المحلل : التفسير الخاطيء والاستشراق وراء اعتبار قطب "إمام الظلاميين" أبوذكري : شتان بين قطب ونصرأبوزيد
كتب – شيماء عيسى وعمرو عبدالمنعم
اعتبر الدكتور محمد بشير صفار، أن المفكر الراحل سيد قطب تأثر ببيئته المصرية بشكل كبير، ولا يمكن إرجاع تحولاته الفكرية الإسلامية للصدمات المتوالية نتيجة الاحتكاك بأمريكا ثم تجربة السجن في عهد جمال عبدالناصر. جاء ذلك ردا على تساؤل مسئول الإسلام السياسي ب"محيط" والذي أشار إلى أن قطب لو لم يكن قد أُعدم، لكانت أفكاره قد نضجت وتطورت بشكل كبير . وقد أشار صفار، مدير مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بجامعة القاهرة، إلى أن قطب لم تكن أفكاره منبتة الصلة بواقعه سواء في العشرينات والثلاثينات أو في العقود التالية لها وصولا لتجربة السجن، ورفض تقسيم أفكار قطب لمراحل حدية تتحول بشكل قطعي ، مؤكدا أن التحول جاء طبيعيا وتدريجيا . فيما أشار عبدالرحمن أبوذكري الناشر لدار تنوير المصرية إلى أن قطب كان واحدا من جيل تعرض للتعتيم الإعلامي في الستينيات ، وكان هناك من يكتب في مجلة "المسلمون" عن أفكار شبيهة كثيرة بما طرحه قطب بشكل عام من داخل جماعة الإخوان وخارجها. وردا على تساؤل آخر ل"محيط" أكد الدكتور "صفار" أن قطب أسيء تفسير أفكاره عن الحاكمية والمجتمع الجاهلي والخروج على الحاكم، التي وردت بكتابه "معالم في الطريق" واستغلتها حركات إسلامية معينة لتبرير أعمال العنف والإرهاب. وأكد أنه حتى تلك الأفكار سنجد أن لها جذورا بالفقه الإسلامي ، وكانت تدار تساؤلات مثل هل نصبر على الحاكم بشروط أم لا ، وفكرة تولية المتغلب وغيرها . وقد دارت محاضرة أستاذ النظرية السياسية بجامعة القاهرة مساء أمس حول كتاب سيد قطب "التصوير الفني في القرآن .. " والتي شهدها "بيت السناري" برعاية فريق "معرفة" وتقديم الكاتب أحمد أبوخليل. مقدمة الكتاب الذي أخرجه سيد قطب في مطلع الأربعينيات جاء فيها " منذ سبعة أعوام صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب وأحمد الله على أن صادف التوفيق فقوبل من الأوساط الأدبية والعلمية والدينية على السواء مقابلة طيبة إن دلت على شيء فإنما تدل على أن الدين لايقف في طريق البحوث الفنية والعلمية التي تتناول مقدساته تناولاً طليقاً من كل قيد وعلى أن البحوث الفنية والعلمية لاتصدم الدين ولا تخدشه حينما تخلص فيه النية وتتجرد من الحذلقة والادعاء وأن حرية الفكر لاتعني حتما مجافاة الدين كما يفهم بعض المقلدين في التحرر…” بين دفتي الكتاب
يؤكد قطب أن القرآن سحر العرب منذ اللحظة الأولى، سواء منهم في ذلك من شرح الله صدره للإسلام، ومن جعل على بصره منهم غشاوة. ورأى أن الجمال الفني في القرآن كان هو العنصر الذي يسحر المستمعين، ويستحوذ على المؤمنين والكافرين.
ويتناول الكتاب التصوير الفني للقرآن مستشهدا بآيات قرآنية عديدة منها ما كان بصورة حسية مثل قوله تعالى (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتّح لهم أبواب السّماء ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط). أو الصور التخييلية ومنها قوله تعالى : (قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا).
أو الحالات النفسية بالقرآن ومنها قوله تعالى : (هو الذي يسيّركم في البرّ والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجانا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحقّ). والتخييل الحسي والتجسيم منتشر بين آيات القرآن لإضفاء الحياة على الصورة، وإيصال المعنى المراد للمتلقى، ومن ذلك قوله تعالى : "(وكان عرشه على الماء)، (يد الله فوق أيديهم) أو "فلما تجلى ربك للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا" .
ويشير الكتاب للتناسق الفني في ألفاظ القرآن واختيار المترادفات والتضاد بحكمة بليغة.كما يشير قطب لاستلهام القرآن للقصص كوسيلة للفهم، واستعراض النماذج الإنسانية كنموذج فرعون الذي كفر أو قارون الذي تكبر .
مظلمة قطب
في محاضرته، رأى الدكتور صفار أن قطب فرض عليه حيا وميتا فقه الاعتراف بأشياء ملبسة عليه ولم يفعلها، حيث نزعت أفكاره من سياقاتها الفكرية والاجتماعية والثقافية والتاريخية، وجعله نموذجا لتقليد أفكار المودودي الانغلاقية أو أنه السبب في الإسلام الظلامي ، رغم أن الوسط الثقافي وقتها شهد ظاهرة لم تخضع للدراسة الجادة عند العرب، وأشار إليها الباحث الإسرائيلي جريشام وقد اطلع على وثائق نادرة بدار الكتب لم يطلع عليها حتى المصريون، وقد أشار هذا الرجل لظاهرة التحول للكتابات الإسلامية حتى بين العلمانيين والليبراليين كالعقاد وطه حسين وأحمد أمين وتوفيق الحكيم فكتبوا جميعا سيرة الرسول وبالتالي فتحول سيد قطب لم يكن غريبا .
وقد فسر البعض ذلك بفشل الكتاب في إحداث تزاوج بين الإسلام والحداثة والبعض رأى انه لجذب الجمهور النخبوي ومعظمه متدين والبعض اعتبر أنه لتهريب المفاهيم الحداثية عبر الدين، لكن جريشوم يرى أن كل ذلك ليس دقيقا أبدا ..
ويرجع صفار فكرة الكتاب لارتباط سيد قطب في ذلك الوقت بجماعة الديوان الرومانسية والتي سعت لتأصيل كلاسيكيات الأدب العالمي وتصويراتها من واقع التراث العربي القديم ، وكانوا يحتفون بالرمز والتصوير، وقد تمكن قطب من مزج التعبير الوجداني الذاتي بالكوني في كتابه ، وتحدث عن وجدانية ليست كتلك التي قدمها المفكر اليهودي القديم اسبينوزا حين قال أن الله هو الطبيعة ، لكن قطب استلهم من كلام الله ما تستوعبه ذواتنا ويهديها لسبل الفهم الرشيد للكون.
وقطب – كما يرى المحاضر - يركز على البعد الجمالي الخالص بالقرآن حتى لو انتزع منه البعد الديني المقدس – بشكل مؤقت – وكأنه يريد تأويل ما هو منزل ، وجاء ذلك من منطلق قال قطب نفسه في كتابه عنه أنه نوع من احترامه للعقل ذاته ، والذي أي العقل يدرك أيضا أن الغيبيات أمور طبيعية لأنه لا يمكن لعقل محدود إدراك الكليات .
وردا على تساؤل "محيط" عن الفارق بين نظرتي قطب ونصر أبو زيد للقرآن، أكد عبدالرحمن أبو ذكري صاحب دار تنوير أن قطب نزع القداسة إجرائيا وهو يعلم أن النص موحى ومقدس ويؤمن به، أي أنه تخيل افتراضا أنه نص يمكن أن يحلله جماليا، بينما أبوزيد لم يؤمن بأن القرآن كله مقدس واعتبره كتاب يمكن تحليله من منطق ثقافي بحت وفق البيئة التي نزل فيها الوحي ..
وبسؤاله حول "تجربة السجن" قال أبوذكري أنها تجربة ثرية في حياة العديد من الكتاب ومن بن تيمية وعلي عزت بيجوفيتش، اللذان أبدعا أهم أعمالهما في السجن ، وبالتالي فقد رفض اعتبار أن تجربة السجن أثرت سلبا على أفكار سيد قطب محيلا إياها لنظريات الأمن المصري وحده !
وتعليقا على مداخلة أخرى ، قال الدكتور محمد بشير أن سيد قطب كان يريد من الحركات الإسلامية أن تستلهم التجربة الروحية للصوفية وتجربة العلم الأزهرية حتى تنجح .
وأكد المحاضر أيضا أنه من الخطأ أن نساير الموجة التي تدعي تأثرنا بالغرب في كل شيء، وكأننا قطيع يسير وراء كهنة معدودين، فهم على سبيل المثال يقولون أن رفاعة الطهطاوي خرجت أفكاره من رحم المفكر مونتيسكو ونظرياته الاجتماعية متناسين أن الطهطاوي إبن مدرسة الأزهر وتأثر أيضا بالصوفية وبفقهاء أعلام كالماوردي .