أثارت المسودة الأولية لمشروع الدستور التي نشرتها الجمعية التأسيسية جدلاً واسعاً بسبب ما تضمنته بعض نصوص هذه المسودة من قيود على العديد من الحقوق والحريات العامة، وترى مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن الأزمة لا تكمن في هذه النصوص التي وجهت لها سهام النقد فقط، بل أيضاً في الفلسفة الأساسية للدستور والمتضمنة في بضعة مواد من الباب الأول الخاص بالدولة والمجتمع، التي تجعل من العادات والتقاليد والأسرة والقيم الدينية والتراث أهداف في حد ذاتها يجب حمايتها حتى وإن جاءت هذه الحماية على حساب حقوق وحريات المواطنين الأخرى. كذلك ترى مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن العديد من نصوص هذه المسودة تتعارض مع المفهوم العام ل " الحرية " وكذلك مع الحد الأدنى للضمانات الخاصة بوضع الحقوق والحريات في الدول الديمقراطية، وأخيرا افتقاد العديد منها لأية مبررات اجتماعية سوى فرض توجهات معينة ترفض التنوع وقبول الآخر، وتسعى للتحصٌن ضد أي نقد قد ينال من مصداقية الدولة وهو ما يتضح في القيود المفروضة على الحق في الحصول على المعلومات وحرية الصحافة والنشر ووسائل الإعلام والحق في التظاهر والتجمع وكذلك الحريات الأكاديمية وحظر النقد الذي قد يوجه للأديان بحظر التعرض للرسل والأنبياء وغيرها من النصوص التي تثير القلق حول مستقبل الحقوق والحريات في مصر في حالة إقرار هذه المسودة.
يأتي هذا التعليق كمساهمة أولية لمؤسسة حرية الفكر والتعبير في الجدل الدائر حول مسودة الدستور، وسوف يستتبعه مساهمات أخرى وفقاً لتطور النقاش على الساحة الحقوقية فيما يتعلق بقضايا الدستور المختلفة وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بالحقوق والحريات، ومرفق بهذا التعليق اقتراحات المؤسسة بشأن صياغة بعض النصوص الدستورية المتعلقة بعدد من القضايا ذات الصلة بحرية التعبير.
تتضمن المواد 9 و 10 و 11 من مسودة مشروع الدستور بعض الأسس التي ترسم ملامح الثقافة العامة التي يرى القائمين على صياغة هذه المسودة ضرورة أن تكون هي المحدد الأساسي لما يعتبر مقبول وما يعتبر مرفوض اجتماعياً وبالتالي الحدود الخاصة بممارسة الحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني وأيضاً عدم تعارضها مع هذا الإطار العام الذي افترضه الصائغين في هذه المواد الثلاثة تحديداً.
تنص المادة التاسعة على أن الأسرة هي أساس المجتمع وأن قوامها هو الدين والأخلاق والوطنية، وعن اعتبار الأسرة هي الوحدة الأساسية التي يقوم عليها المجتمع فهذا يتعارض مع وظيفة القانون الذي يخاطب إما الفرد وإما الدولة فالقانون لا يعرف ما يسمى بالأسرة بل يحترم ما يسمى في الفلسفة القانونية ب " تفرد الشخصية الإنسانية " وهذا هو المنطلق لحرية الفرد التي يُكتب الدستور من أجل ضمانها وتحصينها في مواجهة الدولة، ومن ثم يجب أن يكون أساس المجتمع في الدستور هو الفرد الذي حتماً يختلف مع غيره من الأفراد سواء داخل الأسرة الواحدة أو داخل المجتمع ككل في الأفكار أو الآراء أو التوجهات أو الاحتياجات أو الميول بجميع تصنيفاتها.
كذلك اعتبر هذا النص أن قوام هذا الأساس الأسري هو الدين والأخلاق والوطنية، متناسياً مقومات الثقافة الأخرى ومكوناتها ومصادرها شديدة التعدد والتنوع، ومقحماً لمعايير يتعدد فهم الأشخاص لها فالدين والأخلاق والوطنية ليست محلاً لفهم واحد من قبل الأفراد، بل أن تفسير هذه المعايير الثلاثة تختلف باختلاف الخلفيات الطبقية والاجتماعية والثقافية لكل فرد في المجتمع، وهذا يطرح تساؤل شديد الأهمية وهو إلى أي مفهوم من هذه المفاهيم المتعددة للدين والأخلاق والوطنية سوف نحتكم ؟؟ هل للمفهوم المتشدد أم للمفهوم الوسطي أم للمفهوم الرافض لهذا التنميط جملة وتفصيلاً .
أيضاً نصت هذه المادة على أن الدولة تحمي تقاليد الأسرة وقيمها الخلقية وهو ما يثير التساؤل حول وظيفة الدستور وهل ما إذا كانت وظيفته حماية حقوق وحريات المواطنين، أم حماية بعض مكونات البناء الفوقي للمجتمع بطريقة تسلطية تفرض توجه معين، ويتم جعلها حدوداً فاصلة لمستوى الحريات التي يتمتع بها كل فرد في المجتمع.
الإضراب مكفول، إذا كان الغرض منه المطالبة بحق يحميه الدستور أو القانون. مواد متعلقة: 1. «الشباب الإشتراكي»: مسودة الدستور تؤسس "فاشية" دينية ونظام «ديكتاتوري» 2. «علاء ابو العزائم»: مسودة الدستور تخدم «عصابة الإخوان» 3. «أبو الفتوح» يرفض «مسودة الدستور»