نتيجة لما تشهده المنطقة من تغيرات وتوترات سياسية تقع فيها روسيا طرفاً قوياً، عاد المنتدى العربي الروسي للانعقاد مرة أخرى بعد توقف دام لمدة عامين. وكان المنتدى قد تم تدشينه عام 2009 بمبادرة من الجامعة العربية، بهدف تطوير العلاقات بين الدول العربية وروسيا، وإجراء مشاورات منتظمة حول القضايا الإقليمية والدولية التي تهم الجانبين، إلا أنه تعذر انعقاده منذ ذلك الوقت نظراً للتوتر القائم بين موسكو والدول العربية على خلفية ثورات الربيع العربي.
ويعقد المنتدى في ظل تلك الظروف من أجل مناقشة عدة قضايا كان من أبرزها تطورات القضية الفلسطينية والأزمة السورية وملف إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.
ردود أفعال متباينة يرى البعض أن انعقاد المنتدى يأتي انعكاساً للمتغيرات الجديدة التي طرأت على توجهات السياسة الأمريكية في المنطقة والتي أكدها الرئيس أوباما، في خطابه بعد ولايته الثانية، إضافة إلى إعلان واشنطن عن قرب قيام وزير خارجيتها جون كيري بزيارة موسعة إلى الشرق الأوسط مطلع مارس المقبل، فضلا عن زيارة الرئيس أوباما للأراضي الفلسطينية وإسرائيل والأردن. الأمر الذي أثار مخاوف روسيا من زيادة النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط فدفع بها لدخول حلبة الساحة الدولية كلاعب أساسي ومحاولة خلق حلفاء لها في المنطقة ويؤكد ذلك تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي أشار فيها إلى أن النظرية السياسية الخارجية الجديدةلروسيا الاتحادية تأخذ بعين الاعتبار التغيرات الأخيرة في العالم، بما في ذلك الأزمة المالية العالمية والاضطرابات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
في حين أكدت الخارجية الروسية أن لقاء المنتدى الروسي العربي في موسكو كان مهماً جداً، وكان مستواه مناسباً لما تنص عليه مذكرة الشراكة بين روسيا والجامعة العربية.
فيما أعلن وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور أن بيروت تدعم موقف روسيا من الأزمة السورية التي تتفاقم يومياً وتؤدي إلى سقوط المزيد من الضحايا، مشيراً إلى أنه لا بديل للحوار في سورية.
كما أثنى نبيل العربي الأمين العام للجامعة على الدور الروسي فيما يتعلق بالمسألة السورية، وقال إن روسيا كانت لاعباً أساسياً في اجتماع جنيف، داعياً موسكو لاستغلال علاقاتها القوية مع دمشق وإقناعها بالحل السياسي.
من جانبه قال ممثل المجلس الوطني السوري في روسيا محمود الحمزان إن المنتدى العربي الروسي لم يقدم أي جديد على الإطلاق لحل أزمة سوريا.
أهداف المنتدى وقد تناول المنتدى الذي عقد في العاصمة الروسية موسكو عدد من الموضوعات السياسية والاقتصادية والثقافية، كان أبرزها ملف القضية الفلسطينية ومشكلة الشرق الأوسط، والملف النووي وجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة منزوعة من أسلحة الدمار الشامل ومن السلاح النووي. كما تطرق المنتدى إلى تفعيل عمل اللجنة الرباعية الدولية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والمساعي الإسرائيلية لتهويد القدس، وعملية الاستيطان المستمرة من الجانب الإسرائيلي، والاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، وإدانة الحصار اللا إنساني على قطاع غزة، وكذلك الترحيب بعضوية فلسطين كدولة بصفة مراقب في الأممالمتحدة، والتطرق إلى الأوضاع في ليبيا والسودان واليمن والصومال.
كما ناقش العلاقات الثنائية ما بين دول العالم العربي وروسيا، في مجالات السياحة وتطوير التجارة البينية بين الطرفين.
وركز المنتدى بشكل خاص في مناقشاته على موضوع الصراع في سوريا، والمبادرات المطروحة على الساحة لإيجاد حل سلمى للأزمة، كما يناقش المنتدى الوضع في سوريا من حيث الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع المعتقلين، وأهمية الجلوس حول طاولة الحوار، وضرورة وضع الأزمة على المسار السياسي وفق ترتيبات "اتفاق جنيف"، وذلك من خلال عملية سياسية تؤدي إلى تشكيل حكومة ذات صلاحية تنفيذية كاملة لتسيير المرحلة الانتقالية ونقل السلطة في إطار زمني متفق عليه، ومعالجة الوضع الإنساني والحاجة الملحة إلى المساعدات، ودعم جهود المبعوث الأممي العربي المشترك الأخضر الإبراهيمي لحل الأزمة.
نتائج المنتدى وأسفر المنتدى الذي شارك فيه وزراء خارجية مصر والعراق ولبنان وروسيا وأمين عام جامعة الدول العربية عن صدور بيان مشترك يؤكد أهمية إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية، وأدان المجتمعون بشدة ما تقوم به إسرائيل من أنشطة استيطانية.
كما دار حوار مطول بين الوزراء حول دور اللجنة الرباعية في دفع العملية السلمية وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بفلسطين، وأكد الوزير محمد عمرو، في مداخلة حول الرباعية، على أهمية تنشيط اللجنة الرباعية في سبيل حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ووقف الممارسات الإسرائيلية غير الشرعية في الأراضي المحتلة، مما يستدعي إعادة النظر في عمل اللجنة واستمراريتها.
ومن ناحية أخرى ناقش الاجتماع الأزمة السورية، وأكد الوزراء ضرورة التوصل إلى حل سياسي لتلك الأزمة وفق الترتيبات التي أقرها بيان جنيف في 30 يونيو 2012 وذلك من خلال عملية سياسية تؤدي إلى تشكيل حكومة ذات صلاحية تنفيذية كاملة لتسيير المرحلة الانتقالية ونقل السلطة في إطار زمني متفق عليه.
كما أقر المنتدى خطة عمل عربية روسية مشتركة للفترة 2013-2015 تهدف إلى تطوير العلاقات بين الجانبين في مختلف المجالات بما في ذلك التجارة والاستثمار والنقل والطاقة المتجددة والتعليم والثقافة وغير ذلك من المجالات.
الدور الروسي في سوريا يرى المحللون أن هناك إمكانية لحدوث تقارب في وجهات النظر بين روسيا والعرب بشأن الأزمة السورية، ويؤكدون على أن موسكو من الممكن أن تلعب دور الوسيط بين نظام الأسد والمعارضة في سورية.
حيث قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال تصريح 15 فبراير 2013 إن السياسة الخارجية الجديدةلروسيا صيغت بمراعاة الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط.
ومن جانبه قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ضرورة أن تتمثل الأولوية رقم واحد في حل الأزمة في سورية بعدم وضع أي ذرائع أو ادعاءات أو شروط مسبقة، محذراً من أن أي تدابير قد يتخذها مجلس الأمن حيال سورية سيجري استخدامها على الفور من أجل التدخل الخارجي في الأزمة.
وفي هذا الصدد أشار لافروف إلى أن "المعارضة السورية غير موحدة وهي تعمل ضد الحكومة السورية بالتوازي مع عدة مجموعات إرهابية" مذكراً أن "الولاياتالمتحدة اعترفت بإحدى هذه المجموعات على أنها مجموعة إرهابية وهذا ما استثار احتجاج ائتلاف الدوحة".
وكشف ألكسي ميشكوف نائب وزير الخارجية الروسي عن أن قيادة الناتو أكدت لروسيا أن نشر صواريخ باتريوت في تركيا ليس تحضيراً لعملية عسكرية ضد سورية ولا يمكن استخدامها لفرض ما يسمى مناطق حظر جوي فيها معتبراً أنه لا أسباب للشك في هذه التأكيدات.