أثارت الدعاوى المقامة أمام محكمة القضاء الإداري لحل جماعة الإخوان المسلمين، عاصفة حادة من الجدل داخل أروقة الأحزاب والتيارات السياسية في الشارع المصري. وذلك بعدما حجزت المحكمة الدعوتين القضائيتين اللتين تطالبان بحل الجماعة، وحظر استخدام اسمها ،للحكم لجلسة 26 مارس الجاري لتقديم المذكرات والمستندات، وقد تباينت توقعات الخبراء والقانونيين حول إمكانية صدور قرار بحل الجماعة التي ينتمي إليها رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي، حيث توقع البعض بأن يتم حل الجماعة لمخالفتها قانون الجمعيات الأهلية، في حين يتوقع فريق آخر بأن تصدر المحكمة قراراً بصحة تكوينها وممارسة عملها بشكل طبيعي. وبالنظر للفترة التي تأسست فيها جماعة الإخوان المسلمين نجد أن بدايتها كانت بشكل قانوني حيث نشأت الجماعة في الإسماعيلية عام 1928م كجمعية دينية تهدف إلى التمسك بالدين وأخلاقياته، وفي عام 1932م انتقل نشاط الجماعة إلى القاهرة وبدأت نشاطها السياسي في عام 1938م.
بيْد أن التوترات السياسية التي شهدتها مصر في حقبة الأربعينيات والصدام بين الجماعة والقصر، أدى لفرض المزيد من القيود على الجماعة وظهور بعض المطالب بحلها.
وبعد قيام ثورة 1952، واشتعال حدة الخلافات بين تنظيم الضباط الأحرار والجماعة أعلن مجلس قيادة الثورة بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر حل الجماعة في 29 أكتوبر 1954.
وبمرور السنوات قام الإخوان برفع دعاوى أمام القضاء الإداري، لتقنين أوضاع الجماعة فقام كل من المرشدَيْن عمر التلمساني ومحمد حامد أبو النصر والدكتور توفيق الشاوي، برفع بعض الدعاوى القضائية وطالبوا بإلغاء قرار مجلس قيادة الثورة بحل جماعة الإخوان، واستمرت تلك الدعاوى في التداول حتى عام 1992م حين قضت محكمة القضاء الإداري في 6 فبراير 1992م بعدم قبول الدعوى لعدم وجود قرار إداري بحل الإخوان أو بمنعها من مباشرة نشاطها
وبعد ثورة 25 يناير تقدم عددٌ من المحامين بدعاوى لاختصام كل من رئيس المجلس العسكري ورئيس مجلس الوزراء ووزيري المالية والتضامن ومحمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين، مطالبين بحل الجماعة لأنها تمارس العمل الاجتماعي والسياسي منذ الثلاثينيات بشكل غير قانوني.
واعتبرت الدعاوى وجود الجماعة دون ترخيص من الجهات المعنية، جريمة يعاقب عليها قانون الجمعيات الأهلية، وأضافت الدعوى أن عمل الجماعة استمر حتى الآن دون أي تراخيص، بالإضافة إلى عملها السياسي بإنشاء حزب الحرية والعدالة.
إلا أن الجماعة تؤكد (دائماً) أنها جماعة شرعية تعمل وفقاً للقانون وتستند في هذا إلى أنه لا يوجد أي قرار من مجلس قيادة الثورة بحلها.
فمن جانبه أكد أحمد أبو بركة القيادي بالجماعة والمستشار القانوني لحزب الحرية والعدالة أن وجود جماعة الإخوان قانوني وأنها ليست جمعية خيرية لكنها تعتمد على الاشتراكات من أعضائها، وتم إنشاؤها وفق دستور 1923 كهيئة إسلامية جامعة لها صفتها وشخصيتها الاعتبارية.
وبغض النظر عن مدى حجية كل طرف في عرض رأيه القانوني، إلا أنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى السيناريوهات والترتيبات المتوقعة والتي قد ترسم ملامح شكل الجماعة في المستقبل، بل ومستقبل العمل السياسي بشكل عام.
ونظراً لامتلاك جماعة الإخوان المسلمين حزب الحرية والعدالة المنبثق عنها، فإن احتماليه قبولها لهذا القرار ستكون كبيرة، فمن خلال الحزب تستطيع أن تمارس عملها بشكل مفصل من أجل إنهاء الجدل الثائر في الشارع حولها وعدم إحراج السلطة التنفيذية الحالية الحاكمة الآن، وما يدلل على هذا الاتجاه تصريحات أحد القيادات الكبيرة بجماعة الإخوان المسلمين قبولها لقرارات القضاء مهما كانت أحكامه.
ولكن قرار الحل لن يمنع الجماعة من البقاء كقوة تنظيمية هائلة لها أفرع عديدة في بلدان مختلفة، وبالتالي يصعب على أصحاب القرار في مصر قبول هذا الحكم بشكل منفرد، خاصة وأن جماعة الإخوان المسلمين في بعض الدول ليس لديها أحزاب سياسية، وقد تكون ممنوعة من ممارسة العمل السياسي أصلاً، مما يرجح قيام الجماعة برفض القرار من الأساس .
ومن الممكن أن تقبل جماعة الإخوان المسلمين بالحكم بشكل نظري ولكن من الناحية العملية تستمر قواعد الجماعة كما هي دون تغيير يذكر، والاختفاء بذلك حول مظلة الحزب السياسي (حزب الحرية والعدالة).
أما في حالة عدم صدور قرار بحل الجماعة، من المفترض أن تتزايد التظاهرات والاعتراضات على الساحة السياسية المصرية بل وتتوحد القوى السياسية كافة من أجل معارضة قرار الحكم، بل ستتبادل الاتهامات بين الجميع وتثار الشكوك بشكل أوضح حول خطر الإخوان المسلمين، وإمكانية إنشاء نظام إسلامي في مصر يشبه نظام ولاية الفقيه في إيران، أي أن تكون مرجعيتهم الدينية والأيديولوجية والسياسية للمرشد العام، كما ستزداد الشكوك والخوف من أن يكون الولاء لتلك المرجعية يسبق ولاءهم للوطن.
كما ستتزايد الاتهامات للقضاء بالتسييس في حاله إعلانه أحقية وجود الجماعة، وهو ما يمثل تهديداً خطيراً لمستقبل القضاء المصري في مدى نزاهته وشفافيته.
ولذلك يرى عماد شاهين أستاذ السياسات والإدارة العامة بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة ورئيس تحرير موسوعة أكسفورد للإسلام والسياسة، أن المعضلة التي تواجه الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية الأخرى تتمثل في كيفية العمل كجماعات تقدم رسالة دينية، وكأحزاب سياسية نشطة تتنافس على السلطة، وأكد أنه بالنسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين، يجب اتخاذ قرار ما، ألا وهو الفصل بين الاثنين، فإذا ما أرادت الجماعة الحفاظ على هدفها الأكبر كجماعة إصلاحية، يجب أن يتم الفصل بين الدين والسياسة، فمن الصعب المواصلة على الإبقاء على هذه الطبيعة المزدوجة، أي الجمع بين الدعوة الإسلامية والسياسة في آنٍ واحد.