تأتى الذكرى الثانية لثورة 25 يناير هذه المرة بملامح مختلفة فهى أول ذكرى سيتم التعامل معها فى ظل أول رئيس مدنى منتخب كأحد أبرز إنجازات الثورة, و لكن هل ستكون هذه المناسبة فى شكل إحتفالية بما حققته الثورة من إنجازات تمثلت فى إسقاط نظام مبارك و القضاء على مشروع التوريث الذى كان يرتب له ؟ أم أنها ستكون فى شكل مظاهرات نتيجة لرفض الشعب لممارسات جماعة الإخوان المسلمين و حلفائها من تيار الإسلام السياسى ؟ أم أنها ستكون ثورة أخرى جديدة سواء كانت إستكمالا للثورة التى لم تحقق مطالبها و أهدافها كاملة , أو ثورة بمفهوم الثورة ضد قرارات مست حياة المواطن المصرى بداية من الإعلانات الدستورية و مرورا بالدستور المستفتى عليه و نهاية بالأسعار و المستوى المعيشى و حجم المعاناة التى بات المواطن المصرى أشد المتأثرين بها؟ و لنكن أكثر وضوحا و توضيحا فهناك فرق كبير بين الإحتفال و التظاهر و الثورة , فالإحتفال له مظاهر تختلف كليا عن مظاهر التظاهرات و الثورات , و الإحتفالات عادة ما تكون أجوائها مبتهجة وأشكالها متعددة للشعب المصرى فقد تكون فى صورة إحتفالات موسيقية أو غنائية أو ذات عروض إحتفالية مركبة و عادة ما تكون هتافاتها متناغمة مع مظاهر الإحتفال أو تكون مجرد أجازة رسمية من العمل أو الدراسة , أما المظاهرات فهى تجمعات فئوية ذات طابع سياسى أو إجتماعى أو فئوى وعادة ما تكون هتافاتها منددة و معبرة عن مطالبها و تبدأ بمسيرات و تنتهى بتجمع تلك المسيرات فى أماكن محددة و قد تتطور المظاهرات الى إعتصامات للتاكيد على مطالبها و كأحد أدوات التصعيد للحصول على مطالبها, أما الثورات فهى مختلفة و إن كانت مصر قد شهدت ثورات سلمية عديدة على مر عصورها و كانت آخرها ثورة يناير 2011 إلا أن الثورات عادة ما تمتزج مظاهرها بمظاهر المظاهرات حيث تكون بداياتها فى شكل تظاهرى ثم تطور الى صدامات ينتج عنها دم.
من الصعب التنبوء بفعاليات الذكرى الثانية لثورة يناير فالشعب أصبح منقسم بفعل العديد من العوامل التى أثرت بشكل مباشر فى هذا الشعب , و بعيدا عن الإنقسامات التى أحدثتها الإعلانات الدستورية و فرق النعم و فرق اللا التى نتجت عن عملية الإستفتاء على الدستور و التصنيفات السياسية والعقائدية و الدينية التى إرتسمت اشكالها و ملامحها من جراء السجالات حول مواد الشريعة والمؤيدين و المعارضين للإخوان المسلمين , فإن الشعب المصرى فى هذه الذكرى سينقسم ما بين مؤيد لسياسات الإخوان و مؤيد مرحليا على أمل أن تأتى هذه السياسات بالإستقرار و الرخاء و إعادة عجلة الإنتاج و معارض لها على إعتبار أنها ترسخ لعهد جديد من الديكتاتورية الكهنوتية المتمثلة فى مكتب الإرشاد و التى أنقذت مصر من عصر التوريث العائلى الى مشروع توريث الحكم وترسيخه للجماعة و ما بين فصيل آخر يرى أن الثورة لم تحقق أهدافها و لم تكتمل و أنها سرقت بفعل فاعل وهذا الفاعل أصبح فى سدة الحكم و لابد من إستعادتها منه فضلا عن الفصيل الشبابى الذى لن يسكت على حق الشهداء.
و ستتحدد فعاليات الذكرى الثانية للثورة و إتجاهاتها بناء على حجم و كثافة المشاركة الشعبية , كما سيحدد نوعها فيما إذا كانت إحتفالية أو تظاهرية أو ثورية نوعية المشاركين فيها و أهدافهم ومطالبهم , كما أن ردود الأفعال و التفاعل من الدولة و المعارضين مع المطالب و أساليب التعامل مع كل معطيات هذه الذكرى ستحدد أيضا ما إذا كانت ستتطور افعاليات هذه الذكرى الى عنف أو ستنتهى بإنتهاء اليوم .
و المراهنة على إتجاه هذه الذكرى و فعالياتها بصورة مبكرة تعتبر رهانا خاسرا فالشعب المصرى اصبح من الصعب التكهن بإتجاهاته و سلوكياته و خاصة خلال المحافل ذات الكثافة الجماهيرية و إن كانت كل الأحداث التى عاشها الشعب خلال فترة ما بعد الثورة و حتى إحتفاله الثانى بها لم تؤثر فى حياته و معيشته بصورة إيجابية و لكنها كلها سلبيات و حوادث و حوارات جدلية لم تأتى عليه إلا بالمعاناه و الخوف من المستقبل, كما أنه يمكن الجزم بأن هناك إنقسامات بالغة الحدية فى المجتمع و أصبحت جماعة الإخوان المسلمين و حلفائها من تيارات الإسلام السياسى هى السبب فيه - بما أن رئيس الدولة أتى منها و بما أنها تمارس خطط التمكين فى مؤسسات الدولة و بما أن حلفائها مؤيدين لها على طول الخط .
و لكن المؤكد أن هذه الذكرى ستكون إما حاسمة لصالح التيار الإسلامى فى حفاظه على كل المكتسبات التى جناها من وراء هذه الثورة أو ستكون فى غير صالحه و ينجح التيار المدنى - الذى و إن كان مسلما إلا أنه لا يتخذ من الشعارات الدينية خلفية له - فى إستعادة الدولة المدنية و إعادة مناقشة المواد المختلف عليها بالدستور و إقصاء كهنة مكتب الإرشاد عن مقاليد إتخاذ القرار.
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه