الفنان عمر طوسون: تركيا تعرف قيمة الثقافة.. وسرقة اللوحة مسئولية الوزير محيط - رهام محمود عمر طوسون عاد النحات المصري عمر طوسون من مشاركته الأخيرة بسمبوزيوم الثقافة والفنون بمدينة "بيوكتشاكمجا" في أسطنبول، وقد أنجز فيه عملا كبيرا من الاستاليستيل. وطوسون معروف أنه شارك في أكثر من 14 سمبوزيوم دولي خلال الأربعة سنوات الماضية، واختير العام الماضي كممثل لقارة أفريقيا ضمن خمسة فنانين من القارات الخمس لتصميم نصب تذكاري ضخم من الرخام الأبيض في مدينة "ارانجلوفاتسه" في صربيا بمناسبة احتفال المدينة بالعيد ال 150 . التقت شبكة الإعلام العربية "محيط " بالفنان وكان هذا الحوار.. محيط: كيف رشحت لسمبوزيوم "بيوكتشاكمجا"؟ وكيف كانت أجواؤه؟ - وصلتني دعوة خاصة من إدارة المهرجان، نتيجة لمشاركاتي وأعمالي المعروفة بالنسبة لهم، وكانت دعوتهم لي ضمن مشاركة ستة فنانين من دول مختلفة هي المكسيك، نيوزلاندا، المجر، صيربيا، وتركيا، بالإضافة إلى منظم السمبوزيوم كمال طوفان. وما يميز هذا السمبوزيوم أن المشاركة تتم بدعوة شخصية للفنان نفسه، وبما أن قوميسير السمبوزيوم أحد أشهر نحاتي تركيا، شارك في سمبوزيومات دولية مختلفة، وهو على معرفة بنحاتين جيدين على مستوى العالم، ولذلك كانت الأعمال التي أنتجها الفنانون رائعة جدا. وهذا الحدث مميز بالنسبة لي؛ لأنه أول سمبوزيوم أشارك فيه بنحت معادن، وأنا أمتلك خبرة قديمة في هذه الخامة؛ حيث استخدمتها لمدة 12 عاما ببداية مشواري الفني، وعرفت أنني أول مصري يشارك في سمبوزيوم استالستيل، وقد توفرت لي الخامات هناك وأنجزت العمل في الوقت المخصص أي بثلاثة أسابيع، وما أسعدني هو انبهار محافظ المدينة التركية بالعمل وقرار وضعه في ميدان كبير يستوعب حجم التمثال. منحوتة طوسون بتركيا محيط : ما رأيك بالمهرجان التركي كحدث ثقافي؟ - مهرجان الثقافة والفنون قدم دعوات لفرق موسيقية ورقص من مائة وخمسين دولة، بما فيها مصر، والذي تفاجأت أنها تشارك بفريق نادي "الشمس" فكان تمثيل مصر على مستوى غير احترافي بالمرة ويقدمه هواة ، بالرغم من أن معظم الدول كانت تقدم أفضل فرقها. أما مدينة "بيوكتشاكمجا" فهي من أجمل مدن اسطنبول الرئيسية، بها أقدم وأهم كوبري أنشأه المعماري سينام أهم معماري في تاريخ تركيا. محيط : ما أكثر الأعمال التي أثرت بك؟ - أعجبني جدا عمل الفنانة النيوزالاندية "ريناتا"، حيث قامت بعمل حل جيد جدا للمكعب، شمل تفريغات خطية ونوافذ "شبابيك"، وكان المكعب رائع كفورم، وفي الوقت نفسه مناسب للخامة. وأعجبني أيضا عمل الفنان كمال طوفان، والذي قام بعمل تكبير قلم حبر بحجم 3 متر، وشكله ببقايا الاستاليس التي خلفها الفنانون من أعمالهم، وظهر القلم بنسبه الحقيقية. وأعجبني أيضا عمل الفنان الصربي "جوران"، وهو عمل مجرد بسيط يحمل الإحساس بالفورم والضوء وانعكاسات الخلفية على الاستاليس. وعمل ديفيد من الأرجنتين الذي قدم حل لآله موسيقية. محيط : كيف استقبلت خبر سرقة لوحة "زهرة الخشخاش" من متحف محمود خليل؟ زهرة الخشخاش - عندنا مشكلة كبيرة جدا في مصر، وهي أنه عندما تحدث سرقة لعمل فني نبحث عن كبش فداء، وشخصيا أرى أن المسئول الأول هو وزير الثقافة، ولكني أعتقد أن هذا الحادث سوف يمر مثلما مر حريق بني سويف، والوزير ألقى بالمسئولية على رئيس قطاع الفنون التشكيلية الفنان محسن شعلان ولا أحد ينكر أن عليه بالفعل جزء من المسئولية لكنه ليس مطلوبا منه الوقف بجانب الأعمال لحراستها؛ فالوزير قال في حديثه للتليفزيون أنه لم يكن يعرف عن تعطل كاميرات وأجهزة إنذار المتحف، ولو صح ذلك فهو أمر يدينه، كيف لم يقم بزيارة ومتابعة متحف يحمل كل هذه المقتنيات التي لا تقدر بمال، اللوحة الواحدة منه قيمتها نصف مليار، فهو ثروة قومية. محيط : هل خمنت من يكون سارق اللوحة؟ - أي شخص يريد سرقتها يمكنه فعل ذلك بسهولة؛ فقد شاهدت المتحف منذ حوالي خمسة سنوات، لفت نظري أنه ببساطة شديدة يمكن لأي زائر أن يحرك أي لوحة وحتى الأطفال يمكنهم الإمساك بالأعمال، حتى أن اللجنة التي ذهبت للكشف على المتحف اصطدم أحد أفرادها بتمثال كيوبيد أمام المتحف فانهار على الفور، كل ذلك معناه قصور شديد، والوزير نفسه فنان له زياراته الدولية المستمرة لبلاد العالم ويعلم أن هذا لا يحدث في خارج مصر ، ويعرف معنى تأمين المتاحف، وعلى سبيل المثال كنت بمتحف في استراليا، وكان يوجد به أكثر من خمسة تماثيل أكبر من الحجم الطبيعي للإنسان بخامة البرونز للفنان رودان، ولكن كل منهم حوله حرم لا يسمح بتخطيه، بالإضافة لانتشار رجال الأمن والكاميرات وأجهزة الإنذار وغيره . وإلى اليوم أي متحف في مصر يمكنك لمس أي أثر فيه ، حتى في المتحف المصري، فإن لم ينتبه رجل الأمن يمكنك ذلك، وأعتقد أن الوزير كان بإمكانه غلق المتاحف التي لا توجد تكلفة لتأمينها . محيط : ما رأيك في الحركة التشكيلية في تركيا؟ عمل منظم السمبوزيوم التركي كمال طوفان - يوجد اهتمام غير عادي بالفن التشكيلي في تركيا، وقد شاركت في ستة سمبوزيومات نحتية مختلفة في تركيا فقط، فالبلد هناك تقيم سنويا حوالي 25 سمبوزيوم، ولدينا بمصر سمبوزيوم نحت واحد في أسوان، وإذا عممنا ذلك على الثقافة سنعرف كيف استطاعت تركيا أن تضع نفسها على خريطة الثقافة العالمية؛ فالمهرجان الثقافي الذي من ضمنه أنشتطه السمبوزيوم حضر افتتاحه 30 ألف من المواطنين، واستلم المشاركون الميداليات في مسرح حديث على الشكل الروماني كمسرح "مارينا" عندنا، لكننا نستخدم "مارينا" استخدامات أخرى ولا نفكر في احتفالات ثقافية. أما حفل الاحتفال فنظم فوق كوبري تاريخي حمل ألوان كل الفرق المشاركة وعروضها المختلفة، ولاحظت أنهم ينفقون على الفعاليات الثقافية الحقيقية. وهذا المهرجان هو أكبر مهرجان دولي يقام في تركيا وهي الدورة الحادية عشر منه ، والدورة التاسعة للسمبوزيوم. لاحظت كذلك أن لديهم بينالي اسطنبول الذي أصبح حدثا ثقافيا دوليا كبيرا، تخطى في شهرته بينالي الإسكندرية ثاني بينالي في العالم، وبينالي القاهرة الذي يوضع فيه كل تركيز وإمكانيات الدولة. محيط : وما رأيك في الحركة التشكيلية المصرية؟ - مصر مليئة بالفنانين على أعلى مستوى في كل المجالات، ولكن مشكلتها في فكرة المحسوبيات والمجاملات وحتى الجوائز فاقدة المصداقية، لا أتحدث عن وزارة الثقافة فقط بل في كل البلد ، فأنا لا أرى في العالم تغيير أسماء الجوائز بتغير الشخصية المسئولة ! وأرى أن الدور الذي تقدمه مصر في الخارج ليست كافيا؛ ومصر متواجدة لكن عبر أفراد لا تدعمهم الدولة بالشكل المطلوب أبدا ، بل تتم معظم المشاركات بشكل فردي، كما حدث معي ومع فنانين قبلي مثل صلاح حماد، وأيضا ناجي فريد، والغريب أن هناك فنانين معروفين خارج مصر أكثر من داخلها ، لأن لا أحد يقدمهم خوفا على مصالح بعض الأطراف. محيط : لماذا تغيب أعمالك عن معارض الدولة ؟ - عدم مشاركتي في "المعرض العام" في الخمس سنوات الأخيرة نوع من الاعتراض؛ لأنني لا أريد أن أكون مجرد "كومبارس" يستخدم لإنجاح فعالية ما، ونحن كفنانين نعرف كواليس تنظيم هذه الفعاليات واختيار الأعمال لقاعات العرض، ولكن هناك مشاركات لي مثل ورشة "فناني مصر ونيجيريا" في قصر الفنون، وقد تحمست لأن الدعوة وصلتني شخصية من الفنان محمد طلعت مدير القصر. أما عن عدم تقديم أعمالي للمقتنيات، فهو لأنني جربت ذلك ولي بالفعل خمس أعمال مقتناة بمتحف الفن الحديث ولم أرى أيا منهم يعرض بالمتحف ولو بالصدفة، فلماذا أهدي أعمالي للمخازن أو لأن توضع كمسند حوائط !! محيط : على من يقع التقصير في ذلك من وجهه نظرك؟ - بداية من وزير الثقافة وحتى مدير المتحف، فمدير متحف الفن الحديث في أي دولة في العالم مسئول عن الفن الحديث والمعاصر في الدولة وما يعرض منه بالخارج أيضا، وعليه أن ينقل عروض المتاحف المناظرة في الخارج لمصر وهذا يستدعي أن يسافر كثيرا، ولكن لدينا نجد هذا المنصب يشبه الموظفين لدى الحكومة، وأغلب مديري متحف الفن قاموا فقط بجمع أعمال الأصدقاء ، وإذا طلبنا أن تسافر أعمال المتحف للخارج حدث الرفض بمبرر الخوف عليها من التلف، وبالتالي صورة الفن المعاصر لدينا من السبعينات وحتى الآن غير معروفة، وليس كافيا أبدا العشرين فنانا الذين يرشحون للسفر من قبل الدولة " هم أنفسهم " كل عام ، فأعمالهم بالتأكيد لا تعكس الفن المصري المعاصر. عمر طوسون محيط : ولماذا تنتقد ترشيح الدولة لفنانيها المسافرين للخارج ؟ - أعتبرها فضيحة، كلها مجاملات واضحة وصريحة، يحاسب عليها وزير الثقافة، بالرغم من أنه كان يمارس دورا كبيرا في بدايات توليه مسئوليته وقد استفدت من بعضها شخصيا مثل "صالون الشباب"، ، وكنت ألاحظ اهتمام مباشر من الوزير وقيادات الوزارة بالثقافة، لكن في السنوات وخاصة الخمس الأخيرة لا يوجد اهتمام بالثقافة وخاصة بالفن التشكيلي، إلا في حالات قليلة، وأغلب الترشيحات للخارج عليها علامات استفهام، كما أن المرشحين لا يتغيرون . محيط – ما رأيك في الاتجاهات الحديثة التي طغت على الساحة كالفيديو آرت والإنستلين ؟ - لدينا فنانون متميزون والإتجاه للتجديد لا يعني أن المجالات الأخرى في هبوط، ولي أعمال إنستليشن حصلت منها على جائزتين في صالون الشباب، وبالفعل هذه المجالات الحديثة تفتح لها المؤسسة الرسمية فرص أكبر للصعود ، وحينما نحسبها بطريقة البروباجاندا أو الدعاية سنجد أن هذه الأعمال توضع على سيديهات باللون والصوت والحركة، وهي غير مكلفة في عرضها بالخارج، أما نقل أعمال كالنحت ثقيلة فهو محتاج لتكلفة وجهد كبيرين، وهو ما يحتاج لمسئول يريد أن يبذل جهدا. محيط : ما جديد أنشطتك ؟ - دعيت للمشاركة في ثلاثة سمبوزيومات، الأول في رومانيا بدأ بالفعل لكنني منتظر الفيزا، ومدته شهر، وبعد نهايته بيومين سوف انتقل إلى مدينة "أدنا" في شرق تركيا، وهو سمبوزيوم حجر سيستمر ثلاثة أسابيع، وجاءت لي الدعوة بصفة شخصية نتيجة العمل الذي أنجزته في سمبوزسوم "بيوكتشاكمجا" في اسطنبول، سيشارك فيه حوالي 15 فنانا من دول العالم. وعندي دعوة خاصة أخرى في سمبوزيوم بالهند، سيقام في نوفمبر المقبل، صادف أن منظم السمبوزيوم كان يشترك معي منذ عامين في سمبوزيوم، وأعجب بالعمل الذي قدمته. وأعمالي ستكون في إطار فكرة "ثقب الباب" التي أعمل عليها ؛ حيث أرى من خلاله العالم ، ليست بفكر التلصص الموجود في الطفولة، لكن بفكرة أن ترى العالم الرحب من ثقب ضيق وتسعى للخروج دوما ..