حقيقة تألمت وغضبت كغيري ولكن بشيء من الروية نجد أن مايحدث خير كله خير فالمسلمون دول ومؤسسات توقفوا عن التبليغ والدعوة وهم المأمورون بذلك وليس ذلك فحسب بل إن معظم كتاب وإدباء الدول الاسلامية رفعوا من قيم الآخر أي آخر وروجوا أن خلاص المسلم بين يدي الآخر وليس في الإسلام وفي المقابل أحطوا من شأن الإسلام والمنتسبين إليه بشكل مستتر وأحيانا فج صريح في مواد شتى مابين الشعر والقصة والرواية فإن اعترض أحدهم كان جاهل وظلامي لأن الفن كله مجاز وهذه هي حرية الإبداع والفكر بينما لوتناولت أحد أصنامهم التي يعبدونها بديلا عن خالقهم هبوا على قلب رجل واحد وأقيمت الندوات والمناظرات وطافوا في الفضائيات للحديث عن الفكر الوهابي السلفي الذي يغزو مصر الآن والظلام الذي ستغرق فيه مصر من هؤلاء الذين يتمنون لهم أن يعودا إلى السجون كما كانوا فلا يسمعون لهم صوتا ولاغرو فالأستاذ عبد الحليم قنديل يقول أن الشريعة الإسلامية وضعية كغيرها وضعها تجار الدين والأستاذ عادل حمودة يقول أن الرسول ليس بمصري فلماذ تتدخل السفارة المصرية ولو فتحنا الباب لأقوالهم لسمعنا العجب العجاب فضلا عن ناشط حقوقي يقول أن الدول المسماة إسلامية لايوجد فيها دولة واحدة متقدمة في أي شيء وأنا أجيبك بأن الدول التي تتحدث عنها الآن هي نتاج الحروب الصليبية بأنواعها وجهود المستشرقين وتلاميذهم لدينا والإستعمار الغربي والمحتلين بالوكالة (الحكام القوميون) فأنصحك بقراءة سير هذه الأسماء في زمن الحكم الإسلامي فعلا لتعرف كيف كنا عندما عملنا بقوانين هذا الدين هذا إن كنت لاتعرف وإن كنت أشك في هذا هؤلاء هم علماء زمن الأمجاد ابن النفيس والبيروني الخوارزمي وابن خلدون وابن سينا وابن الهيثم والإدريسي أول من رسم خريطة للعالم معتمدةوالبوزجاني والرازي والزهراويوالقزويني الذي اثبت كروية الأرض ودوراهنا حول نفسها والكندي الذي يقول فيه باكون " إن الكندي وابن الهيثم في الصف الأول مع بطليموس " وعذرا يا أستاذنا فلن تسمع عن هؤلاء في إعلامنا اللإسلامي فقط هم مشغولون بسير أهل الفن والهجوم على الإسلام والذي بدأ مع جهر الرسول بدعوته بيد أن الهجوم الممنهج بدأ منذ الحروب الصليبية (1099—1254 م) التي استمرت مائتي عاما ولما لم تؤتي ثمارها المرجوة قامت الكنيسة بإطلاق حركة الإستشراق ترعاه وتوجهه حتى بعد أن احتضنته الجامعة وتحول إلى علم أكاديمي يدرس ظل وما زال معبرا عن رأي الكنيسة في الإسلام وهو الذي لعب دورا فكريا خطيرا في التمهيد للإستعمار السياسي والثقافي والعسكري وقام بحركات مريبة تهدف إلى زعزعة ثقة الشعوب المستعمرة بدينها وثقافتها وحضارتها وهو مايعرف بيننا بالهزيمة النفسية وهي أخطر أنواع الهزائم التي منينا بها وتترجمها سلوكيات شتى بيننا منها على سبيل المثال لاالحصر ردود الفعل المسيئة أكثر من الفيلم نفسه ولما لم تؤتي حركة الاستشراق المأمول منها خلقوا فصيل من بيننا يعتنق ذات الفكر وهم مايسمون بيننا الآن بالمستغربين والذين سيطروا على قطاعي الثقافة والإعلام داخل الدول الإسلامية لينشروا ثقافة الهزيمة بيننا وتزييف الوعي الجمعي وعلى أحسن تقدير إحداث بلبلة فكرية فلا يعرف النفيس من الرديء مما خلق لدينا نخبة استعلائية يحتقرون مادونهم في الثقافة ولم يعد يهمهم الفجوة الذي نشأت بينهم وبين عامة الناس المهم أن يقال عنهم في الخارج أنهم مستنيرون وحداثيون هؤلاء من يطلقون بيننا صيحات الدولة المدنية رغم أن الإسلام لم يأتي إلا لترسيخ الدولة المدنية ولكن مدنيتنا تختلف عن مدنيتهم فمدنيتنا بمرجعية إسلامية أما مدنيتهم فهي في حل من أي شريعة ولنعد إلى الوراء قليلا لنعرف أصل مدنيتهم هاهو المستشرق الألماني جوزيف شاخت الذي أتى بما لم يأتي به الأوائل يقول "لايوجد شيء اسمه الشريعة الإسلامية ولايوجد دليل واحد يدل على نسب الأحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم فلا يحق للشعوب الإسلامية أو الحكام المطالبة بتطبيق الشريعة لأن الشريعة خارج نطاق الدين وكذلك الفقه الإسلامي لاوجود له لأنه مأخوذ من شرائع اليهود وتعاليم الكنيسة ولاغرو أن أحضر لقاء مع أحد أكبر أقطاب العلمانية في مصر ولم يكن يوجد أي حضور إعلامي يقول" هذه الشريعة لم تعد تصلح لنا الآن .... زمان لم يكن يوجد سجون والآن يوجد سجون " كل من يقول مدنية يؤمن بذات الفكر ولكنهم يلعبون بالألفاظ ليجتذبوا العامة والبسطاء ويخففون من حدتها حتى لايبتعد عنهم العامة فهو شعار في ظاهره الرحمة وفي باطنه العذاب هؤلاء هم تلاميذ نجباء لشاخت ومرجليوث وشبرنجر ودوزي وكيتاني ومارسين يقول لوريس براون في كتاب أصدره عام 1944 " ليست الحروب الصليبية وحدها ولكنه الإسلام نفسه فالخطر الحقيقي يكمن في نظامه وفي قدرته على التوسع والإخضاع وفي حيويته إنه الجدار الوحيد في وجه الإستعمار الأوروبي " إن جهود غير المسلمين التي بذلت للإساءة لهذا الدين لاتقارن بإسإءات المسلمين أنفسهم فنحن الذين رفعنا سلمان رشدي بآياته الشيطانية حتى بلغ عنان السماء ووزارة ثقافاتنا المجيدة هي التي نشرت وليمة لأعشاب البحر لحيدر حيدر والذي وصف الله ورسوله والقرآن بأبشع الصفات والتي يخجل أمامه المستشرقون أنفسهم وبالطبع كل من اعترض كان جاهل ومتخلف وإرهابي ولايفهم أدب إلى آخره من تيمة زائفة فقدت معناها ومن بيننا أقلام ماجورة كثر تسب الصحابة وأمهات المؤمنين على صفحات جرائد صفراء أو حمراء الأمر سواء أما عن السينما فحدث ولاحرج فلدينا أكثر من مائة سنة سينما فماذ قدمت لهذا الدين أترك لكم الإجابة عندما تظاهر المسلمون عند السفارة الأمريكية نقل الإعلام الغربي هذه التظاهرات على إنها احتفال المسلمين بأحداث 11 سبتمبر وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن إعلامنا في الخارج لاوجود له وأن هذه الأحاديث التي بيننا ليست إلا حوار الطرشان فاللهم استعملنا ولا تستبدلنا القليلون هم من استطاعوا أن يتحرروا من موروثاتهم ويتحدثوا بحيادية عن هذا الدين ولكن لاتسلط عليهم الأضواء لا في الداخل ولافي الخارج ومنهم على سبيل المثال لاالحصر يقول ستانلي بول وهو ممن شكك في مصاقية هذا الدين ولكنه أنصف الحضارة الإسلامية " كان بقرطبة تسعمائة حمام وللحمامات شأن كبير في المدن الإسلامية لأن النظافة عند المسلمين ليست من الإيمان فحسب بل هي شرط لازم لأداء الصلوات والعبادات بشكل عام وذلك في حين كان مسيحيو العصور الوسطى ينهون عن النظافة ويعدونها من عمل الوثنيين وكان الرهبان والراهبات يفخرون بقذارتهم حتى أن راهبة دونت ببعض مذكراتها في صلف وعجب أنها إلى سن الستين لم يمس الماء منها إلا أناملها عندما كانت تغمسها في ماء الكنيسة المقدس وحينما عادت أسبانيا إلى الحكم المسيحي أمر المسيحيون المنتصرون بهدم كل الحمامات العامة في أسبانيا يقول الدكتور موريس بوكاي وهو طبيب فرنسي في دراسة علمية كتبها بعنوان " القرآن الكريم والتوراة والأنجيل والعلم " لقد أثارت دهشتي هذه الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن والتي كانت مطابقة للمعارف العلمية الحديثة ولقد درست هذه النصوص بروح متحررة من كل حكم سابق وبموضوعية تامة بيد أني لاأنكر تأثير التعاليم التي تلقيتها في شبابي حيث لم تكن الأغلبية تتحدث عن الإسلام وإنما عن المحمديين لتأكيد الإشارة إلى أن هذا الدين أسسه رجل وبالتالي فهو ليس دين سماوي فلا قيمة له عند الله وكان يمكن أن أظل محتفظا كالكثيرين بتلك الأفكار الخاطئة عن الإسلام وهي شديدة الإنتشار ولما تحدثت مع بعض المستنيرين من غير المتخصصين عرفت أني كنت جاهلا قبل أن تعطى لي عن الإسلام صورة تختلف عن تلك التي تلقيتها في الغرب وكان هدفي الأول هو قراءة القرآن ودراسة نصه آية آية مستعينا بمختلف التعليقات اللازمة للدراسة النقدية وانتبهت بشكل خاص إلى دقة بعض الإشارات الخاصة بالظواهر الطبيعية ومطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن هذه الظواهر نفسها والتي لم يكن لأي إنسان في عصر محمد (ص) أن يكون عنها أدنى فكرة ثم قرأت إثر ذلك مؤلفات كثيرة خصصها كتاب مسلمون للجوانب العلمية في القرآن وعلى حين نجد في التوراة أخطاء علمية فادحة فإنا لانجد في القرآن أي خطأ وقد دفعني ذلك إلى أن أتساءل لو كان مؤلف القرآن إنسان فكيف استطاع في القرن السابع من العصر المسيحي أن يكتب ما اتضح أنه يتفق اليوم مع العلوم الحديثة ليس هناك أي مجال للشك فنص القرآن الذي نملك اليوم هو النص الأول نفسه ومن ذا الذي كان في عصر نزوله يستطيع أن يملك ثقافة علمية تسبق بحوالي عشرة قرون ثقافتنا العلمية ففي القضايا التي تخضع للملاحظة مثل تطور الجنين يمكن مقابلة المراحل الموصوفة في القرآن مع معطيات علم الأجنة الحديثة لمعرفة مدى اتفاق الآيات القرآنية فيها مع العلم نحن الذين توقفنا عن تبليغ هذا الدين بالوسائط الحديثة بأنواعها فلا نستحق غير هذا فالذي يتطاول على الإسلام ورموزه يقصد إهانتنا نحن فالله جلا وعلا توعد بالحفاظ على كتابه وكفى نبيه المستهزئين
_____ المصادر مناهج المستشرقين الجزء الأول صادر عن المنظمة العربية للتربية والعلوم بتونس موسوعة التاريخ والحضارة الإسلامية الجزء الخامس للدكتور أحمد شلبي موسوعة عباقرة الإسلام في العلم والفكر والأدب والقيادة لمحمد أمين فرشوخ