالات الانفصال في المجتمع المصري. والأجدي تعديله بما يضمن التوازن في الحقوق والواجبات والمسئوليات خاصة فيما يتعلق بالنفقة والرؤية وتلافي تأثيرهما علي تربية الطفل وتهديد مستقبله النفسي والاجتماعي. يضيف أنه يجب تقديم مرتبة حق الأب في الحضانة والتي جعلها القانون الحالي في مرتبة متأخرة جداً بعد الأم. علي أن يكون للأب الحق في الحضانة بعد الأم والجدات. كما هو سائد في جميع قوانين الأحوال الشخصية للدول العربية. حذر الدكتور أبوالفتوح من الاعتماد علي المذاهب والآراء الفقهية الشاذة والفقيرة في تقرير أحكام وصياغتها في قوانين الأحوال الشخصية. وشدد علي ضرورة أن تصدر قوانين الأسرة بعد مراجعتها من المجلس الأعلي للشئون الإسلامية بالأزهر الشريف وبما يتفق مع مذهب أهل السنة والجماعة.