الخرطوم: في محاضرة أقامها سفير الثقافة اليونانية جورج ستاسيناكيس ورئيس "الجمعية العالمية لأصدقاء (نيكوس كازانتزاكيس)" مؤلف الرواية الفريدة "زوربا اليوناني" بالمركز الفرنسي في الخرطوم، كشف عن محبة كازانتزاكيس للعرب والحضارة الشرقية، من خلال دراسته لكل مؤلفاته التي تشمل الرواية والشعر والقصة وأدب الرحلات بجانب مراسلاته ومدوناته الخاصة في عام 1885 ولد كازانتزاكيس في جزيرة كريت درس القانون بأثينا ثم الفلسفة في باريس، له عشرات المؤلفات، رشح لنوبل للآداب عام 1954 إلا أنها كانت من نصيب ألبير كامو. عاش معظم حياته متنقلا كرحالة وصحافي ومتأمل للأرض والطبيعة والناس يقول جورج ستاسيناكيس كما نقلت عنه صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية: "كان للشرق، خاصة العالم العربي المسلم، سحر خاص وتأثير كبير على نيكوس كازانتزاكيس. وكان كثير التحدث عن أصوله العربية والأفريقية وعن جمال المناظر والصروح وعن أهمية الثقافة والأشخاص الذين قابلهم. وكان يصف جذوره العربية والأفريقية كما يلي: "تنحدر عائلة أبي من قرية تبعد ساعتين عن ميغالو كاسترو تدعى البرابرة وعندما استعاد إمبراطور بيزنطة نيسيفور فوكاس كريت من العرب في القرن العاشر حاصر كل العرب الذين نجوا من المجزرة في بعض القرى وسميت هذه القرى باسم البرابرة. من إحدى هذه القرى كانت تأتي جذور أجدادي لآبائي ولهم كلهم سمات عربية: الكبرياء، العناد، قلة الكلام، عدم المرونة. كانوا يراكمون الغضب والحب والصمت، وفجأة تحرر المارد من داخلهم وانفجروا وتخلصوا من قيودهم. لم يكن الخير الأسمى بالنسبة لهم هي الحياة بل العاطفة. هم ليسوا جيدين وليسوا متساهلين في أداء واجباتهم، حضورهم طاغٍ ويطلبون الكثير، ليس من الآخرين بل من أنفسهم". ويضيف ستاسيناكيس قائلا: "لقد زار كازانتزاكيس بلادا عربية مرتين: الرحلة الأولى في أبريل ومايو 1926 إلى فلسطين ولبنان حيث زار بيت لحم وهيبرون والقدس وحيفا وبيروت. ومن ديسمبر 1926 إلى فبراير 1927 زار مصر والسودان وجبل سيناء فانبهر وأحس بأنه في موطنه. وقد حالت أسباب مادية دون ذهابه للمغرب لتصوير فيلم حول النبي محمد والغرب، وكان يحب العراق جدا وقد كتب قائلا: "بغداد وطني". وفي رحلته لجبل سيناء كتب: "كنت أسعد بالتفكير بأنني لست يونانيا خالصا وأنني أنحدر قليلا من البدو. قد يكون أحد جدودي الكبار قد تبع الهلال وراية الرسول الخضراء واستقر في إحدى الأراضي العربية بإسبانيا بحثا عن الجزيرة التي يصب فيها العسل واللبن: كريت". وفى قصيدته "الأوديسة"، المكونة من 33 ألف بيت، نجد بعض مقاطعها مستوحى من بعض البلدان العربية، فجزء منها يدور في مصر. ومن بين أناشيدها واحد مهدى إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). وفي كثير من مؤلفاته (روايات ومراسلات وملاحظات) يذكر عددا كبيرا من الحكماء العرب مثل ميرزا عبدول بيدر وابن رشد أما في المراسلات، فيقول جورج: "في كثير من رسائله يذكر حبه للعالم العربي المسلم. من زيورخ كتب لزوجته: إن روحي مثل روح المسلم عندما يصلي.. عندها تتجه روحه نحو الشرق". وفي مذكرات أسفاره بمصر، وصف بإسهاب الحياة اليومية للفلاحين ووصف البؤس الذي يعيشون فيه: "لقد غادرت وقلبي حزين منقبض. إن مصير الفلاح.. ذلك التعس.. ذلك الخادم الذي يعمل مثل الكلب ويموت من الجوع.. يملأ قلبي بالمهانة والمرارة". ويختم قائلا: "المستقبل للشعوب التي تمتلك رأسمالين: الوسائل التقنية الحديثة والإيمان. ولا أقصد الإيمان بدين محدد، لكنني أقصد عموما شعورا أساسيا وعميقا. إن أوروبا تملك الأولى والشرق يملك الثانية. لقد بدأ الغرب بعد الحرب في التعامل مع التقنيات وبدأ بتنظيم نفسه. لقد بدأت أوروبا في التفتت وبدأت تفقد إيمانها بالتدريج. والحرب العالمية الجديدة القادمة ستكمل تفتيت الغرب من دون شك. وبذا يتحول مصير العالم من الغرب إلى الشرق".