يبدو أن دول الربيع العربي لا زالت تسعى لتحقيق الأهداف التي قامت من أجلها تلك الثورات ، فمع دخول العام الثاني لتلك الانتفاضات نجد شعوب هذه الدول سواء في تونس أو مصر وليبيا لا زالت ثائرة ، فالنتائج ليست بمستوى تطلعات هذه الشعوب كما أن هناك انحرافات كثيرة وهناك غضب واحتقان. فمع اقتراب الذكرى الثانية للثورة الليبية التي قضت على نظام الزعيم الليبي الراحل معمر بعد حكم استمر 42 عاماً ، نجد الانتفاضة مستمرة ، فهناك دعوات للتظاهر تزامناً مع تلك الذكرى التي توافق 17 فبراير ، وبينما أيد ناشطون المظاهرات والاعتصامات المرتقبة، وتحدثوا عن فشل المؤتمر الوطني العام في إحراز تقدم فيما يتعلق بكتابة الدستور والمصالحة الوطنية وتوزيع الثروات الوطنية، حذر آخرون من انزلاق الاحتجاجات إلى العنف، مؤكدين أن المؤتمر العام والحكومة منبثقان عن الشرعية. ويقول مسئولون ومنظمات إن موالين للنظام السابق وراء الدعوات إلى التظاهر والعصيان بهدف نشر الفوضى.
ثورة ثانية
وبعد قيام الثورة وضع الشعب الليبي قطار التغيير على السكة الصحيحة ، ولكن هناك تساؤل يساور البعض هل تسير الثورة في الاتجاه الصحيح ؟ فبعد مرور سنتين على الثورة تواجه السلطات الليبية انتقادات لعجزها على انجاز اصلاحات بينما تتضاعف الدعوات الى التظاهر في 15 شباط/فبراير حتى ان بعضها ذهب الى حد المطالبة ب "ثورة ثانية".
يأتي ذلك نظراً بما تواجهه السلطات الليبية من انتقادات لعجزها عن القيام بإصلاحات وهو ما يثير مخاوف السلطات الليبية التي عبرت عن خشيتها من انحراف هذه المظاهرة عن طابعها السلمي. وتلعب الصراعات داخل المؤتمر الوطني، الممثل الشرعي للشعب الليبي منذ انتخابات يوليو 2012، دورا أيضا في تقويض جهود النهوض بالبلاد والانتقال إلى ديمقراطية كاملة.
ووُزّعت في العاصمة طرابلس منشورات تدعو إلى "انتفاضة شعبية وعصيان مدني لإسقاط النظام", وتحث السكان على خزن المواد الغذائية والوقود ترقبا لشلل كامل ابتداء من 15 فبراير/شباط الجاري.
وتشمل المطالب المعلنة التي يجري تداولها عبر الشبكات الاجتماعية على الإنترنت، شطب مسؤولي النظام السابق, وحل التشكيلات المسلحة, وتحسن المعيشة.
وبعد تلك الدعوات حذرت الحكومة الليبية من أنها ستواجه أي أعمال عنف خلال المظاهرات المرتقبة في ذكرى ثورة 17 فبراير, مشيرة إلى تحركات مشبوهة لأنصار النظام السابق .
وقال رئيس الحكومة علي زيدان في مؤتمر صحفي بطرابلس مخاطبا الليبيين، "إن عناصر مضادة للثورة تتحرك بشكل مريب في الساحة الليبية".
دعوات مبررة
من جانبه صرح محمد المفتي المعتقل السياسي السابق ان "الدعوات الى التظاهر مبررة بتراكم المشاكل"، مشيرا الى غلاء المعيشة وارتفاع معدل البطالة بين الشبان. واضاف ان "هذه التحركات لها ايضا مبررات سياسية بمطالب تتعلق بالنظام الفدرالي والاحتجاج على قرارات وخيارات الجمعية والحكومة".
واعتبرت الناشطة السياسية زهية عطية ان "الامر سيكون اعتصاما ومسيرات احتجاج سلمية لادانة فشل الجمعية الوطنية في تحقيق تقدم في ملفات مثل المصالحة الوطنية وتقاسم الموارد وصياغة الدستور".
وتشهد طرابلس إقبالاً متزايدًا على شراء السلع والمواد الغذائية وتمتد طوابير السيارات أمام محطات الوقود لمحاولة تأمين الاحتياجات خوفًا من اندلاع أعمال عنف خلال ذكرى الثورة .
استنفار أمني
وفي الوقت الذي يخشى فيه الكثيرين من أن تتحول هذه المظاهرات من طبيعتها السلمية إلى أعمال عدائية وفوضى قد تجر البلاد إلى حالة من الارتباك وخاصة مع كثرة انتشار السلاح في المدن ووجود المئات من الكتائب المسلحة غير منضوية بإطار الدولة ، اتخذت السلطات الليبية مجموعة من التدابير الأمنية ، حيث أعلن أعلن رئيس الحكومة أن الأجهزة الأمنية المختصة وضعت خططاً محكمة لمواجهة أعمال عنف خلال المظاهرات التي ينتظر أن تنظم ابتداء من 15 من هذا الشهر .
وقال :"سنصبر، لكن إذا تمادوا سنستخدم القوة لأن المؤتمر الذي يمثل أعلى سلطة دستورية في البلاد يجب احترامه، هذا المكان يمثل سلطان وهيبة الدولة ولن نسمح لأي كان العبث به".
وكشف زيدان عن وجود 16 ألف سجين هاربين في شوارع طرابلس، وقال: "إن وضعنا الأمني الآن ليس مثاليا لكنه أفضل مما كان عليه من شهر سابق. ولدينا 30 ألف عنصر تدربوا مؤخرا في قوات الشرطة». وتابع زيدان: "نعيد تأهيل المعسكرات وتدريب القوات، وضع الجيش مترهل ونحاول إعادة تأهيله، وقياسا بوضعنا السابق الوضع الأمني معقول إن لم يكن جيدا".
التوعد
وصرح محمد المفتي المعتقل السياسي السابق لوكالة فرانس برس ان "الدعوات الى التظاهر مبررة بتراكم المشاكل"، مشيرا الى غلاء المعيشة وارتفاع معدل البطالة بين الشبان. واضاف ان "هذه التحركات لها ايضا مبررات سياسية بمطالب تتعلق بالنظام الفدرالي والاحتجاج على قرارات وخيارات الجمعية والحكومة".
واعتبرت الناشطة السياسية زهية عطية ان "الامر سيكون اعتصاما ومسيرات احتجاج سلمية لادانة فشل الجمعية الوطنية في تحقيق تقدم في ملفات مثل المصالحة الوطنية وتقاسم الموارد (...) وصياغة الدستور".
بدوره عبر وزير الداخلية عاشور شوايل خلال اجتماعه بعدد من مؤسسات المجتمع المدني عن مخاوفه من خروج المظاهرات عن سلميتها بسبب تسلل عناصر من النظام السابق متوعدًا ب"الرد العنيف لأي عمل تخريبي". وقد بدأ الأمن الليبي حملة أمنية في طرابلس ومدن أخرى قبيل الذكرى الثانية للثورة.
هذا وقد نفت وزارة الداخلية الليبية ما يتم تداوله عبر صفحات التواصل الاجتماعي والفيس بوك الليبية عن قطع خدمات الإنترنت وفرض حظر التجول أيام 14 ، 15 ، 16 من شهر فبراير الجاري.
ونقلت وسائل الإعلام الليبية عن الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية مجدى العرفى أن هذه الأخبار كاذبة ولا أساس لها من الصحة . مؤكدا حرص وزارة الداخلية على حرية التعبير عن الرأى فى إطار سلمى وحسبما نص عليه الإعلان الدستوري الليبي المؤقت والقانون رقم 65 لسنة 2012 بشأن تنظيم التظاهر فى ليبيا.
عدم المساس بالشرعية
واتهم مسئولو عدة منظمات بينها الحركات الاسلامية، انصار النظام السابق بالوقوف وراء تلك الدعوات الى التظاهر وقالوا انهم يحاولون "بث الفوضى واستمرار انعدام الاستقرار في البلاد". وعلى الفيسبوك اكد مدونون ان "المؤسسات شرعية ولا مبرر للطعن فيها". الى ذلك حذر حزب العدالة والبناء الليبي ذو التوجه الإسلامي، مما اعتبره خطورة الانسياق وراء الدعوات للتظاهر يوم 15 فبراير الجاري لأنها قد تتسبب بإراقة دماء الليبيين من خلال استغلالها كغطاء ومظلة لأعمال التخريب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة.
وذكر الحزب في بيان أن الحوار هو سبيل التفاهم بين الليبيين لمعالجة المشكلات مهما كان عمقها ومهما بلغت من التعقيد والتشابك. ودعا الحزب الحاصل على 17 مقعداً في البرلمان الليبي في بيانه إلى رفض أي نوع من العنف اللفظي أو العملي المادي أو التحريض على الكراهية التي لا تخدم سوى مصلحة من لا يريد بثورة 17 فبراير خيراً.
وأهاب بالليبيين إلى عدم المساس بالشرعية التي ارتضوها من خلال صندوق الاقتراع وانتخابهم لبرلمانهم والذي صار هو المؤسسة التي تحمل الشرعية، معتبرا أن "أية محاولات للتغيير خارج النسق الديمقراطي يعد اعتداء صارخاً على الشرعية وهو مرفوض رفضاً باتاً".
وأكد البيان "على وحدة ليبيا ورفضه المطلق لأية مغامرات تدعو إلى التقسيم أو المساس بالسيادة الوطنية". ودعا كافة الأحزاب والقوى السياسية والثوار إلى الوقوف بحزم أمام دعوات المساس بالشرعية والعبث بالأمن والاستقرار"، محذرا "من مغبة الانجرار وراء الشائعات والفتن والدعوات المجهولة والعبث بالاستقرار والطعن بالرموز الوطنية".
ولفت البيان إلى أن حزب العدالة والبناء شرع في اتصالات مع المؤتمر الوطني والحكومة المؤقتة وكافة الأحزاب وقادة الثوار "من أجل التأكيد على حرمة الدم الليبي والتمسك بالشرعية ووحدة التراب الليبي".
على الصعيد ذاته اتهم مسئول ليبي سابق دولة عربية بالوقوف ضد بناء الجيش الليبي وتفعيله، مشيراً إلى أنها وبعض الكتائب الليبية وراء عدم قيام الجيش في بلاده. وقال وزير النفط والمالية في المكتب التنفيذي الليبي السابق علي الترهوني في مقابلة تلفزيونية إن رئيس الأركان القطري اللواء الركن حمد بن علي العطية سأله أثناء عمليات التحرير.. لماذا تريد ليبيا جيشاً.
وأضاف أن العطية اعتبر أن "الجيش هو مصدر الانقلابات" ، وأوضح الترهوني أن "رئيس الأركان القطري كان يقف ضد بناء الجيش ومعه مجموعة من أمراء الكتائب الليبية المؤدلجة المدعومة من قطر". وأردف قائلا :"نتيجة لهذا الأمر فإنه لا وجود الآن للجيش الوطني بشكل حقيقي بل كتائب وميليشيات مؤدلجة".
أحداث الثورة
في الخامس عشر من فبراير عام 2011 بدأت إراقة الدم الليبي في بنغازي والبيضاء في "يوم غضب" تمت الدعوة إليه من قبل شخصيات معارضة عبر (فيسبوك).
وتوالت المواجهات الدامية بين المتظاهرين وقوات الشرطة والامن يوما بعد آخر لتصل الى مدن ليبية أخرى . وبعد أيام معدودة وصلت الاحتجاجات والمواجهات الى العاصمة طرابلس ليسقط المزيد من الضحايا، وبعد ان تمكن المتظاهرون من السيطرة على بنغازي ، اعلن عدد من المسؤولين في النظام استقالتهم . وخطاب العقيد القذافي بعد أسبوع من بدء الاحتجاجات لم يساهم بتخفيف الحراك في بنغازي ومدن الشرق الليبي
ومع حلول اليوم العاشر على انطلاق الاحتجاجات كانت الاممالمتحدة تتحدث عن سقوط اكثر من الف قتيل . وتحرك المجتمع الدولي يومئذ ففرض عقوبات على نظام القذافي ولكن تلك الخطوة لم تأت بثمار ، فتوالت الاعترافات بالمجلس الوطني الانتقالي وبدأت قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) بطلعات مراقبة جوية للأجواء الليبية على مدار الساعة ، بعد ان تبنى مجلس الامن الدولي قرارا بإنشاء منطقة حظر جوي فوق ليبيا واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين الليبيين.
وقد امتنعت عن التصويت كل من الصين وروسيا والهند والبرازيل وألمانيا. وفي التاسع عشر من مارس انطلقت عملية "فجر الأوديسة" العسكرية ضد النظام الليبي بمشاركة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ، فخرج القذافي ليعلن إن ميثاق الأممالمتحدة ينص على حق ليبيا في الدفاع عن نفسها وإنه سيتم فتح مستودعات الأسلحة لتسليح الشعب الليبي ، وبعد أيام عندما أدرك العقيد عدم قدرته على مواجهة جحافل الناتو خرج مجددا ليعلن قبوله خطة الوساطة الأفريقية ، ومع حلول شهر أيار مايو كان الثوار قد أحكموا السيطرة على مصراته ليبدأ الزحف باتجاه طرابلس العاصمة ، وفي الخامس عشر من يوليو تموز خرج العقيد في خطاب متلفز دعا فيه الليبيين إلى مقاومة زحف الثوار وتوعد الحلف الأطلسي بالهزيمة، وبعد أسبوع واحد من خطاب العقيد كان الثوار يحكمون السيطرة على معظم أحياء العاصمة.
ومنذ ذلك اليوم بدأت الثورة بمسار إعادة بناء الدولة ، لكن تحديات كثيرة واجهت مسارها ، وقد تمكنت القيادة الجديدة من اجتياز بعضها كالانتخابات ، وإعادة تشغيل قطاع النفط ، وإصلاح ما أمكن من البنى التحتية ، لكن استحقاق انتشار السلاح العشوائي لا يزال حجر عثرة أمام عودة الحياة الى طبيعتها . بالطبع هذا الملف لا يمكن معالجته بين ليلة وضحاها ، لكن على ما يبدو ان كل الخطوات المتخذة لحل هذه المعضلة هي خطوات مرحلية لتمرير الوقت .
وهناك ملف لا يقل أهمية عن ملف انتشار السلاح وهو ملف إعادة بناء وهيكلة الجيش والقوى الأمنية ، وعلى الرغم من ذلك فقد تمكنت ليبيا من اجتياز الكثير من الحواجز الخطرة في المجال الامني وأبرزها هو استتباب الأمن الى حد ما في المدن الكبرى ولكن حدود الدولة الليبية لا تزال عرضة للانتهاك ، إذ ان عددا من التقارير تشير الى عمليات تهريب الأسلحة الى الدول المجاورة ، الأمر الذي يستدعي تحركا سريعا من السلطات الليبية للمبادرة بوضع حد نهائي لهذه الظاهرة .