تعكس زيارة رئيس الوزراء الأثيوبي مليس زيناوي إلى مصر والتي تبدأ يوم السبت المقبل وتستمر يومين نجاحا لمساعي حثيثة وجادة تستند إلى إرادة سياسية وشعبية متبادلة في البلدين لتحسين علاقاتهما وتطويرها في جميع المجالات على أساس تحقيق المصالح المشتركة وتعزيز المكاسب للجميع. وبدأت هذه المساعي الجادة لتحسين علاقات البلدين بعد ثورة 25 يناير في مصر بالزيارة الناجحة لوفد الدبلوماسية الشعبية المصرية الذي ضم 48 شخصية بارزة من القيادات السياسية والحزبية ومن الشخصيات العامة ومن شباب ثورة 25 يناير، في 29 أبريل الماضي إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا حيث نجحت في استعادة جزء كبير من الثقة بين البلدين، ونجحت كذلك في استعادة روح التعاون والحرص على مصلحة الجانبين.
والتقى وفد الدبلوماسية الشعبية خلال زيارته التي استمرت خمسة أيام مع الرئيس الأثيوبي جيرما ولد جيورجيس والذي عبر خلال اللقاء عن بالغ تقديره للثورة المصرية وللتحضر الذي أبداه الشعب المصري خلال أحداثها عندما قال "لقد نجحت ثورتكم بفضل شعوركم بالمسؤولية وبفضل التحضر الذي ظهر منكم وهذا يوضح أن لمصر حضارة ورقي "، ثم التقي الوفد خلال الزيارة أيضا مع رئيس الوزراء الأثيوبي ملس زيناوي حيث نجح اللقاء في تحريك الجمود الذي اعترى العلاقات بين البلدين في فترة من الفترات، وأعلن زيناوي خلال اللقاء عن قراره بتجميد مصادقة بلاده علي الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل لحين تشكيل حكومة منتخبة ورئيس منتخب في مصر تقديرا من إثيوبيا إلي "مصر الثورة" وكذلك موافقته على تشكيل لجنة مشتركة من إثيوبيا والسودان ومصر وخبراء دوليين لفحص سد النهضة الإثيوبي والعمل على تلافي أي تأثيرات سلبية له على دولتي المصب.
وقام رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف وبرفقته عددا من الوزراء بزيارة إلى أديس أبابا يومي 14 و15 مايو الماضي وشهد خلالها على توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مجالات التجارة والاقتصاد والاستثمار بهدف تعزيز حالة الزخم وقوة الدفع الحالية في علاقات البلدين.
كما التقى الدكتور شرف برئيس الوزراء زيناوي مرة أخرى في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا في يونيو الماضي خلال اجتماع ضم الكتل الاقتصادية الثلاث الكبرى في أفريقيا، ثم التقى مع زيناوي مرة ثالثة في قمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة في مالابو في يوليو الماضي.
وقام وفد اقتصادي أثيوبي بعد ذلك برئاسة وزير الدولة للصناعة تاديسي هايلي إلي القاهرة والتقى يوم 29 مايو الماضي مع مجموعة من رجال الأعمال المصريين ومع وزيري الصناعة والتجارة الخارجية آنذاك، وفي هذا الصدد، أكد وزير الدولة الأثيوبي حرص بلاده على جذب مزيد من الاستثمارات المصرية وتعميق التعاون الاقتصادي بين البلدين يرى السفير المصري في أديس أبابا محمد فتحي إدريس أن زيارة زيناوي إلى مصر والتي يلتقي خلالها مع المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري والدكتور عصام شرف تشير إلى تطورات إيجابية مهمة في مجال تعزيز العلاقات المصرية الأثيوبية على أساس المصالح المشتركة وتحقيق مكاسب للجميع ورغبة متبادلة لترجمة هذا الزخم الجديد في العلاقات إلى خطوات عملية لتعزيز التعاون في جميع المجالات بين البلدين.
وأكد السفير إدريس أن التواصل المكثف بين الدكتور عصام شرف و رئيس الوزراء زيناوي كان له أثر كبير في تحسين أجواء العلاقات بين البلدين، مشيرا إلى أن الفترة الماضية شهدت زيادة في حجم الاستثمارات المصرية بإثيوبيا حيث بلغت في شقيها المنفذ والمزمع نحو 7ر1 مليار دولار. وقال إنه يجري حاليا بحث إنشاء منطقة صناعية مصرية في إثيوبيا تكون مظلة لتواجد منشآت صناعية مصرية في إطار تكاملي تلبي احتياجات السوق الإثيوبي.
وأشار إلى أن اللجنة المصرية الإثيوبية المشتركة ستعقد اجتماعا على مستوى وزيري خارجية البلدين يومي الأربعاء والخميس المقبلين وسيرأس نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية هيلمريام ديسالين الجانب الأثيوبي في اجتماعات اللجنة وسيجري خلالها التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم حول التعاون في مجالات المزارع النموذجية والاستزراع السمكي والتعليم العالي والطيران المدني والتجارة.
ويقول السفير إدريس إنه يجري التعامل حاليا مع ملف المياه بين البلدين في إطار آلية من الحوار المشترك بهدف الوصول إلى رؤية مشتركة حول كيفية التحرك قدما بشأنه وأن الشق الأساسي من هذه الآلية هو تشكيل اللجنة الثلاثية المشتركة التي تم الاتفاق على إنشائها خلال زيارة الدكتور شرف إلى أثيوبيا في مايو الماضي والتي ستتولى بحث الجوانب الفنية لمشروع سد النهضة الأثيوبي بهدف التوصل إلى تقييم فني موضوعي لآثاره وانعكاساته على إثيوبيا والسودان ومصر وفي ضوء ذلك، يتم تحديد كيفية التعامل المشترك في هذا الملف، وانه يجري حاليا الاتفاق على مراجع عمل اللجنة وينتظر أن يتم ذلك قريبا، بما يؤدي إلى بدء عملها.
وعلي صعيد العلاقات الدينية، هناك ارتباط روحي وثيق بين الكنيسة القبطية المصرية والكنيسة الأرثوذكسية الأثيوبية، حيث كان القديس أثناسيوس الذي تربع علي عرش الكرسي البابوي في مصر طيلة 45 عاما هو من قام برسم أول أسقف لأثيوبيا وهو القديس فرومنتيوس المعروف عند الأثيوبيين باسم "أبونا سلامة" في عام 329 ميلادية في بداية القرن الرابع للمسيحية، وحتى منتصف القرن الماضي كانت الكنيسة القبطية في مصر تقوم بتعيين أسقف إثيوبي.
كما اتفق خلال زيارة قداسة البابا شنودة الثالث إلى إثيوبيا في عام 2008، على وجود ممثل للكنيسة القبطية المصرية لدى الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية. ويوجد قس إثيوبي في الكنيسة القبطية مما يؤكد على عودة العلاقات القوية بين الكنيستين. وفي بداية هذا العام زار البطريرك الإثيوبي أبونا باولوس، قداسة البابا شنودة الثالث في القاهرة لتهنئته بعيد جلوسه الثامن والثلاثين على عرش البابوية.
وقال السفير المصري لدى إثيوبيا محمد فتحي إدريس إنه التقى قبل أيام مع بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الأثيوبية أبونا باولوس ومع ممثل الكنيسة الأرثوذكسية المصرية لدى أثيوبيا الراهب القس سيدراك بيشوي، موضحا أن هذه اللقاءات تأتي في إطار مساعي تعزيز الروابط والتواصل على المستويين الرسمي والشعبي والديني ومن منطق الدور الجوهري للبعد الروحي والديني في حياة الشعبين والذي يمثل أحد مظاهر العطاء الحضاري والإنساني للبلدين.
وعلي صعيد العلاقات الإعلامية بين البلدين، يقول المستشار الإعلامي المصري في أديس أبابا مصطفى أحمدي إن الهيئة العامة للاستعلامات ممثلة عن مصر، وقعت مذكرة تفاهم مع مكتب شؤون الاتصالات الحكومية الأثيوبية خلال اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة في العاصمة أديس أبابا في الفترة من 26 إلى 30 مارس 2010 والتي نصت علي "تبادل الزيارات بين الخبراء والفنيين في مجال التوثيق الإعلامي والمالتي ميديا والإنتاج الفني للتعرف علي تجربة البلدين في هذه المجالات".
وأضاف أحمدي أن هذه الاتفاقية شجعت الطرفين علي "تبادل الأبحاث والدراسات المتعلقة بالقضايا الأفريقية ذات الاهتمام المشترك من خلال سفارتي البلدين، وأوضح أن الهيئة العامة للاستعلامات تقدم خبراتها في مجال الإعلام التنموي والقضايا الخاصة به مثل المرأة ورعاية الطفل والتعليم والصحة والمحافظة علي البيئة إلي الجانب الإثيوبي.