رغم قرار العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني على حلِّ البرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة، غير أنَّ الإخوان لا يرون ذلك كافيًا ، بل يحاولون تغيير نظام الحكم بحيث لا يبقى للملك سوى وظيفة رمزية، مع انتقال السلطة الفعلية إلى رئيس الوزراء. ويبدو ان حل المجلس النيابي خفف من الاحتقان، لكنه لم يغير التوجه العام لقوى المعارضة التي ما زالت تتحفظ على قانون الانتخاب، وخاصة الإبقاء على الصوت الواحد مع تعديلات تسمح بملء 27 مقعدًا من أصل 150 مقعدًا وفق نظام التمثيل النسبي، وهي نسبة ترى المعارضة أنَّها لا تلبي مطالب الحد الأدنى من مطالب الإصلاح السياسي.
وفي محاول من جماعة الإخوان المسلمين بالأردن للضغط على النظام لتحقيق مطالبهم جدد الاخوان رفضهم المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة بكل مراحلها، وذلك رداً على عرض رئيس الوزراء الجديد عبدالله النسور على الجماعة تمديد فترة التسجيل للانتخابات التي تنتهي غداً الاثنين، بالقدر الكافي الذي يمكنها من تدارك عملية التسجيل
استنساخ لسابقه
واعتبرت جماعة الاخوان بالاردن ان البرلمان المقبل سيكون استنساخًا لسابقه. وحذرت الجماعة من خطورة التوجه للانتخابات النيابية في غياب توافق وطني على قانون انتخاب وإصلاحات تنهي حالة الاحتقان، وتحفز المواطنين على مشاركة واسعة، وتعيد الثقة في مؤسسات الدولة، وتوقف التدهور وتمهد لخروج البلد من أزمته .
وقالت الجماعة في بيان :"إنه من موقع المسئولية الوطنية، نؤكد على الموقف المعلن بمقاطعة الانتخابات النيابية بكل مراحلها، لقناعتنا الراسخة بأن المجلس النيابي القادم سيكون استنساخاً للمجلس السابق" .
وأوضح البيان أن "هذا القانون (قانون الانتخاب) المفروض على شعبنا منذ عام 1993 شوه الحياة النيابية والسياسية، وفتح الباب على مصراعيه للفساد ونهب المال العام، وتهميش دور السلطتين التنفيذية والتشريعية لصالح الحكومة الخفية".
احتياج متبادل
من جانبه دعا رئيس الوزراء الأردني الجديد عبدالله النسور جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب "جبهة العمل الإسلامي" إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية.
وقال النسور في تصريحات أمس إن "إجراء الانتخابات من دون الإسلاميين سيلحق الأذى بمسيرتنا الديمقراطية" ، معتبرًا أن "وجودهم (الإسلاميون) في العملية السياسية سيعطي نكهة وقوة للبرلمان المقبل، فالأردن يحتاجهم كما يحتاجونه".
وأعرب النسور عن أمله في أن تتراجع جماعة "الإخوان المسلمين" وحزبها "جبهة العمل الإسلامي" عن "قرارهما بمقاطعة الانتخابات في أسرع وقت ممكن".
لكن المجلس الأعلى للإصلاح (الذي يضم المكتبين التنفيذيين لجماعة الإخوان وذراعها السياسية) جدد في بيان له أمس رفضه المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة "لقناعته الراسخة بأن المجلس النيابي المقبل سيكون استنساخاً للمجلس السابق".
وقال إنه "كانت هناك فرصة مهيأة مع تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة النسور لإعادة النظر في السياسات والتشريعات التي أدخلت البلاد في أزمة، لكن هذه الفرصة لم يتم التقاطها، لغياب الإرادة الحقيقية للإصلاح".
واعتبر المجلس في بيانه أن ما وصفه ب "قوى الشد العكسي" مازالت ممسكة بالقرار، محذرًا من خطورة التوجه إلى الانتخابات في غياب توافق وطني على قانون انتخاب وإصلاحات تُنهي حالة الاحتقان، وتعيد الثقة في مؤسسات الدولة، وفقا للبيان.
مطالب الاسلاميين
وأعاد المجلس التأكيد على مطالب الحركة الإسلامية الإصلاحية "والتي تتطابق فيها مع طيفٍ واسعٍ من القوى الحزبية والسياسية والمجتمعية".
ويمكن تلخيص تلك المطالب : سَنَّ قانون انتخابي "ديمقراطي وعصري"، وإصلاحات دستورية تمكِّن الشعب أنْ يكون مصدرًا للسلطات، وحكومة برلمانية منتخَبة، والفصل بين السلطات، وإنشاء محكمة دستورية، ووقْف تدخل الأجهزة الأمنية في الحياة السياسية والأمنية، ومكافحة الفساد.
هذا فضلاً عن تمكين الحكومة من بسط ولايتها العامة على كل أجهزة الدولة ومؤسساتها، وكفّ يد الأجهزة الأمنية عن التدخل في الحياة السياسية، والتصدي للفساد بكل أشكاله، ومعالجة التدهور الاقتصادي.
ورغم أنَّ النظام الأردني يبدي قدرًا ملحوظًا من التجاوب مع هذه المطالب- كما تكشف عن ذلك أحاديث الملك- إلَّا أنَّ المعارضين يرون أنَّ الأداء والممارسات الحكومية تخالف هذه الالتزامات الرسمية المعلنة، ويضربون مثلًا على ذلك ب: قانون الانتخابات، وبحملة اعتقالات طالت نحو 15 ناشطًا، وبصدور قانون المواقع الإلكترونية، الذي يشترط قيام المواقع الإلكترونية الإخبارية بالتسجيل تمهيدًا لمنح أو حجب الترخيص.
ورغم أنَّ العديد من أطراف المعارضة الأردنية يؤيدون المطالب الإخوانية فإنَّ الكثير من أطراف المعارضة تنأى بنفسها عن دعم هذه المطالب.
تغيير قانون الانتخاب
من جانبه أكد حمزة منصور أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي، الواجهة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن ان لقاء قيادات الحركة مع رئيس الوزراء المكلف عبدالله النسور لم يفض إلى نتائج إيجابية.
وقال منصور :"إنه لن يكون هناك تقدم في عملية الإصلاح بدون تغيير قانون الانتخاب".
وأضاف منصور: إن وفد الحركة الإسلامية طالب النسور بما كان يطالب به (النسور) تحت قبة البرلمان، في إشارة إلى مواقف النسور الرافضة لقانون الانتخاب الحالي، ونقل منصور عن رئيس الوزراء تأكيده أن الانتخابات النيابية المقبلة ستجرى وفقا للقانون الحالي.
اللحاق بالغير
ويرفض إخوان الاردن ما يطرحه البعض من أنَّهم يريدون اللحاق بإخوانهم من إسلاميي المنطقة، الذين صعدوا إلى السلطة في ظل موجة الربيع العربي، ويقولون: إنَّ لكل بلد ظروفَه، ولكل حزب أو تيار أنْ يقرر ما يراه مناسبًا في ضوء هذه الظروف.
لكنَّ هذه المواقف- التي يعلنها الإخوان- تتناقض مع التحركات التي يقودونها في الفترة الأخيرة لتحدي السلطة السياسية على خلفية خلافات حول القانون الانتخابي، وهي تحركات يُجمِع المراقبون على أنَّ فيها تحديًا للملك "عبد الله الثاني"، الذي قال مؤخرًا:
"إنَّ الإسلاميين يسيئون تقدير حساباتهم بشكل كبير عبر إعلانهم مقاطعة الانتخابات النيابية... كل الاقتراحات والمسوَّدات المتعلقة بقانون الانتخاب، وطوال هذا الوقت ولغاية الآن، ابتداءً من توصيات لجنة الحوار الوطني قبل أكثر من عام، وصولًا إلى المسوَّدة التي اقترحَتْها الحكومة السابقة- قوبلت بدرجاتٍ متفاوتة من الرفض من قِبَل الإخوان المسلمين، للأسف الشديد".
ويرى المراقبون أنَّ وضوح رسالة الملك جعل الإخوان يراجعون خيار التصعيد الكامل ، فمن ناحيةٍ يغازلون الملك، ويوجِّهون رسائل إلى القَصْر بأنَّنا لا نستهدفك، ومن ناحية أخرى يخططون للانقضاض على القصر، ولكنْ بطريقة ذكية وبطيئة عمادُها "تثوير" الشارع، والاستفادة من الوضع الاقتصادي المتراجع.
ويؤكِّد المراقبون أنَّ خُطة الإخوان تقوم على: المناورة، ومحاولة كسب الوقت، واستمالة الشارع، وخاصة القطاعات الكبيرة التي تنحاز للملِك وتتخوف من الفوضى والعنف ، من خلال إيهامها بأنَّ الإخوان ليسوا ضد الملك وليسوا مع الفوضى، ويدللون على كلامهم بأنَّ "جبهة العمل الإسلامي" كانت تتفاوض مع النظام على منحها عددًا أكبر من مقاعد القائمة الوطنية، وأنَّه لو أعطاها القَصْرُ النسبةَ التي حددتها لكانت شاركت بالانتخابات، ووجدت التبريرات اللازمة، كما فعلت في انتخابات 1993م و2003م.
أمَّا الإخوان أنفسُهم فيقولون: إنَّ التعديلات التي تم إدخالها على قانون الانتخابات في يوليو/ تموز الماضي- جرى تصميمها للحد من نفوذهم بتقسيم الدوائر الانتخابية لصالح المناطق العشائرية قليلة السكان والمؤيدة للحكومة، حيث خصصت لها أغلبية مقاعد البرلمان، ويضيفون: إنَّ المدن كثيفة السكان، وهي معاقلهم التقليدية، غير ممثلة بشكل كافٍ.
إنقاذ الوطن
وكانت مسيرة "إنقاذ الوطن"- التي جرت فعالياتها في العاصمة الأردنية عَمَّان، الأسبوع الماضي، ونظَّمها الإخوان المسلمون في الأردن- بتميزها في الحشد والتنظيم دلالةً على أنَّ الوضع السياسي في الأردن دخل مرحلة جديدة من الصراع السياسي، وأنَّ المطالب السياسية للمعارضة الأردنية لا يمكن تغافلها أو إهمالها، وأصبحت الاستجابة لمطالب الإصلاح ضرورة سياسية لا يستطيع النظام الأردني القفز فوقها.
وجاءت هذه المسيرة بعد أنْ تجاهل النظام الأردني مطلب إلغاء قانون الصوت الواحد، وبعد إعلانه عن إجراء الانتخابات وفقًا له، رغم كل الفعاليات الشعبية الرافضة له، وعليه فإنَّ موقف الإخوان المسلمين تبلور في: أنَّ حلَّ البرلمان لم ولن ينزع فتيل الأزمة، وأنَّ الحلَّ يكمن في التوافق على قانون انتخاب وطني، وجدولة خطوات إصلاحية أخرى.
كما ينطلق الإخوان المسلمون من منطلق التمسك بشعار: "إصلاح النظام من دون التحول لغيره"، وينفون أنْ تكون هناك شعارات قد رُفعت في المسيرة من قِبَل أنصار الجماعة تمس العاهل الأردني.
ويبلور الإخوان موقفهم أيضًا من منطلق أنَّهم لايزالون يؤمنون ب"إصلاح النظام تحت سقف الملكية"، ولكنهم يريدون نظامًا ديمقراطيًّا، ويؤكِّدون في هذا السياق على أنَّ شعار "إسقاط النظام" ليس من شعاراتهم.
مواصلة الاحتجاجات
ومن المتوقع أنْ يواصل الإخوان احتجاجاتهم خلال الأسابيع القادمة، رغم ما يقوله المحللون من أنَّ شعبيتهم ستتراجع في ظل مخاوف الشارع الأردني من أنْ تصل الأمور إلى ما وصلت إليه في تونس ومصر، من: غياب الأمن، وضعف الدولة، وتأزُّم الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
فالإخوان ينطلقون من أنَّ الشارع هو طريق التغيير في ظل إجراء الانتخابات وفق القانون الحالي، ويقولون: إنَّهم باقون في الشارع بالطرق السلمية وليس غيرها، ويضيفون: حاولنا التغيير من خلال برلمانات سابقة لكنَّ عوائق كثيرة لم تسمح بذلك، وفي ظل عدم طرح قانون يكفل التوافق الإيجابي فإنَّ الحِراك الميداني قد يحقق نتائج أفضل، وهم مقتنعون بأنَّ بعض خطوات الإصلاح التي شهدتها البلاد جاءت بفعل شعبي وليس من تحت قبة البرلمان.
وتطوُّر النظام الأردني على هذا النحو- إذا حدث- سيغير بصورة جذرية المشهدَ السياسي في العالم العربي كله.
لقد كان الأردن يتمتع بقدر كبير من الاستقرار ، فالنظام الأردني يتمتع بعَلَاقات جيدة مع أمريكا والغرب وإسرائيل ومع دول الخليج، ولا تتمتع الجماعات الراديكالية بنفوذ كبير في البلاد. لكنَّ كلَّ شيء تغير مع نشوب الثورات العربية؛ فمنذ كانون الثاني / يناير من العام الماضي راحت المعارضة الأردنية تنظِّم الفعاليات الاحتجاجية بشكل دوري، وفي طليعة هذه المعارضة "الإخوان المسلمون" الذين يشكلون الحركة الأكثر تنظيمًا وعددًا بين الحركات المناهضة للحكومة. مواد متعلقة: 1. إخوان الأردن يرفضون لقاء الطراونة ويقاطعون الإنتخابات 2. "إخوان الأردن" تنفي حل مكتبها بناء على قرار من مكتب الإرشاد العالمي 3. اخوان الأردن: سنقاطع الانتخابات النيابية القادمة