يلى مادة النظام الديمقراطى فى الباب الأول مواد تتناول مقومات المجتمع وواجبات الدولة، وجميعها للأسف تتسم بالصياغة الفضفاضة والاستعراضية وتقحم على النص الدستورى الكثير من اللغة الأخلاقية ذات المضامين المطاطية التى تغير طبيعته وتهدد تماسكه. فتقرر المادة 7، على سبيل المثال، أن المجتمع المصرى يقوم على العدل والمساواة والحرية والتراحم والتكافل الاجتماعى والتضامن بين أفراده فى حماية الأنفس والأعراض والأموال، وتحقيق حد الكفاية لجميع المواطنين. وتنص المادة 8 على أن الدولة تضمن الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص دون تمييز، والمادة 9 على كون الأسرة أساس المجتمع وقوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة والمجتمع على الطابع الأصيل للأسرة المصرية وحماية تقاليدها وقيمها الخلقية. ثم تكرر المادة 10 ذات المضمون بإلزام الدولة والمجتمع بالتمكين للتقاليد المصرية الأصيلة وبرعاية الأخلاق والآداب العامة، بينما تلزم المادة 11 الدولة بحماية الوحدة الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع وبالعمل على تعريب العلوم والمعارف. فقيم كالتراحم والتكافل والتضامن والطمأنينة تندرج فى المجتمع الحديث تحت مبادئ العدل والمساواة والحرية، كما أن ليس لها أن ترتب دستورياً لا حقوق محددة للمواطن ولا التزامات بعينها على الدولة (مادة 7 و8). كذلك يستند النص على حماية الدولة للطابع الأصيل للأسرة المصرية وتقاليدها وقيمها الخلقية إلى نظرة شديدة التسطيح لتنوع المجتمع المصرى المعاصر، والأخطر من هذا إلى رغبة لإقحام الدولة فى قضايا أخلاقية وقيمية لا دور لها بشأنها ويتعين أن تترك للمجتمع وتطوره (مادة 9). وينطبق ذات الأمر على إلزام الدولة برعاية الأخلاق والآداب العامة والتمكين للتقاليد الأصيلة، وهو ما قد ينتج عنه (كما حدث كثيراً فى الماضى) نزوع الدولة وحكامها للتدخل لتقييد وقمع الحريات الشخصية والعامة، متذرعين برعاية الآداب العامة والتقاليد (مادة 10). تصدم الإشارة إلى حماية الدولة للوحدة الثقافية والحضارية واللغوية دون اعتراف بالتنوع الثقافى والحضارى، وجزئياً اللغوى، وضرورة حماية الوحدة فى إطار التنوع، هذا الذى دوماً ما أضاف لنا الكثير، تصدم لأن دستور مصر بعد الثورة الديمقراطية حين لا يعترف بالتنوع يتحول إلى دستور للأغلبية أو للجماعة المهيمنة ولفهمها الأحادى لثقافتنا وحضارتنا ولغتنا (مادة 11). هنا أيضاً مواد تحتاج لتعديلات جوهرية وصياغة دستورية منضبطة.
