اجتمعت وفود الحمائل والعشائر من الفصائل الفلسطينية لتفك شفرة وطلاسم معوقات المصالحة بين أولاد العمومة والإخوة والأصدقاء والجيران في الساحة الفلسطينية المنقسمة على نفسها في الضفة وغزة، تناقشوا وتناقشوا وتناقشوا، وصرحوا وصرحوا وصرحوا، إلى أن إتفقوا على لجنة إنتخابات لتفعيل منظمة التحرير ودخول فصائل خارجها إلى مربعها الذي له باع طويل في الممارسة السياسية والدبلوماسية على طريق التنازل ثم التنازل ثم التنازل، والحد الآخر من الإتفاق هو إنتخابات السلطة، الرئاسة والمجلس التشريعي في إطار ما كنسه الإحتلال من مفاهيم لسلطة تسمى أوسلو. هناك وجهات نظر متباينة بين العشيرتين الرئيسيتين في وفود المصالحة، عشيرة رام الله، وعشيرة غزة، عشيرة رام الله ترى من هذا الإتفاق وبتشجيع معنوي للجماهير التي خرجت لتلبية مفاهيم الإنطلاقة لحركة فتح، وفي عملية إستنزاف لهذه الجماهير دخلت بقوة في المصالحة مع عشيرة غزة كي تراهن على الإنتخابات ونتائجها.
أما عشيرة غزة التي ترفع لواء المقاومة ونعتت ما نعتت به عشيرة رام الله من خيانة وتنازل وضعف وتهتك وملاحقة لكوادر المقاومة ليتصافحوا في فنادق القاهرة كي يبرموا إتفاقاً أيضاً هم يراهنون على إنجازات المقاومة ويراهنون على دور قادم مدعم إقليمياً للتبوء في مناصب منظمة التحرير والسلطة.
السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير متورطة في عدة إتفاقيات دولية، والدخول إلى هذا المربع ليس بالشكل الهين أو السهل نتيجة تلك الإلتزامات والإتفاقيات، هل هناك إذا ما سيطرت عشيرة غزة على مقاليد السلطة والتحكم في منظمة التحرير، هل سترفع لواء المقاومة وتمحو ما قبله من تراكمات من التنازل ومن الإعتراف الجغرافي والأمني والسياسي بما وضعته منظمة التحرير والسلطة، أم ستسير في نفس المنوال السابق والتي خطوطه العام حدود 1967 فقط وليس سواها.
منظمة التحرير التي تصبو عشيرة غزة لأن تتقلد المواقع الرئيسية فيها بعد الإنتخابات اعترفت بالكيان الصهيوني، وألغت ما ألغته من مواد بشأن الكفاح المسلح والتحرير والتعليم أيضاً، وهذا ما طالب به ناتنياهو في الفترة الأخيرة، بأنه يجب التوقف عن التحريض على دولة الكيان الصهيوني في الكتب والمدارس التعليمية كشرط لبدء التفاوض من جديد.
إجمالاً هل ستكون هناك ثورة جديدة وإنقلاب جديد مثلما حدث سنة 1969 في منظمة التحرير؟، وعدم الإعتراف بكل ما سبقه مع إختلاف بسيط بأن الشقيري كان أكثر تطرفاً من قيادة منظمة التحرير بقيادة حركة فتح حول الحقوق الفلسطينية، وأسس جيشاً فاعلاً وأسس مدرسة تعبوية فاعلة ضد العدو الصهيوني، فهل سيكون الحال كذلك إذا ما استلمت عشيرة غزة منظمة التحرير والسلطة؟، أم أن عشيرة غزة التي تحمل المقاومة وتزمع بفتح مدارس عسكرية خارج النص في إتفاق القاهرة التصالحي بين العشيرتين.
قاموس جديد أفرز ظاهرة في بدايتها بعد إتفاق العشيرتين على تسوية أمورهما في غزة والضفة، وهي ظاهرة (تنغيص أجواء المصالحة)، ظاهرة بناء عليها تم إعتقال العديد من الصحفيين الذين اتهموا بالتحريض على أجواء المصالحة بين العشيرتين!!، كنا نعتقد أن أجنحة المقاومة في عشيرة غزة هي أكثر انتماء للشرفاء وأكثر انتماء للشهداء ، سواء في حماس أو في فتح أو حتى أصغر فصيل فلسطيني موجود، لا أحد من الفلسطينيين يكره المصالحة، ولكن على أسس وطنية أولاً، وألا يكون هناك خلط وتزاوج بين نقيضين، مدرسة التهاون والإعتراف بالعدو الصهيوني ومدرسة المقاومة وكيف يتم التزاوج بين هذين المفهومين، وما هي نقاط الإلتقاط في المصالح لكي تتم عملية الإعتقال لبعض الصحفيين والمناوئين لقواعد المصالحة المبنية على التقاسم وليس على البرنامج.
أبناء حركة فتح هم أبناء الشعب الفلسطيني، وهم من نفس ذات النسيج كما هو الحال في القسم وسرايا القدس وكل الفصائل الشريفة التي رفعت لواء المقاومة، فهم ينتمون لعشيرة المقاومة بطبيعة منطلقاتهم وأدبياتهم باستثناء من اخطتفوا هذه الحركة وجيروها لبرنامجهم التنازلي الإستسلامي، ولكي يكون أخيراً أن تضع المقاومة يدها وتصافح من تنازل عن فلسطين وانتهك كرامة المناضلين وحقوقهم وانتهك حرية المواطن واستخدم وبصلف كل الأطروحات الزائفة لتبرير مواقفه اللاوطنية، فكيف يمكن أن يكون ذلك؟.
التحالفات المرحلية لا تتم على حساب الإستراتيجيات الوطنية، فعندما نقول أن غزة محررة أو نصف محررة أو تمتلك نصف إرادتها، فإن الضفة لا تمتلك أي شيء من إرادتها، والعقل الثوري والنضالي والجهادي يقول أن يعلن أن الضفة محتلة تماماً وبناء عليه ترسم الإستراتيجيات والميكانزمات العملية لتحرير الضفة الغربية من المحتل وأركانه وأعوانه، وليس أن تتم المصالحة والتصافح مع من هم فرطوا ولاتزال مصالحهم مرتبطة مع العدو الصهيوني.
إننا نتفهم كثير من الظروف الذاتية والموضوعية التي دفعت بهذا اللقاء بين من فرط ومن لا يفرط، على قاعدة المطلب اليومي والحياتي للشعب الفلسطيني، ولكننا نتحفظ على هذا السلوك أن يكون إستراتيجية كما هو الحال في أزمة الرواتب وأزمة السلطة المستسلمة لإرادة الدول المانحة والمتسولة على مباني وزارة الخارجية للدول العربية، نرفض ونتحفظ على هذا السلوك لكي يكون طريقاً للمصالحة، فالمصالحة يجب أن تبنى على تفعيل كل الشعب الفلسطيني في مواجهة طويلة مع العدو الصهيوني برفع البندقية بيد والمقاومة بيد أخرى، تحقيق الأمن الإجتماعي للشعب الفلسطيني سواء في الضفة أو في غزة، وإننا نتذمر من أن يكون الإعتقال تحت فقط من يعترضون سلوك المصالحة التقاسمية والمحاصصة ولكن نحن مع أي مصالحة تبنى على قواعد وطنية تحتفظ بفلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر ومن شمالها لجنوبها، ونحن مع دمج كل أسلحة المقاومة في سلاح يسمى قوات التحرير الشعبية لتقود المواجهة العسكرية مع العدو الصهيوني كما يقود المهندس والطبيب والعامل والفلاح مرحلة البناء على الأرض الفلسطينية في غزة على أمل أن تقوم كل الفئات بواجبها في البناء ومواجهة الإحتلال في الضفة.
من الإستراتيجيات المهمة لأن يكون هناك وحدة للشعب الفلسطيني والشعب الفلسطيني موحد أينما وجد، وهناك عدم دقة في قصة تعميم المصالحة على الشعب الفلسطيني، فالشعب الفلسطيني كله ذو مصلحة في التحرير وتوحيد أداة المواجهة مع العدو الصهيوني، والمصالحة فقط هي بين العشائر الفصائلية، ولذلك استراتيجياً كان يمكن ومازال يحتمل أن تشكل قوة واحدة في غزة نهجها المقاومة وحكومة واحدة من كل الفئات والفصائل في غزة برنامجها إنتفاضة شعبية في الضفة الغربية مسانداً لها الشعب في غزة ومن إخوتنا في أراضي 1948 ومن فلسطينيي الشتات الذين يقدر عددهم بأكثر من 6 ملايين فلسطيني، هذه هي المصالحة الوطنية التي تبنى على أسس وقواعد التحرير ولا تبنى على أسس ومنظومات الحكم والمواقع والمكتسبات.
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه