الفنان إبراهيم عبد الملاك ل"محيط" : تأمل الإبداع يدفع الوجدان للشفاء والسعادة الفنان العالمي عمر الشريف يقص شريط المعرض محيط - رهام محمود فيض من الأحاسيس والمشاعر دوما ما تدفع الفنان للخوض في مجال الإبداع، بل وتحفزه على إنجاز عمله الفني، وهذا بالفعل ما يشغل الفنان إبراهيم عبد الملاك عند تفريغ طاقته الهائلة نحو الإبداع، فهو ناقد وشاعر ومصور ونحات والذي يتفاعل بصدق مع أعماله والتي تظهر فيها مدى الحرفية العالية ، وكثيرا ما تطل المرأة من لوحاته .. فهو يراها رمزا للخصوبة والدفء بل والحياة . في معرضه الأخير الذي استضافته قاعة "بيكاسو" بالزمالك تحت عنوان "الحرية امرأة"، يرسم عبدالملاك بورتريهات المرأة مهتما بإظهار تعبيراتها التي تنبع من شخصية كل منهن. وفي الغالب يحيط وجهها بإطار من اللون الأبيض أو الذهبي الشفاف، وكأنه يحدد الوجه ليبرز جماله. لوحاته تتميز بألوانها الخصبة التي يميل أغلبها إلى البرتقالي الهادئ، الذي يوحي بتوهج امرأته وانطلاقها، ولكنها بالرغم من ذلك نراها هادئة ورقيقة، تتميز أحيانا بوجود بعض الملامس البارزة على سطح العمل، وأحيانا أخرى تكون ملساء، وذلك سواء في أعماله التصويرية أو النحتية. وفي بعض لوحاته الأخرى استخدم الفنان الورق الذهبي، ليضفي على امرأته نوعا من الإبهار والتوهج، فبالرغم من صعوبة استخدام هذا الورق الزاهي، إلا أن الفنان كيفه ليخدم لوحاته ويمنحها البريق، الذي يوازي بعض من منحوتاته الذهبية التي زينت ساحة العرض، وتعكس خبرته في هذا المجال، فهو الفنان الوحيد الذي يعرض تمثالين في قالب واحد، حيث نراه ينحت بروتريه المرأة في المقدمة وخلفية المنحوتة معا، أو يلتصق بورتريهان من الجانب ليصبحان عملا واحدا، أو يخرج بورتريه من خلف الآخر، فهو يعالج الشكل ببراعة شديدة توحي بمدى امتلاكه أدواته وصدق رؤيته النحتية، التي استخدم خامة البرونز في تشكيلها. وعلى هامش معرضه الجديد ، التقت ابراهيم عبدالملاك شبكة الإعلام العربية "محيط" وكان هذا الحوار.. محيط: كيف تطرح المرأة في معرضك الجديد ؟ المرأة رمز ؛ حتى أن البعض يقسم على أحد المتحدثين معه بالأم باعتبارها رمز الشرف والعرض والأرض ، وكلنا تربينا على يد امرأة والأم دائما تمتلك الخير والحنان والطيبة والقدرة على التربية وهي وظيفة لا يتمكن منها كثير من الرجال . ترمز المرأة عندي أيضا للوفاء في الكون وللحبيبة بالطبع وللأم كما ذكرت . تأملت ووجدت كلمة امرأة تنتهي بتاء مربوطة وكذلك لفظة الحرية ، والأرض أنثى في اللغة ، وحينما يسافر أحدهم لبلاد تعجبه يشبهها بامراة باهرة وليس برجل ، ونقول عن الأماكن مدينة وقرية وحديقة وكلها تنتهي بتاء مربوطة لأنها تعطي إحساسا بأن هذا المكان رحيبا ضاما كما المرأة . ومن الجانب الإنساني أرى أن الأم الحرة هي من تربي أحرارا في النهاية ، والعكس فالأم المقهورة تربي أبناء مثلها ، ومن هنا جاء اسم معرض " الحرية امرأة " . محيط: لماذا تقدم تمثالين في منحوتة واحدة؟ لم أتعمد ذلك ، ولفت نظري لهذا الموضوع الناقد الكبير الراحل بيكار حينما أرسلت له بعض أعمالي ليكتب لي جملة تقديم لمعرضي ، كان مريضا وقتها ومع ذلك فوجئت بأنه كتب دراسة في أعمالي من ست صفحات في يوم واحد ،وسألني بعدها بيكار : من أي برج أنت ؟ فقلت : الجوزاء ، فقال أنت توينز ، وكانت إشارة لأعمالي النحتية التي يتزاوج بها تمثالين ، وأضاف بيكار : " أنت تصالح توائم أفكارك؛ فهذا البرج يحمل شخصيتين، إن لم يتصالحا سيصبح الحبل معوجا .. أنت تنحت من التمثال اثنان، أحدهما معاصر والآخر يحمل أصول التاريخ، وهذا بعد سيكولوجي لشخصيتك، فأنت مع القديم وحاضر للجديد، وأنت إذ تصالح توائمك على بعضهما، تصالح نفسك على ذاتك"، ففرحت جدا لأن هذا هو الدور الرائع لأي ناقد، أن يفتح أبواب خير للمبدع لكي يعطي، فالنقد لم يكن يوما مجرد إيلام وتجريح وإلغاء، لكنه طوق ورد معطر يقترب أكثر ليدخل مشاعر الناس وحياتهم، فالقيمة لم تكن فيما فعلت، لكن القيمة هي لمن رأى وحلل وأعطى. محيط: كيف أثر النقد والصحافة على إبداعاتك ؟ النقد سور أخلاقي ضد الكسر، يفتح أبواب الصواب، ويغلق نوافذ الخطأ. هو أيضا ضي لإظهار شمعة الإبداع، كما أنه أرض براح تجري فيه المواهب؛ فبالتالي هو "فلتر الشياكة المعبقة بالأخلاق والقيم" لكي يكون فن إسعاد وبهجة للإنسان. والفن من وجهه نظري إسعاد للمشاهد؛ ولهذا السبب اكتشف أن أصدق التصادق وأجمل الأقلام وأبهر المسرحيات هي ما أسعدت المشاهد. محيط: ما هي التقنية التي استخدمتها في معرضك الجديد ؟ التقنية ليست اختراعا وإنما هي مجرد وسيط يختلف درجات التحكم فيه من فنان إلى آخر، وتلعب خبرة فمشوار العمر الكبير يلعب دور، والتقنية دورها يظل محدودا ولكنها مجاميع تحفز على النقلة في العمل الفني كالإضاءة والديكور المسرحي وما يعادلهما مثلا من لون وتكوين في الفن التشكيلي ، فالتقنية سلم علينا أن نصعده بشكل سليم لكي نصل إلى الدرجة التي نريدها من الصعود. استعملت الورق الذهبي في أعمالي لأنه ورق عنيد، وأنا امتلك حب الترويض وخاصة أن هذا الورق قيمته التاريخية ترجع للعصر الفرعوني وحتى الآن ونرى تطبيقاته الرائعة في الحضارات الأخرى ومنها الأيقونات القبطية، أغلفة المصاحف، والآثار المصرية القديمة. من اعماله محيط: كيف استطعت أن تواصل نشاطك الفني رغم الأزمة الصحية التي ألمت بك؟ عندما يعطيك الله موهبة فهو بذلك منحك نعمة، وكل الأديان تقول أن الكفر بالنعمة هو كفر بالخالق. وأذكر أن مدارس في دول متقدمة يشرف عليها فنان مصري عالمي يعيش باستراليا تتبنى علاج المرضى النفسيين وذوي الاحتياجات الخاصة من خلال الفن ، فالفن يعالج الإنسان ، وأجمل المعارض الفنية هي الحدائق التي أبدعها الخالق في الكون والتي ينصح الأطباء بزيارتها والتنزه فيها وتأملها للشفاء ، أو منظر مثل البحر وشاطئه يمكنك أن تجلس أمامه لتستريح نفسك وبدنك تماما . هذه اللوحات الطبيعية تحفز الوجدان وتجعله يتجاوز الأزمة ، وأعتقد أن كلمة "اقرأ" في القرآن لا تعني فقط القراءة البصرية من الكتب ولكن قراءة البصيرة قبل ذلك والتأمل ، فالله اوجد هذه الحياة وبها علاجنا من امراضنا ، وأنا أؤمن بعبر التاريخ ولم نجد نبيا ولا قديسا ولا فيلسوفا إلا وأصابه المرض في حياته وفي هذا مؤشر لتعلم الصبر والثقة والإيمان والتحمل والأمل . محيط: ما أكثر ما تمنيت فعله بالفن ولم يتحقق ؟ وما خططك للمستقبل؟ ابراهيم عبدالملاك لا توجد أشياء لم تحقق، بل آمال أثق في تحققها يوما ما ، فبعد ثلاثة عشر قرنا من النعاس جاء النحات الرائد محمود مختار ليزيح ستار الغباء ، وأحم بتمثال أو لوحة ونافورة في كل شارع مصري ، وبالفعل نشهد نوعا من التغير في المدن والقرى السياحيةوالفنادق والإسكندرية . أما خططي للمستقبل فأرى أنني طالما حيا سأكتب جملة جميلة، وأرسم لوحة جميلة، وأنحت تمثالا جميلا؛ لأنني عاشق للجمال والفن. محيط: ما رأيك في الساحة التشكيلية المصرية ، وما وصلت إليه بعد مائة عام من الإبداع؟ أرى أننا مواكبين للعالم؛ وخاصة بعد أن أصبح الإنترنت رحلة يومية لكل بقاع الدنيا، ونمتلك فنانين ممتازين و شباب جادين، لكن المشكلة عندما يخفي الأب مواهب ابنه، ونحتاج لما يسمى ب "صناعة النجم"، فمحمود مختار يذكرني بالفنان العالمي جوجان، واكتشف العالم أن لدينا رائع في الأدب مثل نجيب محفوظ، وهناك كثيرين مثله كيوسف إدريس وإحسان عبد القدوس ، أو احد اعظم الشعراء كان عربيا وهو نزار قباني أو جبران خليل ، فنحن نحتاج فقد أن تفتح أبواب الصواب، فيعود للشرق عطاؤه النبيل الإنساني الإبداعي للكون.