أصبحت الأدوية المقلدة خطر يهدد حياة الكبار والصغار ، حيث أن الشركات الصانعة لتلك الادوية تبذل قصارى جهدها في تقليد الدواء حتى يصعب التفريق بين بين الأصلي والمقلد، حتى أصبح هناك سوق سوداء للعقاقير المزيفة. وما زاد من الأمر خطورة أن هذا "الشبح الخفي" المتمثل في تلك الأدوية المقلدة تفتقد للمواد الفعالة الصحية مما يتسبب في مقتل الآلاف كل عام وبالأخص الفقراء.
وبدوره قال توني بارستس أستاذ الكيمياء في معهد سانت ماري بجامعة نوتردام في ولاية إنديانا الأميركية إن الأدوية المقلدة تفتقد مادة الأسيتامينوفين "الباراسيتامول" المسكنة والخافضة للحرارة، كما تحوي مكونات أخرى تضر بصحة الإنسان.
ووفقا لوكالة الأنباء الأمريكية أضاف بارستس خلال اجتماع للجمعية الكيميائية الأميركية في ولاية فيلادلفيا الأميركية أن دواء "بنادول" لا يزال هو الأكثر تعرضا للتقليد في العالم منذ مدة طويلة، مما يزيد من أهمية التحقق من أصالته قبل استخدامه.
وأوضح بارستس أن مجرد النظر إلى العلامة التجارية للدواء وعلبته كان كافيا لمعرفة كونه مقلدا أم لا، مشيرا إلى أن شركات التقليد أصبحت تبذل المزيد من الجهود لتضليل المستهلكين، ولا سيما على صعيد تعليب الدواء، مما يجعل من الصعب التفريق بين الدواء الأصلي والمقلد.
آلاف الضحايا من جانبها أفادت منظمة الشفافية الدولية في لندن في تقرير خاص بقطاع الصحة بأن الفساد وتقليد الأدوية والمنتجات الصيدلية يتسببان بوقوع آلاف الضحايا كل سنة في العالم.
ووفقا لشبكة "النبأ" المعلوماتية أعلنت المنظمة غير الحكومية التي تتخذ من برلين مقرا لها أن استئصال الفساد من قطاع الصحة هو "مسألة حيوية" بالنسبة لملايين الفقراء.
وأشارت بأصابع الاتهام في تقريرها إلى "متاهة الأنظمة المعقدة وغير الشفافة" التي تفسد نظام الصحة العالمي وتقدر ميزانيتها الإجمالية بحسب المنظمة بثلاثة آلاف مليار دولار "2400 مليار يورو".
وتساءلت رئيسة منظمة الشفافية هوغيت لابيل خلال مؤتمر صحافي في العاصمة البريطانية "كيف نقيم ماليا وفاة طفل أثناء عملية جراحية لان الحقنة التي كان يفترض أن تنعش عمل قلبه لم تكن تحتوي على مادة الأدرينالين بل على ماء؟".
وجاء في التقرير أن "الفساد معشش في كل حلقات سلسلة الخدمات الصحية سواء في القطاع الخاص أو العام" حتى أن بعض المستشفيات تحولت إلى مراكز "خدمة ذاتية" يستخدمها البعض للإثراء غير المشروع.
وأوردت منظمة الشفافية الدولية مثل كوستاريكا مشيرة إلى أن نحو 20% من قرض دولي بقيمة أربعين مليون دولار "33 مليون يورو" مخصص لتجهيز هذا البلد صحيا "اختفت في صناديق خاصة".
كما ذكرت المنظمة مثل اللجنة الوطنية لمكافحة الايدز في كينيا التي تحولت إلى "مصدر ثروات يستغله بعض كبار الموظفين" لصالحهم الخاص حصرا من خلال "منظمات واجهة" أنشئت خصيصا لاختلاس أموال تقدمها الأسرة الدولية لمكافحة الايدز.
وقالت المنظمة في تقريرها إن الفساد يحرم الناس من الرعاية الطبية اللازمة لهم ويشجع ظهور أمراض مقاومة للعقاقير، فيخلق بذلك دورة متعاظمة باستمرار من الأوضاع الصحية المتجهة نحو الأسوأ.
ويكشف التقرير الذي أصدرته المنظمة من مقرها في برلين عن علاقة مباشرة بين الفساد وسوء الرعاية الصحية في بعض البلدان. وقال التقرير أن هناك علاقة بين الزيادة في الرشاوى التي يتلقاها العاملون في القطاع الصحي الفليبيني وبين تقلص تلقيح الأطفال ضد الأمراض بنسبة 20 %.
كما عزت منظمة الشفافية الدولية الانخفاض في مؤشرات الرعاية الصحية في كمبوديا إلى اختلاس الأموال التي كان ينبغي إنفاقها على قطاع الصحة العامة.
وقال التقرير إن الفساد شوه أيضاً أسواق المستحضرات الصيدلية وشجع ظهور سوق سوداء للعقاقير المزيفة، وهما أمران كان لهما تأثير مباشر على الأشخاص الذين كانوا يأملون في أن تخفف هذه العقاقير من آلامهم وتؤدي إلى شفائهم.
وقال مدير منظمة الشفافية الدولية التنفيذي، ديفد نوسباوم: "من حق الناس أن يتوقعوا أن تكون العقاقير التي يعتمدون عليها حقيقية".
وأضاف أن "من حقهم الاعتقاد بأن الأطباء يضعون مصلحة المريض فوق أي ربح. والأهم من كل شيء أن من حقهم الاعتقاد بأن قطاع الرعاية الصحية موجود للشفاء لا للقتل".
وجاء في تقرير المنظمة أيضاً أن الفساد يقوض حالياً الجهود العالمية لزيادة علاج المصابين بمرض نقص المناعة المكتسبة "الإيدز" ومضاعفة جهود الوقاية منه، مستشهداً بمثال من كينيا حيث قام عدد قليل من كبار الموظفين المدنيين الحكوميين باختلاس المخصصات الحكومية من مجلس الإيدز القومي.
السعودية تعاني ونحو هذا السياق قدر مسئولون ومتخصصون في قطاع الأدوية نسبة الأدوية المقلدة والمغشوشة في السوق السعودية بما يتراوح بين 30 و40%، من سوق الدواء في السعودية، بقيمة تصل إلى أكثر من 4 مليارات ريال سنوياً. وحذر خبراء من أن نسبة الأدوية المقلدة في السعودية تفوق كثيراً نسبتها في الولاياتالمتحدة والتي لا تتجاوز 12%.
وأوضحوا أن التقليد يتركز في الأدوية الجنسية، وأدوية أمراض القلب، بسبب ارتفاع أسعار أدويتها الأصلية. وذكروا أن شيوع هذه الأدوية يعزى إلى أنها تدر أرباحاً ضخمة لمنتجيها ومروجيها بأقل كلفة، بحسب صحيفة "الحياة" اللندنية.
وقال مسئول في الهيئة العامة للغذاء والدواء فضل عدم نشر اسمه، إن "نسبة التقليد في الأدوية داخل السعودية تراوح بين 30 و40%، من نسبة الأدوية المتداولة في السوق السعودية، البالغة قيمتها 13 مليار ريال سنوياً. مؤكداً أن السوق الكبيرة تحتاج إلى رقابة صارمة، خصوصاً أن ضعف الرقابة زاد من حجم الأدوية المغشوشة التي تدخل السعودية، والتي تقوم بعض الصيدليات بترويجها.
وأشار إلى أن نسبة كبيرة من الأدوية المقلدة التي يتم اكتشافها في المنافذ يكون مصدرها الهند والصين ومصر، وهي مرتفعة بنسبة كبيرة عن باقي الدول، موضحاً أن المشكلة ليست في النظام الرقابي، إذ يوجد في المملكة نظام رقابي قوي "لكن المشكلة تكمن في ضعف تطبيق النظام من الجهات الرقابية التي تشرف على تصنيع واستيراد وتخزين وتوزيع وبيع الأدوية".
كارثة صحية وعلى جانب أخر، أطلق الخبراء الدوليون في مجال الصحة تحذيرا، في ديسمبر 2012، من مغبة وقوع أزمة صحية في عدة أجزاء من قارة أفريقيا، بسبب تدفق الأدوية المقلدة وغير الآمنة من قارة آسيا إلى دول أفريقيا والتي تهدد بحدوث آثار كارثية على حياة مواطنيها.
وذكرت صحيفة "جارديان" البريطانية، في سياق تقرير أوردته على موقعها الإلكتروني،أن الحدود التي يسهل اختراقها في عدد من دول أفريقيا، إلى جانب غياب الرقابة في معظم الدول المتهمة بتهريب تلك الأدوية غير المطابقة للمواصفات وعلى رأسها الصين، عنصران أساسيان اجتمعا معا لاستغلال المشاكل الصحية والأمراض المستعصية التي يعاني منها مواطنو القارة الأفريقية، لاسيما عمل بعض الدول الآسيوية على إنتاج أدوية مزيفة لا تحتوي على أي مواد فعالة على الإطلاق.
وأشارت الصحيفة إلى أنه من الصعب الحصول على بيانات دقيقة حول تلك الأدوية نظرا لصعوبة تعقبها بسبب الطابع غير الرسمي للنظم الصحية الأفريقية، خاصة أنها أشارت إلى عدة دراسات حديثة تحذر من أن ما يصل إلى ثلث الأدوية المضادة للملاريا في أوغندا وتنزانيا هي وهمية أو دون المستوى المطلوب، وأن معظم هذه الأدوية يعتقد أنه يتم إنتاجها في الصين والهند.
ونقلت صحيفة "جارديان" البريطانية عن "نيك وايت"، رئيس صندوق "ويلكم" لتمويل الأبحاث وتحسين صحة الإنسان قوله: "هذه الأدوية فاقت أضرارها التسبب في مقتل المرضى الأبرياء، وأحذر من أن الأزمة الكارثية التي ستتسبب بها هي بناء حالة مناعة لدى المرضى، خاصة في منطقة شرق أفريقيا، للأدوية الطبيعية المخصصة لعلاج حالتهم".
وأضاف أن المشكلة الأكبر هي تجاهل المواطنين لتلك التحذيرات، مشددا على أنها قد تشكل أزمة طويلة المدى وصعبة الحل، نظرا لانتشار تلك الأدوية بكثرة في العديد من مناطق قارة أفريقيا، حيث إن التزييف طال أدوية علاج فيروس نقص المناع، "الإيدز"، وأدوية منع الحمل اللذين يستخدمان بكثرة من قبل الأفارقة.
وهاجمت لوري جاريت، زميلة مجلس الصحة العالمي في المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية، بشدة المسئولين عن إنتاج تلك الأدوية المقلدة أو تهريبها لقارة أفريقيا مما يستبب في سقوط العديد من الضحايا، واصفة دور الصين والهند في هذه الأزمة الكارثية ب"المروع".
وأشارت الصحيفة البريطانية، في ختام تقريرها، إلى تزايد قائمة الأدوية المقلدة والمتدنية النوعية في السنوات الأخيرة، بسبب مصالح الأطراف المتورطة في السماح لظهور مثل هذه المنتجات وهي الحكومات والمنظمات غير الحكومية وشركات الأدوية.
الصين تنفي في المقابل وصفت الصين مزاعم واتهامات بعض وسائل الإعلام الغربية مؤخرا ببيع أدوية مقلدة إلى القارة الأفريقية بأنه عار تماما عن الصحة ومحض افتراءات، مؤكدة حرصها البالغ على تعزيز تعاونها الصحي والطبي مع أفريقيا من خلال مساعدتها في تحسين نظم الرعاية الصحية وتدريب الأطباء وإمدادها بالأدوية اللازمة مشددة على أنها تعمل بمبدأ "الزيف ليس من شيم الكرام" .
وذكر تقرير أذيع بوسائل الإعلام الصينية المحلية في يناير 2013 "أن وابل الهجمات الموجهة ضد الصين بدأت بمزاعم صحيفة "الجارديان" البريطانية في أواخر ديسمبر الماضي، بأن الصين تصدر كميات كبيرة من الأدوية المقلدة أو غير المطابقة للمواصفات الخاصة بعلاج الملاريا إلى كل من أوغندا وتنزانيا .
ونفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينج هذا الاتهام مؤكدة أنه لا أساس له وأن الحكومة الصينية تجرى تعاونا حثيثا مع البلدان الأفريقية في المجال الطبي، وتلعب دورا هاما في تعزيز الرعاية الصحية للشعوب الأفريقية.
ولفتت الخارجية الصينية إلى أن الجانب الصيني يولى دوما اهتماما كبيرا بسلامة الأدوية، ويكافح بصرامة تصنيع وبيع الأدوية المقلدة، ويتمسك بتطبيق قواعد منظمة الصحة العالمية بشأن الأدوية المصدرة، كما نفى مدير قسم المعونة الأجنبية بوزارة التجارة الصينية تشو تشنغ هونغ هذه المزاعم أيضا، وقال إن "الأدوية الصينية المصدرة تخضع لعملية تفتيش صارمة في جميع مراحلها للحيلولة دون ظهور مشكلات من هذا القبيل".
من ناحية أخرى، ذكر تقرير لوكالة الأنباء الصينية الرسمية "شينخوا" أن أدوية علاج الملاريا تدخل الأسواق الأفريقية عبر طريقتين: الأولى تتمثل في المساعدات الاقتصادية والطبية التي تقدمها الحكومة الصينية للبلدان الأفريقية، والثانية عبر التجارة الخارجية، وهو ما يتطلب إدارة صارمة من الجانبين المورد والملتقى .
ونقل التقرير عن روبرت موبيجى الصيدلي في مستشفى الصداقة الصينية - الأوغندية قوله "إن الأدوية الرئيسية المستخدمة في المستشفى صينية، وإن معظم الأوغنديين يفضلون الأدوية الصينية نظرا لفعاليتها الممتازة والاطمئنان لاستخدامها".
وأضافت الوكالة الصينية أنه "دحضا للاتهامات فإن الأدوية الموجهة إلى الأسواق الخارجية لابد أن تسجل مسبقا في مصلحة الدولة للرقابة على الأغذية والعقاقير في الصين كي تحصل على تراخيص الإنتاج، ثم تجرى عملية الإنتاج في مختبرات تحمل شهادات جودة، كما أن العقاقير تحصل قبل تصديرها على شهادة تسجيل وموافقة من بلد المقصد، وهى عملية صارمة وبالغة التعقيد".
وقال مدير مكتب مكافحة الملاريا في دولة تنزانيا محمد على - فى تصريح لوكالة الأنباء الصينية - إن الشركات التنزانية المسجلة في البلاد تحصل على شهادة تصدير تكون سارية المفعول لمدة 5 سنوات، وإذا ما انتهت لابد من خضوعها لإجراءات التسجيل مرة أخرى، وبالتالي تحرص تلك الشركات على سلامة معاملاتها .
كما قال الطبيب مكارثى بوروما الذي يعمل في مستشفى "برنارد" بمدينة كيب تاون بجنوب أفريقيا إنه زار بعض الدول الأفريقية الموبوءة بالملاريا، ووجد أن المرضى تتحسن حالتهم باستخدام دواء الأرتيميسينين الذي طورته الصين.
وقالت سو لى نائبة مدير شركة "قوى لين" الصينية لإنتاج الأدوية "إن شركات غربية كانت تحتكر سوق الدواء في أفريقيا، وتقدم منتجاتها الباهظة الثمن، ولكن ثمة تغيير حدث فى الأعوام الأخيرة، إذ بدأت الشركات الصينية للصناعات الدوائية في تصدير أدوية بجودة ممتازة وأسعار رخيصة إلى أفريقيا وساعدت في تخفيف أزمة نقص الدواء، ولذا، سحبت الشركات الصينية البساط من تحت أقدام الشركات الغربية واحتلت منتجاتها حصة كبيرة في الأسواق الإفريقية".