صدر في العاصمة الفرنسية باريس مؤخرا كتاب "بنزرت.. رهينة التاريخ" للباحثين الفرنسيين داميان كورديه فيرون وسيباستيان إبيس، عن دار نشر لارماتان. وهو أول كتاب يلقي الضوء على تفاصيل أزمة القاعدة العسكرية الفرنسية بخليج بنزرت، والتي اندلعت بعد استقلال تونس عام 1956، وحتى عام 1963 عندما أخلتها فرنسا.
واعتمد الباحثان في كتابهما، الذي جاء في 232 صفحة من القطع المتوسط، على أرشيف وزارتي الدفاع والخارجية الفرنسيتين، بالإضافة إلى الأرشيف الوطني التونسي.
وينقسم الكتاب إلى قسمين، يتناول الأول الجانب التاريخي والجيوستراتيجي للقاعدة، منذ أن أنشأتها فرنسا في أواخر القرن التاسع عشر، مرورا بالدور الذي لعبته خلال الحرب العالمية الثانية، وأهميتها لحلف شمال الأطلسي خلال الأعوام الأولى للحرب الباردة، بالإضافة إلى أهمية القاعدة لفرنسا خلال حرب الجزائر، وصولا إلى المواجهة العسكرية بين القوات الفرنسية والتونسية، التي اندلعت في 19 يوليو 1961 واستمرت ثلاثة أيام، تكبدت خلالها القوات التونسية خسائر باهظة في الأرواح. أما القسم الثاني، فيتناول الجوانب الدبلوماسية والجيوسياسية للأزمة، والأدوار التي لعبتها الأطراف المختلفة، كأمريكا والناتو والاتحاد السوفيتي السابق. وعلى الرغم من تعدد الكتابات حول أزمة خليج بنزرت، خاصة من جانب التونسيين، فإن هذا الكتاب يتميز بأنه يلقي الضوء على جانب آخر مظلم من التاريخ الاستعماري الفرنسي، ويكشف عن العديد من الأسرار التي لا يعرفها الشعب الفرنسي ذاته. وفي هذا الإطار، يقول كورديه فيرون: إنه بدأ العمل مع زميله على هذا الكتاب منذ 10 سنوات، مدفوعين بجهل الفرنسيين بهذه المرحلة من تاريخهم، وبأبعاد الأزمة المعقدة سياسيا ودبلوماسيا واستراتيجيا وجغرافيا، على الرغم من أنها كانت ذات أبعاد معقدة ما تزال ذات تأثير شديد الألم لدى التونسيين، وموضع نقاش حماسي بينهم، فيما أراد الباحثان وضع حد لخرافة مفادها أن استقلال تونس كان سلميا.
وأكد الباحث أن توقيت صدور الكتاب لم يكن استثمارا للثورة التونسية، بل إن اختيار التوقيت جاء بمناسبة مرور 50 عاما على الأزمة، إلا أن الصدفة جمعت بين هذه المناسبة وطي التونسيين لصفحة أخرى من تاريخهم بقيام ثورتهم.
ونفى كورديه فيرون أن يكون الكتاب نوعا من الاعتذار منه للشعب التونسي، حيث إنهما حاولا، قدر المستطاع، عدم إلقاء المسئولية على أحد الجانبين، مشيرا إلى أن عملهما كان أكاديميا دون انحياز، لتوضيح حقيقة ما جرى، وتركا للقارئ حرية الوصول إلى المسئول.