بينما غفوت للحظات استيقظت علي صوت ارتجت له العمارة التي كنت أقيم في أحدي شققها في ضاحية المعادي الي الجنوب من منطقة وسط القاهرة ،وفوجئت بباب الشقة يتحطم وبعدد هائل من رجال اللواء إسماعيل الشاعر- مدير أمن القاهرة - وقتها يشهرون أسلحتهم الآلية في وجهي،ويطالبونني بتسليم نفسي إليهم ،وأنا مجرد فرد مدني أعزل لا مهنة لي إلا الكتابة ،ابتسمت ابتسامة باهتة واستأذنتهم تغيير ملابسي ،لكنهم رفضوا وقام أحدهم بلف بجامة حول عيوني واصطحبوني معهم من الطابق الرابع الذي كنت أقيم فيه علي السلالم الي الشارع حيث كانت سيارة شرطة تقف تنتظرني ووقتها لم أستمع سوي لصرخات البواب ورئيس مباحث المعادي يوجه إليه الصفعة وراء الأخرى بكل قوته وبشكل مبرح ،وكانت جريمته أنه لم يبلغ المباحث بوجود شخص غريب في العمارة يقيم في تلك الشقة،وهو شخصي الضعيف ،بعد ذلك علمت أنه جري تصويري صوت وصورة وإنا مغمي بالبجامه وقام اللواء إسماعيل الشاعر بإرسال شريط فيديو واقعة القبض علي شخصي الضعيف الي الدكتور يوسف والي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة والأمين العام للحزب الوطني ،تنفيذاً لتعليمات يوسف والي،والذي شعر بسعادة بالغة وهو يتابع عملية القبض علي شخصي الضعيف ويتابع الإهانات التي تعرضت لها.
تذكرت تلك الواقعة وتذكرت معارك خضناها دفاعا عن مصر والأمة مع رفاقي في صحيفة الشعب ودفاعا عن أبناء شعبنا وطعامه من التلوث بمستلزمات الإنتاج الإسرائيلية المسرطنة والتي غمر يوسف والي ورجاله بها مصر لأكثر من عقدين ،وتدفع فاتورتها الآن بلادنا عبر تفشي إمراض السرطان والفشل الكلوي وإمراض الكبد ،تذكرت ذلك أمس بعد مرور أكثر من 12عام علي وقف صدور الصحيفة التي أعمل بها،وبمناسبة بدء أبناء وبنات تلك الصحيفة اعتصاما وإضرابا مفتوحا عن الطعام أمس بنقابة الصحفيين بقلب القاهرة .
وكنت قد تركت منزلي بمنطقة المعادي عقب زواجي بأسبوع واحد فقط ،بعد أن نصحت زوجتي أن تعود لمنزل أسرتها ،صبيحة صدور الحكم علي ورفاق لي بالحبس في قضية المبيدات المسرطنة التي أقامها يوسف والي ضدنا ،حيث كنت أتوقع صدور إحكام بالحبس ضدي ورفاق لي لا عن قلة وثائق سلمناها للمحكمة فهي كثيرة ومؤكدة ،إنما لأن القاضي الذي يحاكمنا كان عادل عبد السلام جمعة وهو يترأس دائرة قضائية تنفذ ما يملي عليها من قبل السلطة ،وثبت بعد ذلك أنها حبستنا عبر ممارسة الغش والتدليس واتهم رئيسها في بلاغ للنائب العام بالرشوة.
نعم تركت منزلي وتوجهت لضاحية المعادي وبالتحديد الي مسكن زميلي وصديقي وأخي الأستاذ جمال عبد الرحيم رئيس تحرير صحيفة الجمهورية الآن ،والقيادي البارز بمجلس نقابة الصحفيين والكاتب الصحفي المعروف ،والذي كان وقتها علي خلاف مع سلفه سمير رجب وصل الي فصله من عمله ،وعاد للعمل ثانية اثر تدخلات من النقابة ،وكان الأستاذ جمال يعرف خطورة ان يسمح لي بالبقاء في مسكنه ،غلا انه لم يعبأ بذلك ،وعندما تركني لكون أنني طلبت منه ورجوته أن يذهب الي عمله،وقلت له انه حال صدور حكم ضدي سأقوم بتسليم نفسي .
ووقتها كنت أعرف أن الأمن يراقبني خطوة بخطوة ،وأخذتني غفوة بعد خروج الأستاذ جمال فنمت واستيقظت علي صوت تحطيم باب شقته علي أيدي وحدة تنفيذ الإحكام وامن الدولة والعبث بمحتوياتها واصطحابي الي تخشيبة الخليفة حيث وجدت هناك رئيس تحرير جريدة الشعب المجاهد مجدي احمد حسين ،وصديقي فنان الكاريكاتير عصام حنفي في انتظاري ،بعد أن عوقبوا بالحبس مثلي ،وظللنا مختطفين بحكم غيابي بالتخشيبة لمدة أسبوع بالمخالفة للقانون والدستور،حني تم تأكيد الحكم علينا بالحبس بشكل نهائي لمدة عامين لي ولمجدي وعام لعصام وتغريم كل منا عشرين إلف جنيه،بعدها تم نقلنا الي سجن القطة ومنه الي سجن مزرعة طره ،وهو السجن الذي يتواجد فيه الآن كل من حسني مبارك ونجليه ويوسف والي نفسه.
وختاما ، لأن رفاقي في صحيفة الشعب وزميلاتي كل منهم ومنهن قصة كفاح ونضال من اجل مرضاة الله وخدمة مصر التي أحبوها ، ومن يتحدث مع أي زميل أو زميلة عن إعماله يجد سجلاه حافل بالدفاع عن الوطن والحريات ومقاومة الفساد والتطبيع والتبعية ، وعلي كل أبناء مهنة الصحافة أنواع من بينهم من يظل عمره كله يكتب وعندما يفارق الحياة لايترك أثرا يمكن ان نذكره به يفيد به وطنه،ومنهم من يترك إعمالا تظل عالقة في ذاكرة القارئ وتدون إعماله في التاريخ ،ونحن إذ نتذكر ما تعرضنا له نتمنى ان نكون ممن يحسنون صنعا ،ولا نكون ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا ،وهُم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً .