لم يتعرف المصريون علي البحر الأحمر الجدار الشرقى لمصر ، إلا من خلال ترددهم على الفنادق والقرى السياحية المنتشرة من شاطئ العين السخنة وحتى مرسى علم ، لينتشر البناء السرطانى على طول البحر الأحمر دون تخطيط أو اعتبار يعكس التراث الإنسانى والطبيعى الفريد لتلك المناطق شديدة التميز التراثى والطبيعى ، الذى ربط بين الإنسان والبيئة . وهذا الأمر هدد ويهدد بهجران أبناء المنطقة إلى وادى النيل ، هاجرين ثقافتهم المتنوعة المستمدة من البيئة حتى تتلاشى تلك الثقافة نهائياً .
تتنوع ثقافات البحر الأحمر والحرف فيما بين القاطنين على البحر والمقيمين داخل الأودية والصحارى تبعاً لتنوع النشاط السكانى فيما بين الرعى والصيد والتبادل التجارى والزراعة والعطارة والعديد من الصناعات اليدوية المميزة لكل منطقة طبقا لاحتياجاتها ومواردها الطبيعية .
و أتاح هذا النشاط السكانى المتنوع للمنطقة القدرة على التبادل السلعى مع سكان وادى النيل والدول العربية المطلة على البحر الأحمر ووصلت حدود تجارتهم حتى الهند .
وهناك قبائل فى قرى الصيادين بالغردقة ومرسى علم لهم منازل فى مصر على الشاطئ ويحملون الجنسية المصرية ولهم منازل مماثلة على الجانب الآخر من الشاطئ فى قرى الجزيرة العربية ويحملون الجنسية السعودية وهذه القبائل متواجدة بالمنطقة منذ عصور مصر القديمة علاوة على القبائل التى هاجرت إلى المنطقة من شبه الجزيرة العربية على فترات زمنية عديدة ومتباعدة .
ومن هذا المنطلق أوصى مؤتمر تراث البحر الأحمر وقد أنهى فعالياته مساء السبت 16 مارس بالقاعة الكبرى بالمجلس الأعلى للثقافة بساحة دار الأوبرا والذى نظمته جمعية المحافظة على التراث المصرى برئاسة المهندس ماجد الراهب فى الفترة من 14 إلى 16 مارس بحماية وتطوير واستغلال التراث المتفرد لمنطقة البحر الأحمر مستمداً توصيته من بحث المهندس عماد فريد " المساكن التراثية بالبحر الأحمر" الحاصل على جائزة مكتبة الإسكندرية للعمارة باسم رائد عمارة الفقراء المهندس حسن فتحى وجائزة الدولة التشجيعية فى العمارة البيئية .
التراث الدينى تتميز منطقة البحر الأحمر بثقافة وتراث دينى فريد متمثل فى انتشار العديد من المعابد الفرعونية وأكبر مراكز للرهبنة فى العالم ولعل تسمية جبل الجلالة القريب من العين السخنه ينسب لكلمة قلايا التى تعنى سكن الراهب .
و تميزت المنطقة بوجود ديريين كبيرين عامرين بالرهبان وهما دير القديس أنطونيوس مؤسس الرهبنه المسيحية المصرية وقد تنوع سكن الرهبان فى صحارى البحر الأحمر فيما بين السكن فى الكهوف الجبلية مع التعامل معها وحسن إعدادها لتكون سكن إنسانى متميز بجوار عيون المياه المنتشره فى تلك الجبال الوعرة وبالرغم من وعورة الطرق المؤدية إليها فإنها تشكّل واحات جبلية صغيرة شديدة الروعة والجمال تعكس تلك الحياة السكنية الشديدة الخصوصية .
مغارات وادى عربة تنوعت عمارة الأديرة القبطية فى منطقة البحر الأحمر فيما بين النحت الجبلى أو البناء بالطوب اللبن أو بالأحجار المتنوعة أو استخدام بقايا الشعاب المرجانية المتحجرة كما فى دير الأنبا يوحنا الدرجى .
وقد امتدت مظاهر الثقافة الدينية المميزة لمنطقة البحر الأحمر إلى الإسلام حيث انتشرت الصوفية إنتشاراهائلا تمثّل فى المقامات الصوفية فيما بين التجمعات السكنية باختلاف أماكنها وأشكالها وأصبح المقام الصوفى جزءاً ثابتاّ ومميزاّ لكل تجمع سكنى سواء فى المناطق الحضرية على الشاطئ أو داخل الأودية والصحارى وأشهرها مقام أبو الحسن الشاذلى .
مبانى شهر العسل تنوعت طرز المبانى التراثية بالبحر الأحمر طبقاً للتنوع البيئى والثقافى ونشاط السكان حيث تميزت مبانى القبائل الرحل التى تعمل بالرعى باستخدام جذوع أشجار السنط وتغطيتها بالبورش المصنوع فى قرى الصعيد المجاورة للبحر الأحمر .
وفى الحقبة الرومانية تميزت منطقة البحر الأحمر بوجود محاجر عديدة بنيت على طول الطرق المؤدية إليها العديد من الاستراحات من الأحجار المتكسرة التى يتم رصها فوق بعضها بدون مونة لصق وتغطيتها بأسقف من جذوع الأشجار ، وقد استخدمها العديد من السكان المحليين الرحل كأماكن ثابتة للسكن المؤقت عند الزواج كشهر عسل لأن مساكنهم كانت من الخيام أو البورش لذا أطلق عليها مبانى شهر العسل .
مبانى المرجان تميزت المناطق الحضرية التى تعتبر موانئ للبحر الأحمر منذ عصور مصر القديمة بطرز بناء خاصة كمدينة القصير التى إنطلقت منها الرحلة الشهيرة للملكة المصرية حتشبسوت إلى بلاد بونت على ساحل البحر الأحمر .
وتميز سكانها بالحرفية الشديدة المهارة فى كافة المهن المرتبطة بحرفة البناء سواء بعمل الطوب اللبن والبناء به وبمهارة البناء ببقايا الشعاب المرجانية أو استخدام الأحجار المتنوعة الألوان من محاجر القصير وبيوت القصير القديمة .
كما تميز البناء بوجود البلكونات الخشبية المزينة بالمشربيات البسيطة ، لتتيح لسكانها متابعة النشاط البحرى لأهلهم لرحلات الصيد المختلفة كما تميزت الشوارع بأنها عمودية على البحر لتتيح أكبر مساحة لرؤية البحر لساكنى المنطقة ، وكذلك وجود مبانى خاصة للتجارة من أسواق ومحلات ومبانى للشرطة والمحكمة .
فى القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر تأثر أسلوب البناء بالتبادل التجارى والثقافى مع التجار الإيطاليين ، وقد عاش جزءاً منهم فى مدينة القصير ، مما يدل على النهضة الإنسانية والاقتصادية التى عاشتها مصر فى تلك الفترة .
وانتشرت المناطق الحضرية المرتبطة بحرفة الصيد والنقل والتجارة البحرية على ساحل البحر الأحمر من القصير ، مرورا ببرنيس وشلاتين وحتى مدينة سواكن القريبة من ميناء بورسودان بالسودان ، تمثلت فى التجمعات السكنية للصيادين على شاطئ البحر فى مناطق شجر المانجروف والخلجان ، وقد بنى أصحابها بيوت شديدة البساطة بالخشب المتبقى من صناديق الشحن أو الأخشاب الملقاة على الشاطئ من بقايا السفن عبر حركة المد والجزر .