جاء مانديلا لمصر عام 1963 للقاء جمال عبد الناصر لطلب المساندة والدعم لقضايا الجنوب الأفريقي، ولكنه لم يتمكن من مقابلته حينها وعاد لبلاده وسجن، وحين زار مصر مرة أخرى عام 1991 قال متأثراً أنه كان لديه موعد مع الرئيس الراحل عبد الناصر لكنه جاء متأخراً ثمانية وعشرين سنة. وقد روى تلك القصة ،الدكتور حلمي شعراوي، والذي احتفى به مساء امس المقهى الثقافي بمعرض القاهرة للكتاب ، وهو الباحث بالشئون الإفريقية والذي مارس النضال السياسي منذ الخمسينيات، أسس مركز البحوث العربية والإفريقية. تحدث حلمي شعراوي أيضا عن "لجنة الدفاع عن الثقافة القومية" وظروف تأسيسها بعد معاهدة كامب ديفيد التي كانت تتضمن بنداً ينص على وقف الدعاية المضادة لأي من الطرفين فأصدر هو ومجموعة كبيرة من المثقين وقتها على رأسهم لطيفة الزيات ورضوى عاشور وغيرهم من كبار المثقفين بياناً ضد كامب ديفيد وضد التطبيع. وذكر أن إسرائيل حاولت وقتها أن تشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب فرفضوا وقاوموا وتظاهروا ولفوا أسوار المعرض بأعلام فلسطين في صورة رفض حقيقي ومقاومة حادة لفكرة أن تشارك إسرائيل في المعرض، فيما وجد أنه من المؤسف والمحزن أن يسمع الرئيس مرسي صاحب المشروع الإسلامي أو د. العريان اليوم يتحدثون بهذه المودة عن الصهاينة وكأنهم ينفذون بمهارة بند "تطويع العقل" الذي جاء ضمن الاتفاقية وأكد أن قبول الوجود الإسرائيلي بهذا الشكل والتعامل معه بهذه الأريحية هو كارثة بكل المقاييس يقضي على سنوات من النضال الوطني والمقاومة الفكرية والثقافية لهذا المشروع الصهيوني السرطاني.
قدم الباحث والمفكر "مصطفى الجمال" شعراوي للجمهور، وأكد أنه أحد مؤسسي مركز "التراث الشعبي"، وعمل منسقاً لحركات التحرير الأفريقية في القاهرة وخارجها، هذا بخلاف منصبه كسكرتير عام للجمعية الأفريقية، وعمله في منظمة الأليكسوا، وجامعة "جوبا" بجنوب السودان، كما كان له دوراً بارزاً في تأسيس "لجنة الدفاع عن الثقافة القومية" التي واجهت الغزوة الصهيوينية الشرسة للثقافة القومية. كان محور بحث الشعراوي الأساسي هو الإنسان الإفريقي وليست محاورالجغرافيا والجيلوجيا ً .. كما كان له جهد غير مسبوق في دراسة التراث الأفريقي المكتوب بالخط الأعجمي. بدأ د. حلمي شعراوي حديثه مؤكداً أن ثقافتنا ذات صلة عضوية وثيقة بالشعوب الأفريقية فنحن في واقع الأمر جزء لا يتجزأ من أفريقا لا مجال لتجاهل مثل هذه الحقيقة، وعن رحلته الطويلة لدراسة الشعوب الأفريقية أوما كان يُسمى وقتها بالشعوب البدائية اهتم شعراوي كثيراً بالتراث الشعبي والثقافي للقارة السمراء ولم يتوقف عند المنظور السياسي فقط، وأوضح أن إهمال مثل هذا البعد لثقافتنا هو أمر مؤسف للغاية فعلى سبيل المثال تحتفل منظمة الوحدة الأفريقية هذا العام بمرور 50 سنة على تأسيسها ورغم هذا لا نكاد نلمح خبراً هنا أو هناك عن مثل هذا الأمر. اقتربت مصر اقتراباً حقيقياً من أفريقيا في فترة جمال عبد الناصر ولم يكن هذا من أجل البحث عن نفوذ سياسي فحسب بل كان من باب الحرص على العمل الدائم لصالح القارة ككل .. ويذكر أن القاهرة عام 1975 كانت مركزا لحركات التحرير الأفريقية حيث كان بها أكثر من 23 مكتباً لهذه الحركات التحريرية.