أكد فنانون عراقيون أن الفنانين المصريين فاجئوا الجميع بالأعمال التي قدموها على شاشة رمضان الحالي على الرغم من الظروف التي تمرّ بها مصر والاعتقاد أن الفنانين انشغلوا مثل غيرهم من المواطنين العاديين بالأحداث الجارية، لكنهم أثبتوا جدارة في تحمل المسؤولية الفنية الملقاة على عاتقهم لإبراز دور الفن في الحياة المصرية . وأشار العراقيون إلى أن الفنانين المصريين الكبار كانوا أكثر ما يميز هذه الدراما ، ليس بأسمائهم فقط بل بأدائهم وتألقهم وحضورهم اللافت وهيبتهم التي فرضوها ، وأشادوا تحديدا بالنجوم محمود عبد العزيز ،عادل إمام ، يحيى الفخراني، نور الشريف، الهام شاهين، يسرا، وصلاح السعدني الذين أمتعوا المشاهد العربي بالشكل والمضمون لأعمالهم ، ولم ينس الفنانون العراقيون أن يعرّجوا في الحديث عن الدراما العراقية وراحوا يقارنون في ما بين الاثنتين ، فكان الفرق اكبر مما يمكن تصوره للعديد من الملاحظات التي طرحوها .
الناقد والفنان سعد عزيز عبد الصاحب قال : اهم ملمح في الدراما الرمضانية عودة النجوم في الدراما المصرية وعلى رأسهم محمود عبد العزيز، وعادل إمام، ويحيى الفخراني، ونور الشريف، والهام شاهين ويسرى وصلاح السعدني، بعد تراجع الإنتاج السينمائي، فتحولوا إلى الدراما التلفزيونية ولعبوا (خبالا) كما يقال ، محمود عبد العزيز في دوره الجديد المدهش الذي أعطى درسا في التمثيل والتألق والاستمرارية والحضور والتوقد والاشتعال ، وكذلك الفخراني الكبير وكذلك نور الشريف ، وهذا الانصهار مع الشباب ، وكل المحيطين بهم شباب وأجيال جديدة ناشئة ، وهذه الأبوة التي تحسها داخل (السيت) ، وهي شكل غريب وعجيب علينا نحن العراقيين ، لا نعر له أي اهتمام داخل حواضننا الفنية إلا أنني شاهدت حضورا بالغ الأثر في داخل هؤلاء الممثلين من خلال العمالقة .
وأضاف : لا وجه للمقارنة بيننا وبينهم ، نحن هنا يتزاحم فناننا سامي قفطان مع الممثل كي يظهر وهو له 40 سنة في هذا المجال ، وكذلك الممثلون الآخرون ليسوا أبويين ، ليس لديهم روح الأبوة ، يقاومون الروح ال (اختيارية) ، بل هناك أنانية وافتعال ، وهناك من هذا ومن ذاك ، وماذا سيفعل أو ماذا سيصير ، وهذا لا يعرف ان يمثل ، ويقيمون الأشياء من دون ان يشاهدوها ، وهذا خلل كبير في البنية الشخصانية والبنية النفسية والبنية الاجتماعية للممثل العراقي .
فيما قال عقيل إبراهيم العطية : ربما لا امتلك رؤية واضحة بسبب كثرة الإعمال المعروضة على الشاشات وفي أوقات متقاربة فضلا عن إزعاجات الحر الشديد وتعب الصوم ، ولكن ما زالت الدراما المصرية متفوقة بوجود النجوم الكثيرين هذا العام فضلا عن الإنتاج الرائع والمواضيع الجديدة ، ويبدو ان الثورة المصرية بدأت تفرض سطوتها ، وبدأت الإشارات إلى النظام السابق وبعض مساوئه ، لكن الشيء المميز هو ان الدراما المصرية شهدت عودة العديد من النجوم الذين فرضوا هيبتهم ومكانته الفنية ، أما الخليجية فما زالت تعتمد على الفخامة ، ولكن هناك ملاحظات واضحة في الدراما العراقية على الأقل وقد أتيحت لي فرصة مشاهدة بعضها مثل ان الإنتاج ما زال فقيرا وتبقى المشكلة الأولى في الإنتاج، مثلا تظهر الشوارع فارغة ولا يوجد فيها أي كومبارس والممثلون وحدهم هناك ، وكأن الشوارع خلت من المارة إلا من الممثلين ، مثلا في مسلسل اسمه (درب انعيمة) يظهر الفنان خليل عبد القادر في دكانه يصول ويجول لوحده وليس هنالك سوى الممثلين يتحدثون معه ، فلا مستطرق اشترى منه علبة سكائر ولا أحد شرب من دكانه قنينة مشروب غازي ، وهذه من بديهيات العمل ، انظر إلى أي عمل مصري وشاهد عدد الناس العاديين الذين يظهرون ويمنحون المسلسل حيوية وطراوة مطلوبة جدا ، المسلسل العراقي ما زال خشنا يابسا ، والممثلون هم أنفسهم في كل المسلسلات كما يقول المثل (مثل خلالات العبد) ، أحد الممثلين يذهب إلى البادية ويبقى بقميصه الأحمر وحذائه اللماع طيلة أيام دون ان يضيفه صاحب المضيف ويلبسه (دشداشة) على الأقل .
أما الصحافي قحطان جواد جاسم فقال : يمكن الإشارة إلى الأكثر لفتا للانتباه وهي الدراما المصرية هذا الرمضان ، وبروز ظاهرة دراما النجم ، ففي كل عمل هناك نجم كبير يستحوذ على الاهتمام وكل الخطوط مرتبطة به ، هناك الهام شاهين، عادل إمام، يحيى الفخراني، نور الشريف، محمود عبد العزيز ، وهؤلاء لديهم نجومية طاغية فضلا عن المواضيع التي طرحوها ما عدا مسلسل عادل امام (فرقة ناجي عطا الله) الذي فيه (فبركة) وأسلوبه أسلوب الأفلام الأميركية وجيمس بوند ايام زمان .
وأضاف : أما الأعمال العراقية فاللافت فيها وجود المخرج السوري ، يعني أنا اعرف في عمل (مودرن) من الممكن ان تكون الأمور متشابهة ، فيكون المخرج عربيا لا ضير ، ولكن ان يأتي مخرج سوري ليقدم مادة محلية مغرقة في المحلية والتراث ، فكيف يمكنه ان يعرف كيف يقف الرجل او المرأة في الباب ، فالمرأة العراقية من منطقة (باب الشيخ) حين تقف في الباب تختلف عن منطقة الكاظمية او الاعظمية ، فضلا عن سلوك الناس وعاداتهم وتقاليدهم وطريقة التحدث فيما بينهم ، وإذن .. المخرج سيعتمد على المنتج والممثلين وإذا ما اخطأ احد منهم فسوف يرتكب الخطأ ويمضي ، مثلا في مسلسل (بنت المعيدي) ارتدى الفنان (غالب جواد) بدلات من وقتنا الحالي وليس من الثلاثينات ،وهناك ملاحظة مهمة وهي كثرة تكرار الممثلين في المسلسلات حتى بدأنا نخلط بين شخصية هذا الممثل في هذا العمل وذاك ، واذا ما كانت الدراما المصرية قد تميزت بالنجوم فالدراما العراقية بلا نجوم .
وقال المخرج السينمائي جميل النفس : اتسمت أعمال رمضان هذا العام بطغيان الأداء في الشكل والمضمون للجانب المصري ، كان إنتاجهم متميزا بشخصياتهم الفارعة وأدائهم المميز بالإضافة إلى المضمون الذي تتناوله هذه المسلسلات ، فيما نحن بقينا تقليديين إلى حد ما ، والملاحظ على المشهد التمثيلي العراقي هو غياب حذاقة المخرج ، وظلت الكاميرا حبيسة التقليد ، فيما نشاهد في المسلسل المصري الكاميرا تعطي زخما هائلا للإيقاع وتدفع بالقصة إلى شكل جميل ، بينما الدراما العراقية اتسمت بإيقاعها البطيء الذي اعتدنا عليه ، ومن الممكن ان أقول ان العام الماضي كان أفضل على الرغم من الكم الهائل للمسلسلات التي تعرض يوميا .
وأضاف : لفت انتباهي (الخواجة عبد القادر) وهذا الممثل الهائل ، يحيى الفخراني، الرائع الذي يعطي درسا في التمثيل ، فلا يوجد بتقديري ممثل تلقائي بقدر تلقائية هذا الممثل الفارع ، فأدى الشخصية بشكل رائع ، أنا اعتقد ان الدراما المصرية بعد ان تراجعت في الأعوام السابقة بفعل الزخم السوري الهائل والزخم التركي ، يبدو ان المصريين استنهضوا من جديد إلى ان عليهم ان يمسكوا بالإنتاج العربي ، لذلك كانت عودتهم عودة أضفت على الشاشة جمالية واذكت الذاكرة الجمعية لكل العرب ، واعتقد ان عودة النجوم كانت جميلة .
فيما قال المخرج المسرحي عماد محمد : على الرغم من ان مصر تمرّ بظروف صعبة ، وكان عاما مقلقا بالنسبة للفنانين ، حيث اغلب الفنانين المصريين يعيشون أوضاعا صعبة جدا وهناك من هاجر إلى أماكن أخرى ، ولكن الذي حدث كان عكس التوقع تماما ، فالدراما المصرية هذا العام قفزت قفزة كبيرة ، اكبر قفزة في تاريخ الدراما العربية ربما ، فالمفترض حين يعيش الفنانون في هكذا ظروف تشغلهم أشياء أخرى ، لكن الفنان المصري ومن خلفه المنتج المصري وصناعة الدراما المصرية استطاعت ان تقدم هذا العام شيئا يفوق حتى لو كانوا في وضع اعتيادي ، فكانت أعمالا في أعلى المستويات فنيا وفكريا ، هناك منظومات جديدة على مستوى الصورة والسيناريو والأداء ، وقد شاهدنا الممثلين الكبار مثل يحيى الفخراني ومحمود عبد العزيز وعادل امام ، كل واحد منهم قدم شكلا لم يقدمه سابقا ، وبالتالي هذه تحيلنا على ان التبريرات التي كانت وما زالت موجودة في الدراما العراقية غير حقيقية ، إي ان شماعات الوضع الأمني وغيره غير حقيقية تماما ولا تحجز ان يقدم الفنان مشروعه بشكل مبدع ومتألق ، ولهذا علينا ان نبحث حقيقة ما يجري في الدراما العراقية .
وأضاف : من خلال هذا العدد من الإعمال والنجوم هناك رسالة واضحة تؤكد ان الفنان المصري عنده انتماء لمشروعه ولبلده ولثقافته ولفنه ، وهذه رسالة الفنان المصري لأنني سمعت العديد من الفنانين الذي كان لديهم نوع من التحدي لما يجري في مصر من وضع سياسي معين بعد الثورة المصرية وان يقدموا الثقافة والفن بألق جديد وبتقدم ، بينما نحن في العراق ليس لدينا نجوم ولا يمكن ان يكونوا لعدم وجود صناعة إنتاج ، نحن نفهم الإنتاج على انه فلوس بينما الإنتاج عملية صناعة متكاملة بدءا من النص إلى الممثل إلى المخرج إلى المال ، ولهذا السبب سوف لن نصنع نجومًا ولا نصنع دراما.