يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ . وفي أحاديث أخرى : وصفدت الشياطين ، صفدت الشياطين مردة الجن ، وتغل فيه الشياطين ، وتغل فيه مردة الشياطين ، وتصفد فيه مردة الشياطين ، صفدت الشياطين ومردة الجن . الأَصْفاد قيل هي الأَغلال وقيل القيود واحدها صَفَد ، يقال صَفَدْتُه بالحديد ، وقيل الصَّفَد القيد وجمعها أَصفاد ، والصِّفادُ ما يُوثَقُ به الأَسير من قِدٍّ وقَيْدٍ وغُلٍّ .. صُفِّدَت الشياطين يعني شُدَّت وأُوثِقَت بالأَغْلال .
السؤال : كيف يمكن التوفيق بين تصفيد الشياطين في رمضان ووقوع المعاصي من الناس؟
الفتوى: يقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى " المعاصي التي تقع في رمضان لا تنافي ما ثبت من أن الشياطين تصفد في رمضان، لأن تصفيدها لا يمنع من حركتها، ولذلك جاء في الحديث: «تصفد فيه الشياطين، فلا يخلصون إلى ما يخلصون إليه في غيره» وليس المراد أن الشياطين لا تتحرك أبداً، بل هي تتحرك، وتضل من تضل، ولكن عملها في رمضان ليس كعملها في غيره.
وفي بعض روايات الحديث : ( تصفد فيه مردة الشياطين ) أو ( تغل ) وهي عند النسائي ، ومثل هذا الحديث من الأمور الغيبية التي موقفنا منها التسليم والتصديق ، وأن لا نتكلم فيما وراء ذلك ، فإن هذا أسلم لدين المرء وأحسن عاقبة ، ولهذا لما قال عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل لأبيه : إن الإنسان يصرع في رمضان . قال الإمام : هكذا الحديث ولا تكلم في هذا .
ثم إن الظاهر تصفيدهم عن إغواء الناس ، بدليل كثرة الخير والإنابة إلى الله تعالى في رمضان وعلى هذا فتصفيد الشياطين تصفيد حقيقي الله أعلم به ، ولا يلزم منه ألا يحصل شرور أو معاصي بين الناس .والله أعلم .
وقد اختلف العلماء في معنى تصفيد الشياطين في رمضان على أقوال ،فقال الحافظ ابن حجر نقلا عن الحليمي : " يحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر ".
وقال غيره - أي غير الحليمي - المراد بالشياطين بعضهم وهم المردة منهم .... وقوله صفدت ... أي شدت بالأصفاد وهي الأغلال وهو بمعنى سلسلت .
قال عياض يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل اغواؤهم فيصيرون كالمصفدين ، قال ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس عن بن شهاب عند مسلم فتحت أبواب الرحمة ، قال ويحتمل أن يكون .... تصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات .
قال الزين بن المنير والأول أوجه ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره " فتح الباري 4/114 ، نصدق بأن الشياطين تصفد في رمضان، فلا تخلص إلى ما كانت تخلص إليه في غير رمضان من الإغواء والإضلال وإذا وجدت المعاصي في رمضان فإن لها أسبابا غير وسوسة الشياطين، فمن ذلك النفس الأمارة بالسوء، فقد ظل كثير من الناس بطاعة النفس وإعطائها ما تلتذ به ولو كان حراما.
وخلاصة قول العلماء أن الشياطين تصفد في رمضان ولكنها تمارس نشاطها بشكل ضعيف عن باقي أيام السنة، لذا يحدث وسواس ولكن قليل جدا. والله أعلم