على رغم من تراجع حركة بيع السلاح في جنوب العراق ووسطها منذ نهاية سبتمبر، على خلفية فتاوى تحريم من رجال دين شيعة، إلا أن مهمة "حصر السلاح بيد الدولة"، تحت شعار "يداً بيد .. لا سلاح باليد"، صارت محل شك. فبعد مرور أربع سنوات على حملة "صولة الفرسان"، التي حصدت في العام 2008 كميات من العتاد والسلاح، لا يمكن لأحد أن يجزم في العراق أن البلاد أصبحت "أرضٍ نظيفة" من أدوات القتل.
وفي العموم فإن فتاوى التحريم الشيعية جاءت لمخاوف من فرضية أن يكون السلاح وجد طريقه إلى "المعارضة السورية" ، الا أنه هناك مخاوف من حصول جماعات عراقية سنية مسلحة تتمركز شمال العاصمة بغداد على سلاح الجنوب، وإن الأمر أشبه بخديعة بين الفرقاء العراقيين لنقل السلاح من مكون إلى مكون آخر.
ولاحقاً دلّت هجمات مسلحة وأعمال عنف في شهر سبتمبر وقعت في كركوك والموصل وديالى وبغداد، على أن الفرضية الثانية أقرب إلى الواقع.
الغزو الأمريكي
وحازت قبائل عراقية على كميات كبيرة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة من مستودعات عسكرية تركها الجيش العراقي في أثناء الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003 ، وصار صعباً على السلطات لاحقاً سحب السلاح من الأفراد، وتفاقم الأمر يوم حلَّ الحاكم المدني الأمريكي للعراق الجيشَ، الذي تصرف أفراده بما يحوزون عليه من عتاد، فوجد طريقه لأحزاب وجماعات متنوعة.
أما الوسيلة التي نُقل عبرها السلاح، فيقول المصدر إن "حمولات اجتازت نقاط تفتيش عسكرية عبر مرورها بحافلات لنقل الركاب"، لكن لا معلومات مؤكدة بشأن الجهة التي وصلت إليها الأسلحة.
وتفرض قطعات من الجيش والشرطة الاتحادية إجراءات أمنية مكثفة على الطرق التي تربط بين المحافظات، ومن ظاهر تلك الإجراءات يبدو صعباً التأكد من مرور الأسلحة عبر نقاط التفتيش.
مع ذلك لم تكن السلطات العراقية مطمئنة لنجاعة الخطط الأمنية، فأوفدت منذ العاشر من أغسطس الماضي مسئوليها إلى مجالس القبائل، في محاولة لقطع تمويل السوق من مصدر الأول.
جيش عراقي حر
وحاول الموفدون إقناع شيوخ تلك القبائل ورجالها بأن السلاح الذي يباع بأثمان باهظة قد يكون سبباً لتشكيل جيش عراقي على غرار الجيش الحر في سورية.
وكان التيار الصدري وقوى شيعية أخرى يتبنى هذه الفكرة، وتوقع في أغسطس أن تكون عمليات شراء الأسلحة من مواطني وسط العراق وجنوبه خطوة أولى لتشكيل جيش من الإسلاميين في العراق.
القوى السياسية الشيعية في البلاد تعتقد أن الحدود مع سورية واسعة ولا تمكن السيطرة عليها، وأن سكان المناطق المحاذية لها يرغبون في تقديم المساعدة إلى الثوار هناك، لذا أقدموا على خزن السلاح لديهم.
لكن مؤشرات أخرى لا تخدم هذا الافتراض، ففي العشرين من اغسطس ، قالت مصادر أمنية في محافظة ديالى المحاذية لإيران، إن أجهزة الأمن سجلت ارتفاعاً كبيراً في معدلات شراء الأسلحة.
ويبدو أن الجماعات المسلحة في هذه المناطق فقدت الكثير من عتادها، كما تقول بيانات رسمية بأن حملات دهم وتفتيش أسفرت عن ضبط أكداس كبيرة منه، وقد يكون هذا سبباً لشراء المزيد منه من مواطني الجنوب، لتعويض الخسائر.
وبصرف النظر عن وجهة السلاح، سواء سورية أم الداخل العراقي، فإن اشتعال سوقه بطريقة سريعة ومفاجئة، يكشف مجدداً انتشار السلاح خارج نطاق الدولة.
سلاح في كل بيت
وكانت الحكومة العراقية سمحت في مايو الماضي لمواطنيها، في قرار مثير للجدل، ب "امتلاك سلاح فردي واحد لكل بيت"، واشترطت "تسجيله عند مراكز الشرطة".
وأجاز نوري المالكي، رئيس الحكومة العراقية، لكل أسرة عراقية حيازة قطعة سلاح واحدة، وسط تخوفات من تأجيج الصراعات المذهبية من جديد في بلد دمرته الحرب الأمريكية عام 2003.
يتزامن ذلك مع اشتداد الأزمة السياسية بين مختلف التيارات المشاركة في الحكم، وتهديد خصوم المالكي بسحب الثقة من حكومته، ما لم يتوقف عن سياسة التسلط والديكتاتورية.
وتشهد بعض المناطق العراقية حالة من الانفلات الأمني وغياب تطبيق القانون وسطوة الجماعات المسلحة التابعة لأحزاب سياسية، وتواجه حكومة المالكي انتقادات قوية لتقاعسها في مواجهة استفحال ظاهرة انتشار السلاح في المدن العراقية، ويتهمها المعارضون بالعمل على تقوية حزب الدعوة الذي يرأسه المالكي، وتشكيل فرق تعمل "خارج إطار القانون في كثير من المناطق".
في المقابل عبر الشارع العراقي في بغداد عن القلق البالغ إزاء حيازة الأسرة العراقية للسلاح والخوف من تداعيات هذه القضية خاصة وان الوضع السياسي ألان يعيش التوجس والخوف إزاء سحب الثقة عن الحكومة الحالية والتفجيرات الأخيرة التي شهدتها البلاد .
ومن جهة أخرى قال الخبير السياسي والأمني اياد الطائي، أن المرحلة تتطلب حصر السلاح بيد الدولة بدلا من ترك المواطنين يعبثون به، وندعو وزارة الداخلية إلى "دراسة الموضوع من الناحية الاجتماعية والسياسية".
وأضاف الطائي أن أعمال السلب والنهب والفوضى الأمنية التي شهدها العراق عقب سقوط النظام عام 2003 تسببت بتسرب معظم الأسلحة في معسكرات الجيش السابق والمراكز الأمنية الأخرى إلى تجار السلاح،و أن المجاميع المسلحة قامت بشراء اغلب الأسلحة خلال عامي 2003 و2004 واستخدامها في عمليات الاغتيال وتصنيع القنابل. مواد متعلقة: 1. "تريبيون": ازدياد عدد أعضاء تنظيم القاعدة بالعراق منذ 2011 2. المولدات الكهربائية تجمع العراقيين (فيديو) 3. علاوي: موقف العراق من سوريا "مرتبك"