في عملها الأدبي الأول الصادر عن دار العين للنشر "بنات الأصول" كانت منى طه تريد أن تكتب شيئا عن البنات والحلم والحياة، عن البساطة في التمسك بأشياء في حياتنا ذات ثقة، عن معان أشبه بالمداعبات البسيطة الراقية والحكي الناعم المعبأ بالحميمية والألفة، لغة مليئة بمودة الفتاة المحبة للتفاصيل ، لا يحتاج الأمر هنا لتعقيد ما ، لا تحتاج الكتابة لمداهمات أكثر عمقا ، إذا فضلت الكاتبة جعل الطريق ممهدا خاليا من المتاعب أمام قارئها . منى طه في مجموعتها القصصية الأولى تردد حكايات عن أشخاص قريبين من مشاعرنا وسلوكنا وأصولنا ، لا تحتاج أكثر من سرد حكاية تلك الممرضة في مستشفاها وهي تقع في حب هذا الطبيب ، تتحدث عن الحب الذي لا يعرف تلك الفوراق الاجتماعية ، ثم ترصد هذا الصراع عندما تعرف بخبر خطوبته وخبر زواجه ، في كل المرات يكون هناك رد فعل ما ، وفي كل المرات يكون هناك خطا آخر موازيا مرتبطا بهذا المريض الذي تم تكلفتها برعايته الكاملة ، كيف يمكن لتلك الممرضة أن تجد في هذا المريض حياتها ، ليس بحبه هو الآخر، وإنما بتخليصها من الهرولة وراء الآخرين في قلق، الإخلاص لمن هم في حاجة إلينا أهم كثيرا من الذهاب لمن لا يحتاجونك في الحقيقة، أصبحت إنسانة تحترم نفسها، تعتز بكرامتها، وكم كانت سعيدة بشفاء مريضها الحميم، وتكليفها برعاية مريض آخر، مثل تلك الحكاية وتلك الفتاة ، الكثير من الشخصيات تعبث معنا في مجموعة " بنات الأصول " تتحاور معنا في خفة .
نقرأ مثلا في قصتها " سارق الأمنيات " ، حيث رولا وزملائها الأربعة ، الذين يشاركونها الغرفة ، وحيث لعبة الأماني والكرات المطاطية ، تلك الكرات التي تضعها في كوب الماء الكبير بعد أن تتمنى أمنية ما ، على أمل أن يأتي الغد ويشاهد الجميع أي الأفراد سوف تتحقق أمنيته قبل بقية الزملاء ، الشخص الموعود صاحب الكرة المطاطية التي ستكبر أولا ، وبينما اشترك الجميع وسارعوا في تصور الأمنيات وإلقاء الكرات ، كان هناك في نهاية اليوم " محسن " عامل البوفيه ، الذي التقط كوب الماء في بساطة ووضعه ضمن الأكواب والفناجين الأخرى ، وقام برمي الكرات في سلة المهملات ، تسير معنا الكاتبة في هذا الرفق واللطف في بقية الحكايات ، شخوصها تتحدث بحقيقتها المرصودة لا بحبكة مصنوعة ، تحاول الالتقاء بقرائها في أقرب معنى ممكن ، وأقرب صورة ممكنة ، وأقرب لغة ممكنة .