عندما دخل الصحافي التركي سردار أكينان موقع تويتر في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وجده يعجّ بأنباء عن وجود "مجزرة" في جنوب شرق البلاد، فانتقل بطبيعة الحال إلى شاشة التلفزيون ليتأكد من الخبر فلم يجد شيئاً سوى الأخبار اليومية المعتادة. لم يكتف أكينان بالمحطات التلفزيونية فاتصل بأصدقائه الذين يعملون في هذه القنوات فأخبروه أن ما نشر على تويتر كان صحيحاً وأن لديهم الصور التي تثبت ذلك, غير أن كافة محرري النشرات الإخبارية امتنعوا عن نشر أي خبر يتعلق بالمجزرة لحين صدور تفسير عن الحكومة".
وفي النهاية، وبعد أكثر من 12 ساعة، أفادت وكالات الأنباء أن القوات المسلحة التركية قتلت 34 من السكان المدنيين في غارة جوية بالقرب من قرية أولوديري الكردية على الحدود العراقية. وفي الوقت الذي بثت فيه التقارير الأولى التي التزمت بحذر بتصريحات الحكومة، كان أكينان قد ذهب إلى أولوديري وبدأ التغريد على تويتر ونشر صور للجنازات التي وصلت إلى نحو 80 ألفا من متتبعيه.
وقال اكينان: "كان الأمر بمثابة فيروس، بدأ الناس إعادة إرسال الصور التي نشرتها بينما كانت وسائل الإعلام التقليدية بلا حول ولا قوة، لم يتمكنوا من إخفاء الصور أكثر من ذلك".
وفي هذا السياق، أشارت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" إلى أن تركيا تدرس إمكانية اتخاذ المزيد من القيود على حرية الصحافة المحدودة أساساً، وتجربة أكينان توضح كيف بدأ تويتر ينشأ كأداة قوية لتجاوز - وتشويه سمعة - وسائل الإعلام التركية المكممة.
ونقلت الصحيفة عن أوزغور أوكان، أستاذ الاقتصاد في كلية الاتصالات في جامعة بيلجي في اسطنبول، قوله: "لدينا بديل حقيقي للحصول على الأخبار، وذلك بفضل وسائل الإعلام الاجتماعية، فتويتر خاصة له تأثير كبير على حرية الحصول على المعلومات".
وسجنت تركيا الصحافيين في أراضيها أكثر من إيران والصين، ومعظمهم اعتقلوا باتهامات "إرهاب" مزعومة, وتأتي تركيا في المرتبة 148 من أصل 179 دولة في مؤشر حرية الصحافة التي وضعتها منظمة مراسلون بلا حدود للعام 2011-2012.
والأسوأ من ذلك أن تركيا قد تكون متجهة نحو المزيد من القيود، فالعديد من مشرعي حزب العدالة والتنمية الحاكم يدرسون إمكانية إدخال تغييرات للضغط على القوانين التي يمكن أن تحد من التقارير الصحافية لأسباب تتعلق ب "تعطيل الآداب العامة".
في غضون ذلك، تحتل تركيا المركز الحادي عشر في العالم لاستخدام تويتر، وذلك وفقاً لشركة "سيميوكاست" المتخصصة في التحليل الرقمي. والدافع لاستيعاب وسائل الإعلام الاجتماعية من قبل سكان تركيا هو براعتهم في أمور التكنولوجيا، إذ يمتلك نحو ربع المستخدمين في البلاد الهواتف الذكية، وهو ثاني أعلى معدل في أوروبا الوسطى والشرقية، وفقا لأبحاث السوق لشركة (جي إف كي).
وفي العام الماضي، بدأ أنجين أوندر (20 عاماً) وثلاثة من أصدقائه بحضور جلسات الاستماع في المحاكم التركية، وذلك بعد أن شعروا باليأس من تغطية وسائل الإعلام لمحاكمات الصحافيين المثيرة للجدل.
وقال أوندر: "نحن بحاجة الى منبر لتلقي الأخبار كما هي، من دون تنقيتها واختيارها"، مضيفاً أن "ما سمعناه في قاعة المحكمة لم يكن في وسائل الإعلام السائدة المنحازة والتي تحوّر الكلام الذي يلقى في قاعة المحكمة".
وسائل الإعلام تصبح أكثر خجلاً ويأتي الارتفاع الكبير في استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية في وقت أصبحت فيه وسائل الإعلام التقليدية غير مستعدة على نحو متزايد لتحمل القصص المثيرة للجدل. "لقد أصبح من الطبيعي أن نثني على الحكومة في وسائل الإعلام، والنقد أصبح غير مقبول"، يقول ايس تيميلكوران، وهو كاتب عمود فقد وظيفته في وقت سابق هذا العام بعد أن انتقد الحكومة على خلفية عمليات القتل في أولوديري.
ومنذ انتخاب حزب العدالة والتنمية في عام 2002، عدة مواضيع كانت من المحرمات سابقا أصبحت الآن تناقش بحرية، بما في ذلك القضايا المتصلة بالأقلية الكردية المضطربة، والمذابح المنهجية للسكان الأرمن في تركيا عام 1915.
ومع ذلك، يدعي تيميلكوران وغيره أن هناك محظورات جديدة، بما في ذلك انتقاد رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان. وفي الأشهر الأخيرة، شهدت تركيا سلسلة "إقالات وظيفية" لصحافيين بارزين مثل تيميلكوران بعد أن انتقد إردوغان أو حكومته.
وفي الآونة الأخيرة، في شهر أيار (مايو)، أطلقت صحيفة يني سافاك الموالية للحكومة الكاتب علي عقل بعد أن كتب مقالاً انتقد فيه بشدة طريقة تعامل رئيس الوزراء مع مأساة أولوديري.
وأشارت الصحيفة إلى أن إردوغان عزز قبضته على السلطة، فأصبح أقل تسامحاً مع الانتقاد، وبات يشكل خطراً لا بد من تجنبه بالنسبة إلى العديد من الصحافيين المخضرمين. ويقول أكينان: "من السهل جداً السيطرة على وسائل الإعلام الآن، فالحكومة التركية إما تشتري وسيلة الإعلام وتسيطر عليها، وإما تهددها".