عرض الفنان السكندري كلاي قاسم ما يربو عن 44 لوحة في معرضه الأخير المقام حاليا في قاعة "راغب عياد" بمركز الجزيرة للفنون تحت عنوان "البعث الجديد"، والذي يتناول خلاله الفن المصري القديم ولكن برؤية وإعادة صياغة جديدة . ولم تتناول أعمال الفنان الفن المصري القديم كما تناوله الكثير من الفنانين من قبل؛ ليجد المتلقي عناصره ورموزه مباشرة فيدرك من الوهلة الأولى أنه أمام أعمال فنية مستوحاة من المصري القديم، لكن الأمر يختلف في هذا المعرض؛ حيث تجذبك الأعمال مباشرة بعد دخول قاعة العرض وتدفعك للتأمل في جماليات اللون، والتكوين الفني، وبناء العمل بشكل عام، ثم تدرك في النهاية أن الفنان يعيد صياغة الفن المصري القديم بأسلوبه وبرؤيته الخاصة التي لم تشبه أحد على الإطلاق. فتجد الرموز الفرعونية على سبيل المثال التي تظهر في العمل لم تكن تلك المستهلكة التي نراها واضحة وصريحة في أعمال الكثير من الفنانين، لكننا نجدها ذابت وامتزجت بين عناصر العمل والتكوين اللوني لتظهر في ثوب جديد على أسطح لوحات كلاي، بل نجدها تأخذ سمة الفنان نفسه لتصبح رموزه ومتويفاته الخاصة التي كيفها وصاغها بأسلوب جديد لتتعايش مع أعماله في انسجام كبير، يكاد يشعرك انك أمام عالم جديد منفصل عن الكون هو عالم الفنان كلاي قاسم الذي أبدعه ليحوارك وتتفقد تفاصيله، بل وتتعايش معه بكل وجدانك. ولم تكن هذه المرة الوحيدة التي يتناول فيها الفنان تيمة الفن المصري القديم في أعماله، وصياغته في قالب فني معاصر، ومحاولته الربط بين الهوية والأصالة والمعاصرة في أعماله، لكنه تناول هذا الفن طوال مشواره الفني، وظل يبحث فيه ويدرسه حتى استطاع أن يستخدم الكثير من تفاصيله وفلسفته، بل وفلسفة تراكيب الأشكال، وبناء الشكل واللون وأثره وقدمه في لوحاته؛ لتكون بمثابة حوار مستمر ما بين الفن المصري القديم والمعاصر. ففي مشروع تخرجه من كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية كان بعنوان "لقاء حضاري"؛ حيث أقتبس العمل من الفن المصري القديم، بالإضافة إلى مجالات أخرى حديثة وبعض الرموز سواء في السينما أو الفن التشكيلي. ثم قدم رسالة ماجيستير بعنوان "أثر البعثات الخارجية على التصوير المصري"، والذي كان يطرح سؤالا مهما ألا وهو "هل امتزجت ثقافة الفنانين المصريين الذين سافروا خارج مصر بثقافة البلدان التي ارتادوها، أم عاشوا في اغتراب وسيطرت عليهم ثقافة الغرب. أما عن رسالة الدكتوراة التي يعدها الفنان حاليا فهي بعنوان "أثر الفن المصري القديم على الفنون الحديثة والمعاصرة"؛ حيث يتناول الفنانين الذين اقتبسوا من الفن المصري القديم سواء كانوا مصريين أم أجانب؛ ولذلك فالفن المصري القديم هو محور عمل وشاغل الفنان منذ أن تخرج من الكلية وبدأ تجربته الفنية؛ ويعود السبب في ذلك إلى الرحلات التي ذهب فيها الفنان إلى الأقصر وأسوان واللقاء بالمكان نفسه أثنائ دراسته؛ ما جعله يبدع أعمالا ذات علاقة وطيدة بالهوية المصرية والأصالة، والبحث الدائم في هذا المجال لإنتاج الجديد والمعاصر. والفنان استخدم في لوحاته خامات مختلفة من بينها الألوان الأكريليك والزيتية، مع أوراق الذهب والفضة. ويقول الفنان كلاي قاسم أن أعماله تتمثل في خلق الحوار المفتوح مع الآخر على سطح اللوحة بما تحتوي من رموز مصرية قديمة وعناصر تمثل انصهار الماضي في الحاضر، والتي تتناثر في فراغ الصورة، والبحث في فلسفة البناء للفن المصري القديم من حلول لمسطحاته والألوان المستخدمة في إطار تشكيلي جديد بعيد كل البعد عن كونه إعلان تلك الحضارات، بل ليحمل عدة مدلولات للمكان والمكانة بصياغة يمكنها الحوار مع الآخر لاستيعابها. ويواصل الفنان أنه ليس ثمة ذلك في تمسكنا بالماضي أن نغرق فيه ولا نرى ركب التقدم الذي يسير به العالم في شتى المجالات، ولكنه يرى في المآرب لخلق قاعدة نستند عليها في فنوننا حتى نصبح مرسلين وخلاقين لفن يعبر عن هويتنا الحضارية، ولا نصبح تابعين لفنون غربية غريبة عن آرائنا وواقعنا ولا تمثل أفكارنا أو جزء من ثقافتنا، والتي لا يصلنا منها إلا صداها فلا نمتلكها ولا يرانا الغرب فيها.