انطلاق المسابقة الثقافية البحثية الكبرى بين التعليم والأوقاف للعام السابع على التوالي    المنشاوي يعقد اجتماعًا لمتابعة المشروعات الإنشائية بجامعة أسيوط    البورصة ترتفع 3.5% وتحقق 5 قمم تاريخية هذا الأسبوع    سعر السولار اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025    العد التنازلي بدأ.. مصر على موعد مع تطبيق التوقيت الشتوي قريبًا    الشرطة البريطانية: هجوم كنيس مانشستر عمل إرهابي    روسيا وأوكرانيا تتبادلان مئات الأسرى    الأهلي يخسر من ماجديبورج ويفقد فرصة التتويج بالبرونزية في بطولة العالم لليد    الدوري الأوروبي.. التشكيل الأساسي لفريق ريال بيتيس أمام لودوجوريتس    الداخلية تضبط عاطلين سرقا حديد سلم منزل بالشرقية    هيفاء وهبي تفاجئ جمهورها بطرح 5 أغاني من ألبومها الجديد «ميجا هيفا» (فيديو)    وزير الخارجية يتوجه إلى باريس    "ماجد الكدواني يشعل رمضان 2026 بمسلسل جديد حول الزواج والحياة"    هل الأحلام السيئة تتحقق حال الإخبار بها؟.. خالد الجندي يوضح (فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 2أكتوبر 2025 في المنيا.... تعرف عليها    رئيس الوزراء يوافق على رعاية النسخة التاسعة من مسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال الديني    «النار دخلت في المنور».. كيف امتد حريق محل ملابس إلى عقار كامل في الهرم؟ (معايشة)    سعر الدولار ينخفض لأدنى مستوى عالميًا مع قلق الأسواق من الإغلاق الحكومي الأمريكي    نجل زيدان بقائمة منتخب الجزائر لمواجهتي الصومال وأوغندا بتصفيات المونديال    نتائج 6 مواجهات من مباريات اليوم الخميس في دوري المحترفين    محافظ البحيرة تفتتح معرض دمنهور الثامن للكتاب بمشاركة 23 دار نشر    خبير علاقات دولية ل"اليوم": ما فعله الاحتلال ضد قافلة الصمود إرهاب دولة    وائل السرنجاوي يعلن قائمته لخوض انتخابات مجلس إدارة نادي الزهور    استشهاد 53 فلسطينيًا فى قطاع غزة منذ فجر اليوم    قرار عاجل من التعليم لطلاب الثانوية العامة 2028 (الباقين للإعادة)    محافظ الغربية يستقبل نائب وزير الصحة عقب جولة ميدانية على المستشفيات والمنشآت الطبية    رفع كفاءة وحدة الحضانات وعناية الأطفال بمستشفى شبين الكوم التعليمي    حزب العدل ينظم تدريبًا موسعًا لمسئولي العمل الميداني والجماهيري استعدادً لانتخابات النواب    ضبط طن مخللات غير صالحة للاستخدام الآدمي بالقناطر الخيرية    تركيا.. زلزال بقوة 5 درجات يضرب بحر مرمرة    إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية مكثفة على مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة    إخلاء سبيل سيدتين بالشرقية في واقعة تهديد بأعمال دجل    البلدوزر بخير.. أرقام عمرو زكى بعد شائعة تدهور حالته الصحية    المجلس القومي للمرأة يستكمل حملته الإعلامية "صوتك أمانة"    براتب 290 دينار.. العمل تعلن عن وظائف جديدة في الأردن    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "ديارنا" بمدينة أكتوبر الجديدة    طرق الوقاية من فيروس HFMD    «أطفال بنها» تنجح في استخراج مسمار دباسة اخترق جدار بطن طفل    14 مخالفة مرورية لا يجوز التصالح فيها.. عقوبات رادعة لحماية الأرواح وضبط الشارع المصري    لهجومه على مصر بمجلس الأمن، خبير مياه يلقن وزير خارجية إثيوبيا درسًا قاسيًا ويكشف كذبه    بقيمة 500 مليار دولار.. ثروة إيلون ماسك تضاعفت مرتين ونصف خلال خمس سنوات    برناردو سيلفا: من المحبط أن نخرج من ملعب موناكو بنقطة واحدة فقط    المصري يختتم استعداداته لمواجهة البنك الأهلي والكوكي يقود من المدرجات    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    ما يعرفوش المستحيل.. 5 أبراج أكثر طموحًا من غيرهم    وزير الري يكشف تداعيات واستعدادات مواجهة فيضان النيل    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    تفاصيل انطلاق الدورة ال7 من معرض "تراثنا" بمشاركة أكثر من 1000 عارض    استقالة 14 عضوا من مجلس الشيوخ لعزمهم الترشح في البرلمان    السفير التشيكي يزور دير المحرق بالقوصية ضمن جولته بمحافظة أسيوط    رئيس الوزراء: ذكرى نصر أكتوبر تأتى فى ظل ظروف استثنائية شديدة التعقيد    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طبيعة الإنتقال من براجماتية الإخوان الى مسار 25 يناير
نشر في محيط يوم 23 - 11 - 2012


براجماتية الفرصة :
لاشك أن الإخوان قد نجحوا فى الإستخدام العملى (أو البرجماتى) للثورة كفرصة, للهيمنة على مسارها , وفرض سيادة الجماعة على سياسات ومستقبليات الوطن.
وتماما, كما هو معروف , وكما نوه المستشار والمفكر طارق البشرى (فى مقالات أخيرة له فى الشروق), أن صعود الإخوان الى السلطة, فى ظل حالة الثورة, جاء لكونهم – عمليا – الأكثر تنظيما ووصولا الى قواعد شعبية كثيفة, مقارنة ببقية التيارات السياسية.

ربما فى هذا السياق, يحق جذب الإنتباه الى أن براجماتية الإخوان هذه, يصعب قبولها إلا فى إحدى حالتين. الحالة الأولى, لو أن الإنتخابات (البرلمانية والرئاسية) قد جاءت فى زمن ماقبل 25 يناير, حيث كان الناس يتعاطفون معهم تلقائيا فى إطار رفض نظام مبارك. وأما الحالة الأخرى, فتكون لو أن الإنتخابات قد جاءت بعد إستقرار أوضاع البلاد. أى عندما تكون الثورة قد أنجزت مهامها العليا, وعلى رأسها تشكيل حكومة ثورة, والبدء المنظومى فى تفريغ البلاد من الفساد, وتطوير السياسات العامة والقدرات الإنتاجية والخدمية (بالإرتكاز على سياسات مقاومة الفساد), مع البدء فى آليات فورية وطويلة المدى لمحاربة الفقر والجهل, ولتقليل إنعكاساتهما على الممارسات الديمقراطية, خاصة فى مجالى الإنتخابات والإدارة.

أما وأن أى من الحالتين لم تحدث, أى أن صعود الإخوان للسلطة لم يأتى فى إنتخابات تكون قد جرت فى زمن مبارك, و أيضا قد جاء قبل إستكمال المسار الثورى (وفقا لروح وأهداف جماهير 25 يناير), فإن براجماتية الإخوان, فى الإتجاه الى البرلمان والى الرئاسة, تكون قد نجحت فى تحويل مسار الثورة الى مسار خصوصى للجماعة (كتنظيم خاص), وليس مسارا خاصا بالوطن و/ أو بثورة 25 يناير (فى كلياتهما).

لم يكن خطأ الإخوان وحدهم :

فى هذا الشأن, الأمر يستحق التوقف عند عدد من الملاحظات.

الملاحظة الأولى, أن خطأ إنحراف الإخوان بالثورة عن مسارها يأتى متوازيا ومتوافقا مع خطأ بقية القوى السياسية المتعاطفة مع الثورة أو المساهمة فيها, وخاصة تلك التى عارضت نظام مبارك بقوة (مثل كفاية, والجبهة الوطنية للتغيير, وقوى التيارات الإحتجاجية). ذلك حيث كافة حركيات وتصورات هذه القوى بشأن متطلبات ومستقبليات المسار الثورى لم تكن أكثر من ضبابيات ورمال متحركة.

الملاحظة الثانية, أن الإخوان ومن ساندوهم فى تصوراتهم البراجماتية (خاصة المفكر الكبير الأستاذ طارق البشرى والذى نقدر جدا مساهماته الفكرية فى زمن معارضة نظام مبارك) قد وقعوا فى خطأ تاريخى فادح لن يغتفر, ونظن أن الحس به (وبتوابعه) عند جموع المصريين وعند الدارسين سيتفاقم بمرور الزمن.

يتمثل هذا الخطأ فى إعتقاد الإخوان بأحقيتهم فى الوثوب الى السلطة (من خلال الإنتخابات التى جرى ترتيبها بواسطة ما يعرف بإستفتاء 19 مارس) طالما إرتأوا فى أنفسهم الفصيل الأكثر إستعدادا على فعل ذلك.

هنا, نتذكر أن المستشار البشرى, وكذلك عديد من قيادات وكوادر الإخوان, كانوا يرُدون بحدة شديدة على الرؤى غير المرحبة بالتبكير بالإنتخابات, فى ظل عدم إستكمال الثورة لأساسياتها. وكان جوهر ردودهم يتمثل فى إتهام الآخرين بأنهم غير مستعدين للإنتخابات.

هكذا إذن جاءت براجماتية الإخوان (ومعهم المستشار البشرى), وكأن لم تكن هناك ثورة, وكأن ليس هناك إطارا مرجعيا يختص بالثورة (وبالوطن) ويعلو جدا جدا عن الإطار المرجعى لفصيل الإخوان, أو أى فصيل بذاته.
وهكذا, وقع المستشار البشرى والإخوان (معا) فيما نظنه خطأ تاريخيا, حيث تصوروا أن المسألة لاتعدو مجرد "ركوب" حصان الإنتخابات, ومن ثم إعتلاء السلطة, ولم ينتبهوا الى أن حصان الإنتخابات بعد 25 يناير يحتاج الى طريق مختلف, لايمكن التمهيد له إلا بالتشابك والتشارك بين كافة قوى الثورة.

الملاحظة الثالثة, أن قيادات وكوادر الإخوان قد خانتهم تصوراتهم ورؤاهم بشأن دور الإخوان فى مسار الثورة. إذ كان من الممكن أن يكونوا هم الفصيل السياسى الوطنى الأجمل والأكبر والأنفع للثورة, ومن ثم لمصر وطنا ومواطنين. ذلك لو أنهم (أى الإخوان) قد إستخدموا إمكاناتهم التنظيمية فى التوافق الشفاف مع بقية قوى الثورة, من شباب وتيارات سياسية, من أجل إستحضار قيادة جماعية (مرحلية) للمسار الثورى, بدلا من الدفع والتدافع الى التسابق (بالتناور والتصارع) تجاه كراسى البرلمان والمقعد الرئاسى, بينما الثورة لم تستكمل بعد.

فى هذا الصدد يمكن القول بأن ماقام به الإخوان من "تغميض عين" عن متطلبات جماعية المسار الثورى, وتركهم لجماعيات وأحداث الميدان, وضلوعهم فى المقاربات الخاصة مع السلطات المؤقته (اللواء عمر سليمان ومن بعده المجلس العسكرى, ...الخ), وكذلك مع السلطات و/أو الشخصيات الأمريكية (فى الأشهُر الأولى للثورة) , كانت جميعها أمورا ترجع الى منظور الإخوان كجماعة خاصة (طبقا لخصوصية مصالحها) وليس كفصيل ضمن فصائل الثورة.

الملاحظة الرابعة, أن روح 25 يناير, مهما خفُت صوتها, ومهما غطت عليها (أو بدا كما لو أن طمستها) أصوات أخرى, ستظل كامنة ومتحفزة, طالما إستمر مسار البلاد ينحرف عن المسار المفترض للثورة.
المؤشرات والرؤى الداعمة لهذه الملاحظات تتضمن مايلى من إعتبارت:

التعلم الذاتى وإستكمال الثورة :

أنه بينما مصر مازالت تمر بالمرحلة الإنتقالية للثورة, إلا أن كل (أو معظم) مايجرى الآن, لايدور فى مسار إستكمال وحماية الثورة.

أن التعلم السياسى الذاتى عند المصرييين قد بدأ بالفعل, وقد أخذ يتجسم ويتطور, على وجه الخصوص, منذ أحداث مذبحة بورسعيد.

هذا التعلم الذاتى يحدث بسرعات وإيقاعات مختلفة عند كافة القوى السياسية, وعند جموع المواطنين العاديين, الأصحاب الأصليين للثورة.

أن الإخوان, كأفراد, هم أولا وأخيرا مواطنون مصريون. لذا, فالتعلم الذاتى يحدث داخلهم, ويمتد اليهم من خارجهم (من الأحداث ومن المواطنين العاديين).

وهكذا, الملاحظات السابقة توضح أن الشارع السياسى المصرى الراهن ينطق بحاجة البلاد لإستعادة المسار الثورى (وإنجاز متطلبات المرحلة الإنتقالية), وذلك من منظور ثورى وطنى جماعى, وليس من منظور فصيل ما بعينه, أو قيادة فردية ما بعينها.

تحديات إستكمال ثورة 25 يناير :

وبرغم أن عملية إستعادة المسار الثورى, وفى القلب منها إنجاز متطلبات المرحلة الإنتقالية, تظل أمرا واردا فى الوضعية الراهنة, والتى يمكن وصفها بمرحلة ركوب المسار الثورى المفترض بواسطة فصيل ما بعينه دون الإعتبار لروح الجماعية التى فرضتها الثورة, والتى لولاها لم يكن من الممكن إسقاط الرئيس مبارك ; إلا أن إستعادة المسار الثورى تواجه تحديات عديدة.

فى هذا الشأن من الحكمة (الثورية) التأمل فى أهم هذه التحديات, والتى تضم مايلى:

تحدى إغراءات وطموحات الذات الفردية الخاصة عند البعض من النشطاء السياسيين "اللامعين".

تحدى "البقرطة السياسية", والتى تتمثل فى محاولة البيروقراطية السياسية الإنتقالية الحالية (الناتجة عن إستفتاء 19 مارس) فرض شرعيتها الخاصة فوق شرعية الثورة (و شرعية جماعياتها), وذلك بإستخدام مفرط لما يتيسر لها من أدوات بيروقراطية السلطة, وإمكانات التسلط, فى السياسات, وإختيار القيادات, والرؤى, ..الخ.

تحدى تفوق المصالح (والعلاقات) الخاصة على المصالح العامة, عند الجماعة وعند البعض من الأقربين لها.
تحدى وجود (أو إمكانية وجود) تفاهمات إخوانية أمريكية , حتى منذ ماقبل صعود الإخوان الى مقعد الرئاسة.
وهكذا, التحديات الموجودة تأتى من شرعيات طارئة المصالح, تجتهد فى تسريع فاعلياتها بإعتبارها سلطة (أو قيادة واعدة) تعاظمت بعد الثورة, بأكثر بكثير من الإجتهاد فى إنجاز متطلبات المرحلة الإنتقالية وإستكمال الثورة وحمايتها.

الجبهة الوطنية لإستكمال الثورة :

فى ضوء طبيعة هذه التحديات تبرز الحاجة الى التجابه, أو التجبيه, من أجل إستكمال الثورة. ذلك بمعنى العمل الجماعى من جانب القوى السياسية والثورية فى إطار جبهوى منظومى (أى من خلال جبهة), بقصد إستعادة المرحلة الإنتقالية للثورة.

هذا التجبيه, أو هذا العمل الجبهوى, يختلف فى طبيعته عن نظيره فى أواخر عهد مبارك.

الإختلاف يتأسس على حقائق ومعطيات يأتى أهمها كما يلى:

››› أن الهدف من التجبيه هو تصحيح مسار الثورة, الأمر الذى يتطلب تصحيح الجميع لأخطائهم, ومن ضمنهم الإخوان.

››› أن حالة الثورة, والتى لم تبرح مرحلتها الإنتقالية بعد, تتطلب الإنتباه الى أن التجبيه الخاص بإستكمال الثورة لايأتى من معارضة سياسية (أو فعل ثورى) ضد نظام حاكم, ولكن يأتى من جماعية سياسية وطنية, كان وسيظل من المفترض أن البيروقراطية السياسية المهيمنة, والتى تتمثل أساسا فى جماعة الإخوان, هى جزء منها (أى من الجماعية السياسية الوطنية).

››› أن الجبهة الوطنية الخاصة بإستكمال وحماية الثورة هى نوعيا أعلى من أى فصيل سياسى بعينه, بما فيهم الإخوان, برغم وصولهم الى السلطة. ذلك حيث أن السلطة الحالية من المفترض – ولو نظريا - أنها جزء من الثورة, والتى لازالت بحاجة الى الإستكمال.

››› أن الجبهة الوطنية لإستكمال وحماية الثورة تحتاج الى صناعة علمية وطنية "إبداعية" لتوجهاتها الأساسية, والتى من المطلوب أن تكون بسيطة, وواضحة, وبازغة من والى روح 25 يناير, والتى كان الإنتماء السياسى فيها من جانب جماهير المواطن العادى يتجه للوطن ككل, وليس لأية خصوصية من أى نوع, دينية أو عقائدية أو حزبية ...الخ.

››› أن على هذه الجبهة, بما يُتوقع منها من جماعية إبداعية علمية شعبية, أن تكتشف نقاط الإنحراف الأساسية فيما مضى من مسار الثورة, وبالتالى التصور والممارسة لعمليات التصحيح والإستكمال.

ربما فى هذا الخصوص, وكمثال, يمكن الإشارة الى ماجرى من "شرخ" للرأى العام فى البلاد (ومن ثم شرخ للثورة) بداية من إستفتاء 19 مارس, وبعدها من خلال قضية الدستور أولا أم الإنتخابات أولا (إبريل/ مايو 2011), ثم توسيع الشرخ بالإنتخابات البرلمانية (نهاية 2011), ثم إعادة تأكيده , وتعميقه, بالإنتخابات الرئاسية (مايو 2012), ...

كل ذلك بينما حالة الثورة ذاتها لم تصل الى "دستورها الخاص", والذى يتمثل فى التوافق حول أهدافها و إستحقاقاتها الرئيسية, والتى جرت الإشارة اليها أكثر من مرة أعلاه (مثل حكومة ثورة, وتفريغ البلاد من الفساد, ...الخ).
››› أنه بدون الفهم "الجماعى العلمى" للكيفية التى جرى بها تحريف الثورة عن مسارها, لن يمكن للجبهة صناعة التصور الإبداعى, الآمن والفاعل, لإنجاز إستكمال الثورة.

هذا, وربما يكمن التحدى الأساسى لكافة الأطراف السياسية والثورية الممكنة, المكونة لما يمكن إعتباره "الجبهة الوطنية لإستكمال الثورة", فى القدرة على النقد الذاتى لأحداث ماجرى من سلوكيات وتوجهات وترتيبات, طوال الفترة المنقضية من المرحاة الإنتقالية.

الصناعة الإبداعية للجبهة :

أما من الناحية العملية (أو البراجماتية), من الممكن لهذه الجبهة, أى "الجبهة الوطنية لإستكمال الثورة", أن تكون هى ذاتها الجمعية الوطنية للتغيير, أو على الأقل أن تبدأ (أو تنطلق) ترتيباتها من هذه الجمعية.

فى هذا الخصوص ربما يحتاج الأمر, كمقترح, الى جذب الإنتباه لمايلى من رؤى تلغرافية أولية :

أن الثورة, بالظروف التى أدت اليها, والتى صارت عليها, إستحضرت البلاد الى حالة خاصة. هذه الحالة الخاصة لايمكن إستمرارها كما هى, حيث تمثل مفترق طرق.

فى وضعية مفترق الطرق يظل الأمل موجود. لكن الأمل يحتاج الى "مأسسة", وإلا فإن حالة مفترق الطرق تؤدى الى مالاتُحمد عقباه, بفعل خارجى أو داخلى, وبظروف تظهر وكأنها "صدفة", وإن كانت هى فى الحقيقة ليست كذلك, لأنها جزء خادم (وعضوى) فى طبيعة "الفوضى".

هذه الفوضى تكون – على الدوام – "خلاقة" بالنسبة للعدو, وللقوى المضادة للثورة, وليس أبدا لقوى الثورة.
البناء الآمن , بخصوص مأسسة إستكمال الثورة, من أرضية الوضعية الراهنة (أى حالة مفترق الطرق), يحتاج الى ذراعين إستراتيجيين, هما: التجبيه (أى صنع جبهة) و قوة الفكر (الجماعى الوطنى).

فى الذراعين المذكورين [أى "التجبيه" و "قوة الفكر" (الجماعى الوطنى)] يكمن الدعم والترشيد لما يجرى الآن من "تعلم ذاتى" فى الشارع السياسى المصرى (سواء عند المواطن العادى أو عند النشطاء الوطنيين وسائر القوى السياسية), وفيهما أيضا تكون المصداقية التى يمكن أن تولد الطاقة والحركية فى مجالى "الإعلام" و "التعبئة البشرية". وذلك بالشكل الذى يلائم خصائص مجتمعية سلبية مثل "الفقر" و "الجهل".

الذراعين المذكورين لايكونا إستراتيجيين بغير "الجماعية", والتى من المطلوب أن تكون هى الأساس التنظيمى فى بناء الجبهة وفى فاعلياتها (القومية) صوب إستكمال الثورة.

بغير المنظور الإستراتيجى والجماعية (من خلال جبهة وطنية لإستكمال الثورة), تكون كافة التوجهات والحركيات المبذولة من قوى ونشطاء الثورة, ومن ينتمون اليها, على الدوام أدنى فعالية من تلك الخاصة بقوى الأعداء والقوى المضادة للثورة. ذلك حيث لكلاهما مصالح ومنظورات وأدوات, ولكلاهما عزم يدفع الى الجماعية, داخل كل منهما, وبينهما.

الجبهة الوطنية لإستكمال الثورة, والتى يؤمل أن تعمل الجمعية الوطنية للتغيير كمنصة ومنظومة لإنطلاقها, تحتاج الى أن تبنى توجهاتها وأعمالها على أسس"تقدمية / مستقبلية" شعبية.

"التقدمية /المستقبلية" المعنية هنا تختص ب "صنع" الرؤى, والأولويات, والأحداث (أى تختص بإبداع الخطوات التالية فى المسار). إنها تأتى من المنظور المعرفى المستقبلى, وليس – على الإطلاق – من المنظور الأيديولوجى التقليدى.
أيضا, هذه "التقدمية / المستقبلية" التى تحتاجها عمليات إستكمال الثورة تعنى إستحضار مايمكن أن يُرى بإعتباره ماينبغى أن يكون (من المنظور الجماعى الفكرى الشعبى الثورى).

كما تحتاج هذه الجبهة الى تأسيس توجهاتها وأعمالها من خلال ممارسات منظومية مرنة. من أمثلة أنواع الممارسات الأساسية المطلوبة فى هذا الصدد يمكن الإشارة الى:
- أساليب الإحتضان والتوافق بين كيانات الجبهة, وأساليب التعامل مع الجهات والكيانات من خارجها.
- إجادة التفرقة بين ماهو "تكتيكى" وما هو "إستراتيجى".
- منهجيات تسوية الخلافات بين الكيانات الأعضاء, وكذلك كيفية التخارج من الجبهة.
- تحديد الرسالة, وتحديد الأهداف المرحلية.
فى ختام هذا الطرح يجدر الإنتباه الى إعتبارين:

الإعتبار الأول يتمثل فى أن التقاعس عن إستكمال الثورة الآن, بالإعتماد على مقاربة جبهوية, لن يمنع من إستكمال الثورة على المدى الأطول. وذلك سواء جاء هذا التقاعس كتقصير من الإخوان, أو نتيجة سؤ (أو قصور) فى الفهم من أى من التيارات السياسية والقوى الثورية (مثلا: ظن أى تيار أو حزب سياسى أنه كفيل وحده بإستكمال الثورة أو بكسب الأغلبية).

أما عن السبب فى أن ذلك لن يمنع من إستكمال الثورة, فيرجع الى أن الشعب يتعلم, وأن الإمكانات الذهنية والسياسية المجتمعية لعنصرين غاية فى الأهمية والقيمة بخصوص التقدم الوطنى, وهما "المرأة" و "الشباب", تتعاظم وتتعاظم يوما بعد يوم.

وأما الإعتبار الثانى فيتمثل فى ضرورة عدم البدء من الصفر فى التعامل مع المسار الثورى, الأمر الذى يتطلب عدم الإستهانة بمراجعة أية أحداث, أو توجهات, أو أبنية, أو رؤى إيجابية (حتى لو لم تكتمل), تكون قد ظهرت فى سياقات مامضى حتى الآن من المرحلة الإنتقالية. بمعنى آخر إستكمال الثو رة يحتاج الى المنهج العلمى فى التفكير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.