تحل غدا الاثنين الذكرى الثانية لتحقيق الثورة التونسية لهدفها الأساسي وهو رحيل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي عن تونس، فعند السادسة مساء يوم الجمعة الموافق 14 يناير / كانون الثاني لعام 2010، طوت تونس صفحة زين العابدين بن علي بإقلاع طائرته دون عودة من مطار قرطاج وترك لرئيس وزرائه محمد الغنوشي أن يتولى رئاسة مؤقتة، أُطلقت على الفور شكوك بدستوريتها. كما ترك بن علي تونس أيضا في عهدة حال الطوارئ التي يستلم الجيش فيها عادة المسئوليات الفعلية في البلاد. وكان سيناريو إصعاد الرئيس إلى رحلة إلى المنفى قد نضج في الساعات الأخيرة، وتسارع تطبيقه في ساعات الظهيرة عندما سقط ما لا يقل عن ستة عشر قتيلا في العاصمة تونس.
وتأتي تلك الذكرى وسط مشاعر يغلب عليها الإحباط، بسبب تردي الأوضاع الاجتماعية، وتواصل تدهور الوضع الأمني، مما جعل البعض منهم يعبر صراحة عن "حنينه" لحقبة الرئيس المخلوع ، حيث أن أوضاع تونس متردية واليأس يعم البلاد، مما يعقد مهمة الحُكَّام الجدد ، وهذا الشعور بالخيبة أصبح لسان حال كل التونسيين.
الاسلاميون في المشهد
فبعد عامين على انطلاق حركات الربيع العربي التي انطلقت من تونس ، حل الاحباط محل الفرح في تونس ومصر وليبيا، بسبب تعثر المرحلة الانتقالية السياسية التي تعرقلها الانقسامات السياسية والعنف وركود الاقتصاد وتهديدات المتطرفين.
وانبثقت عن الثورة التونسية انتخابات 23 أكتوبر 2011 "ترويكا حاكمة" يتزعمها حزب النهضة الإسلامي مع حزبين وسطيين. وبعد سنة ونصف تلاقي الترويكا انتقادات واسعة نتيجة تواضع حصيلتها وتغليب المحاصصة الحزبية على المصلحة الوطنية في اختيار عناصر الحكومة التي لم تعالج عددا من الملفات الرئيسية وتتهمها المعارضة بالعودة بالبلاد إلى الوراء، إلى ما قبل الثورة.
وباتت حكومة الترويكا التي خلفت الحكومة الانتقالية لرئيس الوزراء السابق الباجي قايد السبسي تواجه تحديات كبرى مما دفع بعدد من المراقبين إلى وصفها بالفاشلة، خاصة في تعاملها مع ملفات رئيسية كانت من مطالب المحتجين خلال الثورة التونسية التي أطاحت بالنظام السابق.
كما يعرف المشهد السياسي تنامياً مخيفاً للاستقطاب السياسي والايديولوجي، بين الإسلاميين - الذين يحكمون الآن - وخصومهم وخاصة من التيارات اليسارية والعلمانية، مع عودة "قوية" لرموز سياسية تحسب على الحزب الحاكم السابق المنحل.
ترنح وارتباك
وحول الوضع التونسي، أكد المحلل الاستراتيجي منذر ثابت، أن الوضع الحالي "تغلب عليه حالة من الارتباك والترنح، وهي سمة تنسحب على البيئة السياسية، وعلى أهم التشكيلات الحزبية، في ظل حكومة تواجه صعوبات مركبة، بسبب قلة الخبرة، وصعوبات المرحلة الانتقالية غير واضحة المعالم والأهداف، يضاف إليها تبعات أزمة اقتصادية خانقة في علاقة بشركاء تونس الاقتصاديين وخاصة أوروبا.
ويقول ثابت "يؤكد العديد من القراءات، على أن الترويكا الحاكمة وخاصة حركة النهضة، كان بإمكانها التعاطي بكل براغماتية مع المرحلة، بما يجعلها قادرة على هدف مزدوج، وهو الاستقرار الأمني والسياسي، والإنقاذ الاقتصادي".
ويقول الوزير السابق والقيادي في حركة "نداء تونس" الأزهر العكرمي "إن السنة الثانية من الثورة، والتي تميزت بوصول حزب النهضة الإسلامي للحكم، عرفت تعطلا في الانتقال الديمقراطي، بسبب غياب الوفاق الوطني الذي هو ضروري في هذه المرحلة الانتقالية، وكذلك انعدام خارطة طريق واضحة من قبل الحكومة، حيث إلى الآن لم يقع الانتهاء من كتابة الدستور".
وفي تقدير العكرمي، فإن هذا الوضع "أدى إلى تأخر الاتفاق على إقرار شكل النظام الرئاسي، وبالتالي تحديد تاريخ الانتخابات. مما أدخل حالة من الضبابية، واتساع أزمة الثقة بين الحكومة والمعارضة. وكان له تأثير سلبي على الاستثمار والتنمية".
وأكد المحلل السياسي خميس الكريمي ل"العربية.نت"، على أن فترة حكم النهضة، عرفت تسارعاً في وتيرة الحركة الاحتجاجية، نظراً لصعوبة التركة الثقيلة التي ورثتها، إضافة إلى نقص الخبرة والكفاءة لدى الفريق الحكومي.
خزينة خاوية
ومن الواضح أن تونس تعيش حالة اقتصادية متردية ، فقد أعلنت وكالة الأنباء التونسية الرسمية منذ أيام ، أن الخزينة العامة للدولة التونسية ليس فيها حالياً ما يكفي من الأموال لسداد رواتب موظفي القطاع العام لشهر يناير 2013.
وقالت الوكالة: :"بل تتجاوز السيولة (المالية) الموجودة في الحساب (المصرفي) الجاري للخزينة العامة للدولة 126 مليون دينار (63 مليون يورو) حتى 4 يناير الماضي ، في حين تقدر نفقات الأجور (الرواتب الشهرية) العمومية ب600 مليون دينار (300 مليون يورو)، وهو ما قد يثير مخاوف حول قدرة الدولة على صرف الأجور الشهر الجاري".
وأضافت أن سليم بسباس كاتب الدولة للمالية، "أكد أن هذه الوضعية لا تدعو الى التخوف من عدم قدرة الدولة على خلاص (سداد) رواتب شهر يناير، وأن هناك سيولة كافية لتغطية هذه المصاريف".
وقال بسباس للوكالة إنه "من المنتظر أن تتطور سيولة خزينة الدولة قبل 20 يناير الجاري".
وأوضح أن 600 مليون دينار (حوالي 300 مليون يورو) متأتية من بيع أملاك مصادرة للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وعائلته، و"أموال أخرى متأتية من التصاريح الجبائية (الضرائب) على الأشخاص الطبيعيين ستتجاوز 100 مليون دينار 50 مليون يورو"، ستدخل الخزينة العامة للدولة قبل 20 يناير.
وأضاف أن تونس ستحصل أيضا على قروض "مبرمجة في الميزانية" من البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية "ستخصص لتسديد نفقات التنمية المبرمجة لسنة 2012".
ولفتت الوكالة الى أن سليم بسباس "لم يقدم مزيدا من التوضيحات حول مدى قدرة الدولة على صرف أجور الأشهر القادمة" ، مشيرة الى أنه أبدى "تفاؤلا بهذا الشأن".
ويشغّل القطاع العام في تونس أكثر من نصف مليون شخص تصرف رواتبهم عادة في العشرين من كل شهر.
وهذه أول مرة يتم الحديث فيها عن "مخاوف" من عجز الدولة عن تسديد الرواتب الشهرية منذ الإطاحة في 14 يناير 2011 بالرئيس زين العابدين بن علي.
ارتفاع البطالة
هذا وقد تفاقمت أرقام البطالة في تونس وانتشرت الظاهرة التي تؤرق المجتمع التونسي وتمس جانبا كبيرا من شرائحه إن لم تكن مجملها، الحق في العمل هو شعار رفعه الشباب الذين قاموا بالثورة ضد النظام التونسي السابق حين رددوا "التشغيل استحقاق يا عصابة السراق". إلا أن أرقام البطالة لا تزال تشهد منحى تصاعديا وسوق العمل في تونس لم تعرف بعد الانفراج الذي بشرت به حكومة النهضة الإسلامية التي وعدت خلال الحملة الانتخابية بتوفير 400 ألف فرصة عمل في حال وصول النهضة إلى الحكم. وتشير الأرقام الرسمية التي نشرها موقع وزارة التشغيل التونسية لطلبات الشغل في تونس إلى أن عدد الباحثين عن عمل في فبراير 2011 كان في حدود 187442 قبل أن يصل أواخر فبراير 2012 إلى 300637 من بينهم 203 ألف من حاملي الشهادات العليا و21 ألف من حاملي شهادات التكوين المهني.
هذه الأرقام يضاف إليها هروب عدد هام من الاستثمارات الأجنبية وحتى الوطنية إلى دول أخرى كالمغرب وتركيا حيث الأوضاع الاجتماعية والسياسية أفضل. مما يعطل أكثر عجلة الاقتصاد التونسي، ونشرت وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي في هذا الصدد أرقاما بينت أن الاستثمارات الأجنبية تراجعت في أواخر2011 بنسبة 26.3 بالمائة.
وتزامناً مع التراجع الاقتصادي تزايد التعدي على الحريات، خاصة الحريات الصحفية والإعلامية والتي عكسها اعتقال رئيس تحرير صحيفة "التوانسة" وموجة الاعتقالات في الكثير من المدن التونسية، ولذلك بدأ المشهد التونسي يتجه صوب التصاعد وانتشار الاحتجاجات.
فمؤخراً شهدت ولاية سليانة مظاهرات عدة ونجم عنها أكثر من 300 جريح, وأعادت تلك التظاهرات ذكريات ومشاهد اندلاع الثورة التونسية قبل عامين في مدينة سيدي بوزيد. وألقت تلك المظاهرات بظلالها علي حقيقة المشهد ومصير الثورة التونسية بعد عامين ولماذا تتعثر حتي الآن في تحقيق أهدافها في ظل طموحات وتوقعات متزايدة من الشعب التونسي.
وانتقلت احتجاجات سليانة إلى مدن أخرى مثل صفاقس وسبيطلة وسيدي بوزيد والكاف والقيروان، والتي طالبت باستقالة رئيس الحكومة وأمين عام حركة النهضة حمادي الحبالى.
تعديل وزاري
وتأتي الذكرى الثانية لرحيل بن علي عن تونس تزامناً مع اعلان رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، تأجيل الإعلان عن التعديل الوزاري، وأوضح على هامش ندوة "الإسلاميون وخيارات إدارة الحكم" بالعاصمة تونس أمس السبت، أن موعد الإعلان عن التعديل المرتقب لن يكون قبل 20 يناير الجاري.
وبرّر الغنوشي أسباب التأجيل بعدم التّوصّل إلى اتفاق داخل التحالف الثلاثي الحاكم، بخصوص توزيع الحقائب الوزارية، وكذلك رغبة منها في توسيع وتشريك عديد الأطراف السياسيّة في الائتلاف الحاكم.
يأتي هذه التصريح في الوقت الذي كان فيه الشارع التونسي ينتظر الإعلان عن تعديل في تركيبة الحكومة الحالية يوم غد الاثنين، الذي يوافق الاحتفالات بالذكرى الثانية للثورة. وكانت مصادر حكومية وحزبية أجمعت منذ أسبوعين على أن التعديل سيعلن عنه في 14 يناير.
وفي 2 يناير، قال المستشار السياسي لرئاسة الحكومة لطفي زيتون: "إن تغييرات ستدخل على تشكيلة الحكومة في يوم عيد الثورة التونسية"، وجرت اجتماعات في صلب التحالف الثلاثي الحاكم بقيادة حركة النهضة، واتصالات مع قيادات أحزاب المعارضة، قصد الوصول إلى اتفاق بشأن تعديل وزاري يمكن أن يسهم في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، غير أن قيادات المعارضة الرئيسة في البلاد، وخاصة الحزب الجمهوري والجبهة الشعبية والمسار الديمقراطي الاجتماعي، رفضت الانضمام إلى الحكومة، ودعت إلى تشكيل حكومة جديدة مصغرة، تتكون من كفاءات غير متحزبة، وتحييد وزارات السيادة عن الاستقطاب السياسي، وهو ما رفضته حركة النهضة.
وقالت مصادر مطلعة :"إن خلافات حادة جدّت بين حركة النهضة وحزب المؤتمر، الذي دعا إلى ضرورة عزل وزير الخارجية رفيق عبد السلام، بسبب ضعف أدائه، على حد تعبير الأمين العام للحزب محمد عبو، والذي دعته قيادة النهضة إلى الإشراف على حقيبة الإصلاح الإداري التي استقال منها في يونيو الماضي، مع منحه صلاحيات كاملة لتنفيذ الإجراءات الإصلاحية التي يراها مناسبة".