تحول المعنى النبيل للزواج من سكن وطمأنينة بين امرأة ورجل إلى "صفقة زوجية" بين طرفين تعقد تحت جنح الظلام أو وراء الأبواب الموصدة خوفاً من التساؤلات أو هرباً من كل النظرات التي تتساءل عن حقيقة هذا الوضع المحير بينهما، فنجد خروج كثير من المسميات الجديدة للزواج، من بينها زواج المسيار وزواج المتعة والزواج العرفي والعديد من المسميات الأخرى. وإن تعددت المسميات واختلفت الأحكام، فإن الكثيرين يرون أن أي زواج خلاف المتعارف عليه مشكوك في سلامته ونواياه ودوافعه مرهون بأغراض مختلفة لا ترتقي لبلوغ حياة أسرية مستقرة.
وظاهرة زواج المسيار تغلغلت بشكل كبير في المجتمع السعودي رغم تحريمه من قبل البعض لعدم استيفائه لشروط و أحكام الزواج الشرعي .
كما تزايد أعداد السعوديين، من فئة رجال الأعمال والميسورين، الذين يتجهون للزواج العرفي انطلاقاً من أسباب مختلفة، أهمها المشاكل الأسرية وانشغال الزوجة وكثرة الأولاد، وصولاً إلى ما يعرف بالطلاق العاطفي أو الصامت.
مسميات مختلفة
وفي البداية يجب أن نكون على دارية ببعض التعريفات لأنواع الزواج التي انتشرت في الآونة الأخيرة :
- زواج المسيار : أن يعقد الرجل زواجه على امرأة عقدًا شرعيًا مستوفي الأركان . لكن المرأة تتنازل عن السكن والنفقة ، وهذه التسمية جاءت في كلام العامة، تمييزاً له عما تعارف عليه الناس في الزواج العادي، لأن الرجل في هذا الزواج يسير إلى زوجته في أوقات متفرقة ولا يستقر عندها.
- زواج المتعة : أن يتزوج الرجل المرأة بشئ من المال مدة معينة ، ينتهي النكاح بانتهائها من غير طلاق . وليس فيه وجوب نفقة ولا سُكنى . ولا توارث يجري بينهما إن مات أحدهما قبل انتهاء مدة النكاح .
- الزواج العُرفي : وهو نوعان :
- باطل ، وهو أن يكتب الرجل بينه وبين المرأة ورقة يُقر فيها أنها زوجته ، ويقوم اثنان بالشهادة عليها ، وتكون من نسختين ، واحدة للرجل وواحدة للمرأة ، ويعطيها شيئًا من المال ! وهذا النوع باطل ؛ لأنه يفتقد للولي ، ولقيامه على السرية وعدم الإعلان .
- شرعي ، وهو أن يكون كالزواج العادي لكنه لا يُقيد رسميًا عند الجهات المختصة وبعض العلماء يُحرمه بسبب عدم تقييده عند الجهات المختصة لما يترتب عليه من مشاكل لا تخفى بسبب ذلك .
لا فرق
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "عكاظ" تشير خطّابة متخصصة في زواج المسيار إلى أن بعض النساء اللاتي يعملن في وظائف تبقيهن كل الوقت خارج المنزل أو من لديهن ظروف أسرية واجتماعية معينة، كأن تكون مطلقة ولديها أطفال، أو متقدمة في العمر وأبناؤها يرفضون زواجها، يلجأن لطلب الزواج المسيار أو "الوناسة" أو "النهاري".
من جانبه يقول مأذون الأنكحة والداعية الدكتور خالد أبو القاسم: "إن زواج المسيار لا فرق بينه وبين الزواج العادي إلا في اشتراط المبيت أو الإنجاب، فالمرأة التي رضيت بهذا الزواج قد أسقطت حقها في المبيت وفي رغبة الإنجاب، وهذا يعود لظروف بعض النساء أو الرجال السرية أو العملية، على أنه عند وقوع الحمل أو الإنجاب يعود العقد إلى أصله عقداً طبيعياً، يُلزم به الزوج بنسب الأبناء وما يتبعه من مسؤوليات وتبعات، والزواج يصبح شرعياً ومقبولاً إذا اكتملت فيه جميع الأركان والشروط الشرعية المعتبرة من إيجاب وقبول، وحضور شهود، ودفع مهر للزوجة ولو الشيء اليسير، والإشهار ولو بوليمة ونحو ذلك، وموافقة ولي الأمر أو من ينوب عنه شرعا".
وأوضح ان زواج المسيار زواج طبيعي في تفاصيله الشكلية، إلاّ أن الزوجة فيه تتنازل عن حقوق أساسية لها في هذا الزواج؛ رغبة في الارتباط والستر، أو بسبب أمور أخرى، فما توافق مع الشروط والأركان سمي زواجاً وتبقى قاعدة المؤمنين على شروطهم؛ فإذا اتفق الزوج والزوجة على أي شرط ما لم يكن يحل حراماً أو يحرم حلالاً ، فتبقى منظومة الزوجين تحت شروطهما، ولذلك يسأل المأذون عن شروط العروسين قبل عقد النكاح لكي تتفق الأمور وتنسجم مع هذه الشروط وكل يلتزم بشروطه مهما كانت.
وأضاف القاسم "ان كل من يقدمن على زواج المسيار هو لرغبتهن في تحصين أنفسهن ولكي يكون لهن وجاء من نزوات الشيطان، وبلا شك أن المتلاعبين مخالفون لشرع الله، وذلك في حال عددت المرأة أكثر من زوج تحت مسمى المسيار أو الرجل الذي يتجاوز أربع نساء".
يأتي ذلك في الوقت الذي اعتبر مدير الشئون الاجتماعية بجدة إحسان الطيب أن زواج المسيار ظاهرة اجتماعية ناجمة عن خلل في النظام الأساسي للأسرة ونتيجة نشوب عيب في نظام الزواج الأساسي.
انفاق وسكن
أما الأستاذ المشارك في الدراسات القرآنية بالجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة الدكتور عادل إبراهيم :"إن للزوجة حقوقاً على زوجها، وهو ملزم بالوفاء بها ولا يجوز له التقصير فيها. ومنها النفقة، فقد أوجب الإسلام على الزوج الإنفاق على زوجته من ماله حتى لو كانت ثرية، والنفقة تشمل المسكن والملبس والطعام وغيرها من متطلبات الحياة. وجاء هذا في قوله تعالى:" أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ".
وقال: إن الله أمر الرجل بالقوامة، وذكر هذا في كتابه بقوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ". وللزوج الإنفاق على زوجته حتى لو وثّق شرط منع الإنفاق في عقد الزواج، كما أن أدلة القوامة تشمل الإنفاق وإسكان الزوجة والتكفل بكل ما قوّم به. مشيراً إلى أن مكانة الرجل أرفع من هذه المكانة التي يضعه فيها هذا الزواج، ولا يجب أن يكون دخول بيوت العوائل من أجل انتهاز فرص بناتهن الصعبة للاستفادة منها في زيجات عابرة؛ لأن النواتج من هذا الزواج وخيمة، وما يترتب عليها من أبناء سواء أكانوا برغباتهم أو دون ذلك.
أضرار "المسيار"
ولا ننكر أن هناك أضراراً قد تحدث بسبب هذا الزواج منها: - قد يتحول الزواج بهذه الصورة إلى سوق للمتعة وينتقل فيه الرجل من امرأة إلى أخرى، وكذلك المرأة تنتقل من رجل لآخر.
- الإخلال بمفهوم الأسرة من حيث السكن الكامل والرحمة والمودة بين الزوجين.
- قد تشعر المرأة فيه بعدم قوامة الرجل عليها مما يؤدي إلى سلوكها سلوكيات سيئة تضر بنفسها وبالمجتمع.
- عدم إحكام تربية الأولاد وتنشئتهم تنشئة سوية متكاملة، مما يؤثر سلباً على تكوين شخصيتهم.
فلهذه الأضرار المحتملة فهذه الصورة من صور النكاح ليست هي الصورة المثلى المطلوبة، ولكنها تبقى مقبولة في بعض الحالات من أصحاب الظروف الخاصة.
كما أن هذا الزواج كان أحد الاسباب في رفع نسبة الطلاق كثيرا، وبحسب مرشدة أسرية أمل الحريبي فإن تحليل بعض أنواع الزواج مثل المسيار هو الذي أدى إلى ارتفاع معدلات الطلاق، وهو الزواج الذي اعتبرت أنه "غير قائم على أركان حقيقية"، داعية الجهات الشرعية والرسمية إلى إيقاف هذا النوع من الزواج لأنه يزيد من نسب الطلاق ويفقد الحياة الزوجية استقرارها، لأن مصيرها حتما هو الانفصال.
وشكك رئيس وحدة الدراسات والتطوير بجمعية المودة للإصلاح الاجتماعي علي آل درعان في نسبة وزارة العدل السعودية الرسمية، وقال "الرقم المطروح مبالغ فيه، وربما يكون قد أدخلت فيه زيجات أخرى كالمسيار والمسفار وغيرها من الزيجات التي رفعت المعدل لمستوى هذا الرقم". حيث كشفت وزارة العدل السعودية بأن حصيلة حالات الطلاق الواردة إلى محاكم السعودية العام الماضي بلغت 9233 حالة، مقابل 707 حالات زواج في الفترة نفسها، بمعدل 25 حالة طلاق مقابل كل حالة زواج واحدة يوميا، وهو العدد الذي رأى فيه بعض المتخصصين تصدر المملكة كافة الدول الخليجية والعربية في ارتفاع حالات الطلاق.
دخيل علينا
أما عن الزواج العرفي الذي انتشر أيضا بالمجتمع السعودي ، فيرى أستاذ كرسي الأمير نايف لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجامعة الإسلامية الدكتور غازي المطيري أن "الزواج العرفي ينطلق من أهواء شخصية ودوافع ذاتية".
ويقول القاضي في المحكمة الجزئية بالمدينةالمنورة فيصل شيخ، إن الزواج العرفي لا يجوز، وهو زواج غير معروف شرعاً، لأنه يفتقد لوجود الولي وشاهدي عدل، والزواج الشرعي هو المكتمل الشروط ولا يصح لبنت أو لرجل أن يزوجا نفسيهما بهذه الطريقة، وزواجهما لا يقبل، لأنه غير شرعي، ويجب علينا أن ننبه إلى تحريمه؛ لأنه ليس من الدين ولا من عاداتنا، وهو دخيل علينا، ومن يقوم به يعاقب بالتوبيخ أو التعزير أو السجن أو الجلد.
أما المستشار القانوني عبدالرحمن الخالدي فيؤكد وقوف المحاكم الشرعية ضد النكاح العرفي، كونه محرماً شرعاً، لافتاً إلى أن "الطلبات التي تقدم رغبة في هذا النوع من النكاح تقابل بالرفض، وقد يعاقب الشخص إن كان عالماً بالحكم".
وأكد المستشار الأسري نزار رمضان أن الأضرار الناجمة عن هذا النوع من الزواج يأتي في مقدمتها التفكك الأسري والاستهتار بكيان الأسرة والتخفي والبعد عما شرع الله من إعلان وفرح وسكن ومودة ورحمة، والاختباء الاجتماعي والعزلة، وفقدان قيمة الذات وأهميتها بالنسبة للأنثى، وقد يتولد عن الزواج العرفي حمل تضطر إلى كتمانه، أو تحاول التخلص منه بالإجهاض غير القانوني، مضيفاً بعدم وجود إحصائيات دقيقة توضح حجم المشكلة وتطورها في المجتمع لحلها أو الحد من انتشار هذا الزواج.
أما رئيس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى الدكتور محمد السعيدي فيرى أن كل عقد اكتملت أركانه، وهي: الزوجان الخاليان من الموانع والولي للمرأة والشاهدان ولم يكن مؤقتاً بوقت طويل أو قصير، فهو زواج صحيح شرعاً، بمعنى أنه تستقر به الحرمة ويثبت به النسب ويباح به الزوجان لبعضهما، سواء سميناه زواجاً رسمياً أم عرفياً أو أي اسم آخر.
مأساة القاصرات
وهناك مشكلة أخرى حول الزواج بالسعودية وهي ملف زواج القاصرات ، حيث جاء زواج تسعيني من فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً الأسبوع الماضي ليعيد الجدل حول زواج القاصرات الذي لا يزال مستمراً في السعودية. وتعتبر السعودية، الدولة العربية الوحيدة التي لم تحدد سناً لزواج الفتاة أو الفتى، ولا توجد أي إحصاءات دقيقة ترصد عدد حالات زواج القاصرات.
ونجحت هيئة حقوق الإنسان السعودية، في انهاء مأساة هذه الفتاة القاصر التي أجبرت على الزواج من عجوز يبلغ من العمر 90 عاماً، وذلك بعد أن استرد الزوج قيمة المهر مقابل تطليق الفتاة.
وتمكنت الهئية بمساعدة وساطة قبلية في منطقة جازان جنوبي السعودية من حل هذه القضية التي أثارت جدلا في المملكة، لاسيما بعد أن ذكرت وسائل إعلام أن الفتاة البالغة من العمر 15 عاما، أصيبت بالرعب ليلة زفافها، وفرت بعد يومين إلى منزل أسرتها.
وذكرت الهيئة في بيان صحفي أن وفدا حقوقيا انتقل "إلى مكان إقامة الفتاة والوقوف على ملابسات زواجها والتحقق من المعلومات التي وردت للهيئة وتقديم العون القانوني لها بما يضمن حمايتها من هذا الزواج الغير متكافئ".
والتقت الهيئة ب"حضور شيخ القبيلة وبعض الأعيان" في المنطقة بمن اسمتهم ب"أطراف العلاقة"، وشرحت لهم "للأبعاد السلبية التي تحدث نتيجة هذا الزواج الغير متكافئ سواء الاجتماعية أو الصحية أو النفسية في ظل رفض الفتاة ارتباطها بهذا الزوج الذي لم تتم بينهما العلاقة الزوجية". وبناء على ما تم في هذا اللقاء فقد انهي الزواج بالتراضي بطلاقها في جلسة الصلح وكتابة وتحرير اتفاق بذلك. وعبر رئيس الهيئة عن شكره لشيخ القبيلة والاعيان الذين ساهموا في الصلح، وشدد على ضرورة وضع معايير تضمن مصلحة الفتاة عند اجراء عقود الزواج من حيث العمر وتكافئه بين الزوجين.
الفقر السبب
وذكرت الطفلة التي تدعى شريفة "تزوجت المسن بسبب دموع إخوتي، فقد أشفقت على أسرتي المكونة من13 ابناً وابنة".
وأضافت أن اسرتها "تفتقد أبسط مقومات الحياة الكريمة، ما بين تشرد، وحرمان من التعليم والمسكن الآمن، وحتى اللعبة لا يجدها أشقائي".
وتابعت: "إخوتي لا يذوقون اللحم إلا في المناسبات أو ما يجود به أهل الخير".
وتكمل شريفة "لطالما عانينا أثناء اشتداد المطر، فيصطحبنا والداي إلى بيت جيراننا لنحتمي من غزارة الأمطار"، موضحة أن والدها لم يستطع إكمال أوراق بطاقة الأحوال "دوائر تسجيل النفوس" لإستخراجها، "وبقينا ننتظر مصيرنا".
أما الأم الأربعينية السعودية "الزوجة" مريم هزازي، فتبين أنها تملك بطاقة أحوال، وهي غير متعلمة، وتتمنى تصحيح وضع زوجها "اليمني"، وهو من أبناء قبيلتها، ويحصل على بطاقة أحوال.
وناشدت أن تُمنح منزلاً من إسكان الملك عبدالله التنموي أو من فاعل خير، وتمنت قبول أبنائها وبناتها في المدرسة حتى يحصلوا على التعليم والرعاية الصحية.
ويقول الأب علي شويعي مدوح هزازي عن الوضع المادي الصعب وحالة العيش، إنه حصل على أراضٍ أصحابها يعملون في المناطق الأخرى وهو يقوم مع أسرته بالعمل فيها وزراعتها بالقمح ومن ثم يباع محصولها وجزء منه يتم تخزينه كتموين وقوت أسرته إلى الموسم التالي ليتغلب على الظروف المعيشية التي يقاسيها.
وانتقد صحفي سعودي الأوضاع المعيشية في بلاده، وأشار إلى وجود 60% من السعوديين تحت خط الفقر، معتبراً أنه لا يصح أن يحصل موظف سعودي على راتب شهري قدره 1500 ريال، بينما دخل البلاد السنوي 1500 مليار ريال.
وتؤكد دراسة غير رسمية أن أكثر من 60% يعيشون تحت خط الفقر في السعودية.
من جانبه كشف عضو في هيئة التّدريس في جامعة الملك محمد بن سعود الإسلاميّة أنّ 5622 فتاة سعوديّة زُوّجن أخيراً، وهن دون سن ال14 عاماً، وقال إنّ تحديد سنّ الزّواج لن يحلّ المشكلة، بقدر ما سيؤدّي إلى مشاكل أخرى أشدّ ضرراً، وهذا ما عارضه به عدد من العلماء المسلمين مطالبين بالعكس أي تحديد سنّ الزّواج.
وأشير إلى أنّ حالات تزويج فتيات صغيرات في السنّ لرجال أثرياء تكثر في المجتمعات الرّيفيّة والبدويّة.
وهذه الظاهرة وما يترتّب عنها أدّت إلى المطالبة بتحديد سنّ الزّواج، وألا يسمح بزواج أيّ شخص دون السنّ المحددة إلّا في ظروف استثنائيّة وذلك للحدّ من المشاكل الّتي تنتج عنها.