"التحية للمكافحات من أجل الحرية في كل مكان، التحية للمرأة السورية وهي تدفع النصيب الأوفر من الكلفة البالغة لتحرير شعبها والانعتاق به نحو الحرية والكرامة" .. كانت تلك الكلمات رسالة وجهتها الناشطة اليمنية توكل كرمان للنساء بمناسبة ذكرى اليوم العالمي للمرأة، والذي يأتي في ظل العديد من المتغيرات على الساحة العربية، حيث برزت المرأة كشريكة في إعادة صياغة الحياة السياسية في دول الربيع العربي، ولم تتخلف عن مسيرة التغيير في المنطقة، بل شاركت في دعم الثورات العربية كافة، وكان لها حضور بارز فيها. ولكن حين وصلت تلك الثورات إلى مرحلة "قطف الثمار" وجدت المرأة نفسها بعيدة عن المشهد السياسي والاجتماعي.
مشاركة فعّالة: وبالنظر إلى دور المرأة وتضحياتها في سبيل نجاح ثورات الربيع العربي، نجد نساء عديدات في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا تقدمن الصفوف ليقفن إلى جانب الرجال داعيات إلى تحقيق تحول ديمقراطي في المجتمعات العربية.
ففي الحالة المصرية، لا يمكن تجاهل الدور المهم الذي قامت به بعض السيدات أثناء الثورة مثل أسماء محفوظ عندما قامت بالدعوة لتظاهرات 25 يناير، وحضت على تغيير الوضع القائم في مصر، بالإضافة إلى الإعلامية جميلة إسماعيل والفنانة تيسير فهمي اللائي طالبن باستمرار الثورة، ولم يكن الأمر مقصوراً على الفنانات فقط، بل شاركت كاتبات في الثورة أيضًا مثل الكاتبة المصرية أمينة زيدان، الحائزة على جائزة نجيب محفوظ للرواية لعام 2007.
أما في اليمن، فرغم المشاركة الضعيفة في بداية الثورة، إلا أن هناك عددًا كبيرًا من السيدات اللائي شاركن في الثورة اليمنية كالإعلاميات المعروفات في الوسط الصحفي اليمني ومن بينهن سامية الأغبري، وفاطمة الأغبري، وفخرية حجيرة، ولا يمكن أن ننسى توكل كرمان التي فازت بجائزة نوبل للسلام نتيجة مناهضتها للنظام الحاكم في اليمن، ومطالبتها بالحرية.
وعلى صعيد الثورة في ليبيا، نشطت المرأة الليبية تمامًا، وتواجدت على ساحة الثورة ناشطات شتى، لعل أشهرهن نجاح قبلان التي شاركت في إعداد شعارات للثورة وهي واحدة من بين نساء كثيرات شاركن في عملية التعبئة رغم طبيعة المجتمع المحافظ في ليبيا بالإضافة إلى نساء أخريات مثل: حنان النويصري وسناء منصور ومجدولين أعبيدة.
كما قامت المرأة التونسيّة بدور كبير في إسقاط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، كونها أمًّا للشهيد وأختًا وزوجة له، وهذا يكفيها فخرًا، فضلاً عن مساندتها للرجل، ولهذا لُقبت ثورة تونس بثورة الياسمين، فكانت منوبية البوعزيزي والدة محمد البوعزيزي مُفجرة للثورة التونسية خير دليل على مدى مشاركة المرأة في الثورة التونسية.
وفي حين استمرار الثورة السورية، تشهد المرأة معاناة ومآسٍ كبيرة وتتعرض للعنف الشديد، فضلاً عن الاستشهاد والهجرة وعدم توفر قوت اليوم.
مكاسب وخسائر: وبعد نجاح عدد من البلدان الثورية في التخلص من الأنظمة السابقة، برز التساؤل حول مدى تمكين المرأة من المشاركة في الحياة السياسية بجانب الرجل؟ ومدى نجاح تلك الثورات في تحقيق مطالب المرأة في كل من مصر وتونس واليمن وليبيا؟
بالنسبة للثورة المصرية، فلم تؤت أكلها حتى الآن، نتيجة استمرار حالة عدم الاستقرار، ولم تحظ المرأة بمشاركة واسعة في الحياة السياسية رغم تلبية الدستور الجديد لعدد من مطالب المرأة في الحرية والمساواة، والدليل على ذلك حصول المرأة المصرية على ثمانية مقاعد فقط في مجلس الشعب من أصل 498 مقعدًا، أي نسبة لا تصل إلى 2%، فضلاً عما تعرضت له من تحرش نتيجة مشاركتها في عدد من المظاهرات.
أما في ليبيا، كان من أول التغييرات التي حدثت بعد الثورة تعهد رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل بإعلان إلغاء حظر تعدد الزوجات، ولكن لم تحصل المرأة على نسبة كبيرة من الأصوات في السلطات التنفيذية والبرلمانية هناك، وتعرضت لعدة اعتداءات وفقًا لما أشارت إليه منظمات المجتمع المدني الليبي في بني غازي في بيان لها، منددة بالاعتداءات على المرأة في ليبيا بعد أن كانت شريكًا حقيقيًّا في الثورة، فأصبحت مستهدفة من قبل تيارات تغلغلت في مراكز صنع القرار والسلطة، مثل: فرقة الإسناد الرابعة التابعة للجنة الأمنية العليا بطرابلس، وغيرها من الجهات المحسوبة على التيار الإسلامي .
غير أن هناك من يرى أمثال الناشطة الحقوقية سارة مازيق - عضو بحملة (نساء من أجل ليبيا) ومقرها لندن - أن المرأة تمكنت من تحقيق العديد من الإنجازات مقارنة بوضعها أثناء فترة حكم القذافي، مستشهدة بوجود ثلاث وثلاثين سيدة في البرلمان، ووزيرتين في الحكومة.
وفي تونس، ورغم تحقيق حزب النهضة أكبر المكاسب في الانتخابات النيابية من خلال تساوي عدد المرشَّحين والمرشَّحات في قوائمه الانتخابية، اعتبره البعض مخيباً للآمال؛ لأن نصف النائبات تقريباً من الإسلاميين، ويسرن بنهج حزبهن المحافظ في كلِّ ما يتعلق بقضايا المرأة، فتقول الناشطة التونسية راضية نصراوي: "منذ أن أصبح لدينا أحزاب لا تعمل من أجل المساواة التامة بين الرجل والمرأة، صار لا بد لنا من القول: إن هذه المعركة لم تحسم بعد".
كما رصدت بعض الناشطات غياب النساء عن مقاعد الحكومات بعد الثورة - في الحكومة الأولى والثانية (بعد فرار بن علي) - فلم تكن هناك سوى امرأة في كل منهما، وعقب الانتخابات لم يتجاوز عدد النساء اثنتين في الحكومة.
أما في سوريا ما زال الوضع أسوأ بكثير، وتفيد الأرقام بأن أربع آلاف وخمسمائة امرأة فقدن حياتهن، وأن سبع عشرة ألف امرأة فقدن أزواجهن، وتفيد التقارير عن وجود حالات اغتصاب للنساء في أتون الحرب الدائرة، وعن حالات تجنيدهن على جبهات القتال، وهو أمر يستغله المعارضة كورقة ضغط على الرئيس بشار الأسد.
في حين أشارت الإعلامية سمية القواد إلى أن ثمرات الربيع العربي في اليمن لم تصل بعد إلى المرأة اليمنية، فلم تحصل المرأة على حقها في العمل والمشاركة في العمل الإعلامي والسياسي.
وبحسب آراء عدد كبير من المحللين، فلقد استطاع الربيع العربي أن يحدث تغييرات في المجتمع العربي ويغيره سياسيًّا، كما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن، ولكن بدرجات متفاوتة.
تحديات وصعوبات: وعلى الرغم مما أحدثته المجتمعات العربية من تغييرات، لكن ظلت هناك العديد من العوائق والصعوبات التي توجهها المرأة بعد الثورات فيما يتعلق بثقافة المجتمع ، حيث أرجع الكثير من المحللين غياب المرأة عن الساحة السياسية في دول الربيع العربي بعد نجاح الثورات إلى عدد من الصعوبات والمعوقات، وتتمثل الصعوبة الأولى في التقاليد المحافظة الحاكمة لمعظم المجتمعات العربية، والتي تحد من دور المرأة في الكثير من المجالات الحياتية، فثقافة القبيلة في اليمن وثقافة "سى السيد" في مصر وثقافة "الرجل الشرقي" في تونس... كل تلك الثقافات ما زالت سائدة في هذه البلدان، فهي التي تقرر أشكال سلوكيات الأفراد رجالاً ونساءً.
كما تواجه المرأة تحديات أخرى تتمثل في غياب رؤية واضحة من القيادات الجديدة التي حلت محل الأنظمة القديمة تجاه دور المرأة في الحياة السياسية، ففي تونس التي تعتبر رائدة في العالم العربي في حقوق المرأة، لم تترجم تلك الحقوق على أرض الواقع حتى الآن.
أما التحدي الآخر فيتمثل في استمرار الصراع السياسي وعدم الاستقرار الاقتصادي والخلافات بين القوى السياسية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة وسط النساء، مما يوفر بيئة ملائمة للصراع الاجتماعي بين الرجال والنساء.
ويرى البعض أن سيطرة الإسلاميين على السلطة في معظم البلدان العربية الثورية قد يمثل تهديدًا للمرأة بعد الثورات.
وفسر البعض تراجع دور المرأة بعد الثورات إلى المرأة نفسها، حيث إنها أخذت فرصتها كاملة قبل الثورات، ولكنها كانت سلبية للغاية بعد الثورات، فعندما كانت المرأة في البرلمان لم تقدّم أي جديد، بل كان النظام يستخدمها كسلاح لتحقيق أغراضه السياسية، على حد وصف البعض.
كما كانت ثقافة التيار الديني الذي صعد للحكم ونظرته بصورة محدودة على أهمية مشاركة المرأة في البرلمان، والطبيعة الذكورية لهذا المجتمع، وصعوبات التغلب على وصاية رجال الدين السلفيين الذين يفتون بعدم جواز مشاركة المرأة في العمل السياسي - من الأمور التي أدت إلى تراجع مشاركة المرأة في العمل السياسي.
وفي النهاية يمكن القول: إن تمكين المرأة وتعزيز قدراتها وتوعية المجتمع ككل بأوضاعها وقضاياها وبأهمية كونها شريكاً في عملية التنمية الأساسية من الأمور التي يجب نشرها في عالمنا العربي من أجل استفادة الأمة ورُقيها.