رسالة من المدينةالمنورة إلى مكةالمكرمة , من الرافد إلى النهر , من القمر إلى الشمس , من الفرع إلى الأصل , هكذا أرى العلاقة بين المدينتين المقدستين . غرق الكون في بحر الجهالة , فمد غار حراء يده برفق , وألقى له طوق نجاة مكتوب عليه ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) , يا قبلة التائبين . يا منتهى آمال المذنبين , طرقنا أبوابك بذنوب كثيرة وبضاعة مزجاة , فأوفى الله لنا الكيل وتصدق علينا , ورحابك الطاهر على ذلك من الشاهدين . أما يكفيك أن الحق فيكِ وكل الخلق في شوقٍ إليكِ وأن النور لما مات فينا سقاه الله وحياً من يديكِ هنا مكة ,, حيث سقى بلال رضي الله عنه أرضك بدمه , وكتب عمار وأمه وأبوه على ثراك الطاهر ملحمة البطولة , فأمسكت أرضك الماء وأنبتت الرجال . خرج منك أطهر الخلق صلى الله عليه وسلم في لحظة فارقة من التاريخ , التفت إليك وبكى وقال : والله إنك لأحب البقاع إليّ , ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت ,, ووالله والله يا مكة لو أن لك لسان لقلت له : وأنت يا رسول الله أحب الخلق إلي . سجل التاريخ على ثراك أغلى لحظاته , دخل الحبيب صلى الله عليه وسلم أرضك فاتحاً , تجمع الناس حوله وكأن على رؤوسهم الطير : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ اخٌ كريم وابن أخ كريم , صمت مطبق , أنفاس تتسارع , وقلوب تضطرب , لو حكم بقتلهم لما لامه أحد , كم قتلوا من أصحابه , كم حاربوه وكم كذبوه , التاريخ ينصت , والدنيا تترقب , وتتداعى الذكريات : هنا ألقوا على رأسه سلا الجزور . في ذلك الركن بصق أشقاهم على وجهه الطاهر , وهناك قيل له : تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا , هناك عذبوا أصحابه , وهناك وهناك وهناك ,, أتذكرين يا مكة تلك اللحظات ؟ ولكن الرحمة المهداة بأبي هو وأمي قال لهم : لا تثريب عليكم اليوم , يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين , اذهبوا فأنتم الطلقاء . بالله قولك هذا سال من عسلٍ أم قد صببت على أفواهنا العسلاً ؟ هنا مكة ,, حيث تتنزل الرحمات ,, وتسيل الدمعات ,, أرض رحبة ,, ومغفرة وكعبة ,, تيهي على الكون يا قبلته ,, وعانقي النور يا وجهته ,, فإن سأل سائل : ولماذا مكة دون كل الأرجاء ؟ فقولي لهم : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ,, هنا مكة ,, جزيرة آمنة في بحر من الفتن ,, حضن دافئ في عالم مليء بالغربة .. هنا مكة ,, حيث يشعر كل حيٍ بالأمان ,, ليس الإنس فقط بل حتى الزرع والحيوان ,, هنا مكة الحياة ,, هنا مكة النور ,, هنا مكة الجنة ,, هنا مكة وكفى , • داعية وإعلامي سعودي [email protected]