نظمت جمعية النقاد الأردنيين ندوة بمناسبة مرور "عام على رحيل الشاعر محمود درويش" تضمنت جلستين، الأولى رئسها الناقد والكاتب فخري صالح، والثانية رئسها د. شكري عزيز الماضي. في ورقته "تحولات اللغة عند محمود درويش" ، تناول د. إبراهيم السعافين مجموعة من التحولات والتغيرات في موقف محمود درويش تجاه عدد من القضايا ، ولاحظ أنّ تلك التحولات ناجمة من "تحولات اللغة وليس من تحولات أساسية في رؤية محمود درويش" ، وهو يتصور أنّ "درويش زاوج بين البعد الوطنيّ ، الذي انطلق منه ليتخطى الحواجز ويخاطب الإنسان عموماً ، وبين البعد القوميّ". كذلك يستنتج د. السعافينى أنّ "البعد الأمميّ" في أشعار درويش أخذ يتراجع مع تطور أعماله لحساب البعد المحليّ ، وأنّ ذلك عزز "البعد الوطنيّ الذ يظل يتماهى مع البعد القوميّ". ووفقا لصحيفة "الدستور" الأردنية قدم د. محمد شاهين ورقة بعنوان "لاعب النرد: رمية بغير رامْ" ، ذهب فيها إلى أنّ هذه القصيدة (أي قصيدة لاعب النرد) لم تأخذ حقها بالدراسة والبحث، وأنها قصيدة تدور في الأساس حول "كتابة الشعر"، موضحا إنّ هذه "القصيدة أنموذج لكتابة الشعر عن الشعر". ثم وضعها في سياق "ممارسة أقدمَ عليها كبار الشعراء المحدثين أمثال عزرا باوند" وتي إس إليوت. وأضاف إنّ القصيدة "صورة تبعث الحياة في مكونات السيرة الذاتية التي تنطلق منها أصلاً ، وتخلق منها جمالية شعرية في حد ذاتها بدلاً من اتخاذها مجرد انطلاق إلى ما هو أبعد من ذلك أثناء عملية الإبداع". واستنتج د. شاهين أنّ من إيحاءات لاعب النرد "أنّ الشعر ليس مصوغاً من التجارب"، وأنه بعيد "عن التأثر المحاكاة المباشرة، ويظل (التأثر ذاته) خارجياً لا داخلياً". "ملاحظات أولية في قراءة ديوان كزهر اللوز أو أبعد" كان عنوان الورقة التي قدمها للندوة د. علي الشرع. واستهلها بملاحظة ذكية تتمثل في "غياب المشبَّه من العنوان" ، فقال بعدما تساءل عن سبب حذف ذلك المشبَّه إنّ العنوان ذاته ، ومن هذه الناحية ، "يثير إشكاليات دلالية لدى القارئ". وفي حديثه عن قصيدة "لوصف زهر اللوز" ، وهي من القصائد التي ضمها الديوان نفسه ، أشار د. الشرع إلى أنّ هذه القصيدة "تحاول طرح إشكالية علاقة الإنسان عموماً ، ودرويش بخاصة ، باللغة". وبين في هذا السياق "قصور البلاغة والقاموس اللغويّ عن تجسيد" إحساس الشاعر الدفين بزهر اللوز. د. الشرع وقف ، أيضاً ، عند محمولات الديوان "الحافل بالتأملات الحياتية" للشاعر من مثل الحياة الموت ، "والشكوك والأسئلة الحارة حول الوجود الإنسانيّ ومصيره". "العملية الإبداعية عند محمود درويش: قراءة في ديوان لا تعتذر عما فعلت" ، كان عنوان الدراسة التي قدمها د. صالح أبو اصبع ، أوضح فيها أنّ محمود درويش كان يزاوج بين الصنعة والإلهام ، وأنه طور أدواته الشعرية بتوسيع أفقه الإنسانيّ ، وأنه كان يرى أنّ "اللغة هي تعبير عن الهوية" وأنّ "مسؤولية الشاعر هي أنْ يفيد من تراثه اللغويةوعليه أنْ يعطي الكلمات حياة جديدة". ثم يضيف د. أبو اصبع أنّ "القصيدة عند درويش تأتي من التجربة (ابنة الماضي) وتفسح المجال للمستقبل" ، ويضيف أنّ قدّم "تجربته الشعرية من خلال تصوير ثنائية جدلية لشخصه هو الشاعر والآخر (محمود درويش الشخص". د. إبراهيم خليل ذهب، من خلال ورقته التي دراسة عنوانها "غنائية النظم وظلال المعنى في شعر محمود درويش ، إلى وجود "علاقة جذرية متينة بالغناء ، والموسيقى" تتجلى في شعر درويش. ثم راح يتتبع "المظاهر الغنائية الصوتية التي برز أثرها في البنية الإيقاعية" لقصائد درويش نفسه، وذكر من بين تلك "المظاهر البنيوية الصوتية في شعره بنية الصوت ، الذي راوح فيه بين القوالب التقليدية، ووحدة التفعيلة، والموشح الأندلسيّ ، وموسيقى الأغاني الشعبية". أمّا د. خالد الجبر ، فذهب إلى أنّ انبعاث هذا الرمز في شعر الراحل "متصل مباشرة بسمار القضية الفلسطينية ، وبمسار شعره بصورة عامة. وبين د. الجبر كيف أنّ رمز العنقاء أخذ بالتحول "حين بدأ درويش يعلن صراحة رغبته في التحول بشهره وبذاته في اتجاه آخر"، حيث أصبح هذا الرمز يلتصق بذات الشاعر نفسه تارة (وهنا دلّ على اسطورته الذاتية)، وبالألم والأمل والحيرة والارتباك أو انبثاق الشاعر بالعنقاء الخضراء الذاتية ، ثم بالإحساس بالندم. د. محمد عبيد الله تناول "النثر في الشعر: صورة من التفاعل في تجربة درويش" ، وبيّن فيها أنّ "حد التجريب بالنثر وفق مفهوم درويش ، أنْ يظل ضمن نظام القصيدة وأنْ لا يخرج عن محددات الإيقاع". د. محمد عبيد الله تناول أيضاً "البعد السرديّ" ، ودرس مثلاً على ذلك "مراثي محمود درويش" ، واستنتج أنّ "بلاغة النثر هنا تتمثل في مساعدة الشعر على استدعاء تفاصيل اليوم أو الصباح" ، كما في قصيدته في رثاء إدوارد سعيد.