ضمن سلسلة معارض "ذكرى" التي تستضيفها قاعة "أبعاد" كل شهر في متحف "الفن الحديث" بالأوبرا، تعرض القاعة حاليا مجموعة من لوحات الأخوين أدهم وسيف وانلي، من مقتنيات المتحف. تناولت بعض أعمال المعرض رقصات البالية في الأوبرا؛ حيث عبر عنهم أدهم وانلي (1908 – 1959) في عدد من اللوحات، كل منها تعرض رقصة معينة، كما رسم "المحكمة الشرعية"، وصور خلالها أحد الشيوخ يحمل كتابه، وبجانبه سيدات مع أطفالهن. وفي لوحة "مصارع الثيران" نرى رجل مهندم يرتدي ثياب مصارعة الثيران وفوق رأسه قبعة، ومن بعد يوجد ثور هائج في انتظاره. عرض بجانبها لوحة "مصارعة الثيران" التي تصور احتفال المصارع بالقضاء على الثور وطرحه جثة هامدا، رافعا سيفه للجمهور. كما عرض الفنان سيف وانلي (1906 – 1979) مجموعة من اللوحات، حملت إحداها عنوان "ليلة في سيدي عبد الرحمن"، والتي صورت منظر طبيعي لسيدي عبد الرحمن وبعض المخيمات والشمسيات على البحر، وكذلك العربات التي تقف بعيدة عنه؛ حيث يظهر المشهد ساحة واسعة من الطبيعة، وتبدو الأشخاص وأغراضهم في أحجام ضئيلة للغاية. وصورت لوحة "وصول مراكب السردين" لسيف مراكب الصيد ذات الأشرعة البيضاء حين وصولها إلى المرسى. ورسم سيف وانلي أيضا السد العالي في لوحة أبيض وأسود، ومشاهد من الطبيعة، ومشاهد مسرحية، ومولد أبو عباس، وحي الأنفوشي. وكما فعل أخوه رسم راقصي البالية في بعض اللوحات المعروضة. كما عرضت بعض اللوحات لسيف عن الموسيقى، منها "عازفة الكمان"، و"الشاعر" التي تصور شاعر شعبي يعزف على الربابة. وكتبت الفنانة د. ضحى أحمد في مطوية المعرض: "ارتبط سيف وأدهم وانلي بالحياة الشعبية والتآلف مع الشخصيات البسيطة وعشق الطبيعة السكندرية الساحرة فجاءت أعمالهما تجسيدا جماليا ينبض بهذا العشق. وقد تأثرت بدايتهما بدراسة ضوء الشمس والحياة المفعمة بالحركة في الشوارع والمقاهي البلدة والتي نراها في أعمالهما، كما عبرا في لوحاتهما عن المهرجانات والاحتفالات الشعبية وعلى شاطئ البحر أو ترعة المحمودية بأسلوب عفوي متناغم الملمس متوهج اللون، ثم انتقلا إلى تعبيرية سريعة الحركة والألوان والأضواء وبخاصة في لوحاتهما عن عالم السيرك ومصارعة الثيران والصيادين وراقصات البالية ومغنيات الأوبرا. ولم تكن مهمة أدهم وانلي في مرحلة تالية هي تسجيل ما تقع عليه العين من مرئيات وإنما هي غرف هذه المرئيات في لوحة فنية حلوة، وفي سبيل هذا الأسلوب لجأ الفنان إلى تحديد الشكل إلى خطوط هندسية بسيطة.. مثل الخطوط المستقيمة والدوائر والأقواس المنتظمة، وتحويل الشكل في أعماق الفنان ليس غاية في ذاته وإنما هو واسطة لحبك تصميم اللوحة وربط أجزائها.. وهذا التصميم يتبع على الدوام نمط الكلاسيكية من حيث موازنة الكتل واستخدام الخطوط المتوازنة أو البناء الهرمي حيث تلتقي الخطوط الممتدة من قاع اللوحة في قمة في أعلاها، وأحيانا تتخذ تكوينات هرمية تمثل صورة أشبة بالمروحية، فتبدو اللوحة وكأنها مجموعة من المراوح المفتوحة بدرجات مختلفة، تتقابل خطوطها أو تتقاطع فيتآلف منها شكل أقرب إلى النسيج الملموس، وأحيانا يلجأ الفنان إلى التصميم الدائري والتحوير لخدمة غرضا آخر عند الفنان، وهو أنه يساعد على إبداع الأشكال المتشابهة التي يرددها في أنحاء اللوحة، كما يتردد اللحن في القطعة الموسيقية، وقد تعامل سيف مع الضوء كمؤثر على شكل العناصر. مثلما فعل الفنان الفرنسي تولوز لوتريك (1964 – 1901)؛ فصور الحياة تنبض في قلب الطاحونة، واشتهر به إدجار ديجا (1834 – 1917)، الذي سجل بريشته وقلمه إيقاع الرقصات.. والحياة الداخلية لما وراء الكواليس، وهو عالم غريب في إشارات تنبض بالموسيقى والتعبيرات. وتتميز أعمال الأخوين وانلي في أساليبهما الفنية وموضوعاتهما بأن أدهم يظل حريصا على الموضوع الشعبي والنزعة التلقائية في تسجيل الطبيعة والمشاعر النفسية، بينما يتوغل سيف في اتجاه التجريب الشكلي نحو التصوير الزيتي، كما أن إثراء لغته الجمالية تأثر بالاتجاهات التكعيبية والتجريدية جاعلا الموضوع في خلفية اللوحة. واستعاد سيف وأخوه أدهم للرسم في المقاهي العامة وشواطئ البحر وصور النوادي والمراقص وحفلات أوبرالية وبالية. كما امتلكا قوة في تصوير الاسكتش السريع وأيضا التكوين السريع دون اتباع القيود الأكاديمية في التنفيذ". والأخوين سيف وأدهم وانلي درسا الفن على يد الفنان الإيطالي أتورنيوبيكي عام 1930، وأسسا مرسمهما الأول عام 1932. كما اختارهما أحمد عثمان عميد كلية الفنون بالإسكندرية عام 1957 لتدريس التصوير بالكلية عند تأسيسها. زارا "النوبة" عام 1959 مع مجموعة من الفنانين لتسجيل عمائر النوبة قبل أن تغرقها بحيرة ناصر والسد العالي بدعوة من وزارة الثقافة. سيصاحب هذا المعرض معرض موازي تحت عنوان "أستاذي شكراً"، تقول عنه الفنانة سماح كمال مدير القاعة وصاحبة فكرة معرض "ذكرى": "أن المعرض سيقام بصفة دورية كل شهر لفنان جديد يعلن عنه مع بداية الشهر كي تتاح الفرصة للفنانين والطلبة من الشباب لتقديم أعمال فنية برؤيتهم الخاصة وأساليبهم الفنية الحداثية، مُستلهمة من أسلوب ومنهج أعمال الفنانين الرواد في إطار فكري جديد ". يذكر أن المعرض يستمر حتى 20 فبراير الجاري. وسوف يقام لقاء ثقافي يوم الأربعاء الموافق 13 فبراير في تمام الساعة السابعة مساءً بعنوان "سيف وأدهم وانلي سيرة تشكيلية ثقافية"، يلقيها ماهر جرجس مدير عام ثقافة الإسكندرية سابقاً وعضو مجلس إدارة مركز "الحرية" للإبداع.