عبدالله البردوني .. سنوات من الشعر والألم محيط – سميرة سليمان الشاعر عبد الله البردوني " والعمر مشكلة و نحن نزيدها/ بالحلّ إشكالا إلى إشكال/ لا حرّ في الدنيا فذو السلطان في/ دنياه عبد المجد والأشغال/ و الكادح المحروم عبد حنينه/ فيها: وربّ المال عبد المال/ والفارغ المكسال عبد فراغه/ والسفر عبد الحلّ و الترحال/ و اللّصّ عبد اللّيل والدجّال في/ دنياه عبد نفاقه الدجّال/ لا حرّ في الدنيا ولا حريّة/ إنّ التحرّر خدعة الأقوال/ الناس في الدنيا عبيد حياتهم/ أبدا عبيد الموت والآجال كلمات كتبها الشاعر اليمني عبدالله البردوني في قصيدته الشهيرة "لا تسألي" والذي تحل بنهاية هذا الشهر ذكرى رحيله عام 1999، والبردوني شاعر ثوري عنيف في ثورته، ولد عام 1929م في قرية البردون باليمن، أصيب بالعمى في السادسة من عمره بسبب الجدري، درس في مدارس "ذمار" لمدة عشر سنوات ثم انتقل إلى "صنعاء" حيث أكمل دراسته في دار العلوم وتخرج فيها عام 1953م، ثم عُين أستاذا للآداب العربية في المدرسة ذاتها، وعمل مسئولاً عن البرامج في الإذاعة اليمنية. له عشرة دواوين شعرية منها نذكر: "من أرض بلقيس"، "في طريق الفجر"، "مدينة الغد"، "كائنات الشوق الآخر"، وغيرها، ومن أعماله النقدية: "رحلة في الشعر اليمني قديمه وحديثه" 1972، "قضايا يمنية" 1977، "فنون الأدب الشعبي في اليمن" 1982، "الثقافة الشعبية تجارب وأقاويل يمنية " 1987، "الثقافة والثورة" 1989، "من أول قصيدة إلى آخر طلقة: دراسة في شعر الزبيري وحياته" 1993، "أشتات" 1994، و"اليمن الجمهوري" 1997 نال عديد من الجوائز: جائزة أبي تمام بالموصل عام 1971، جائزة شوقي بالقاهرة عام 1981 ، جائزة الأممالمتحدة "اليونسكو" والتي أصدرت عملة فضية عليها صورته في عام 1982م كمعوق تجاوز العجز، جائزة مهرجان جرش الرابع بالأردن عام 1984م، وجائزة سلطان العويس بالإمارات 1993م. من أهم قصائده التي اشتهر على إثرها عربياً قصيدة "أبو تمام وعروبة اليوم" التي ألقاها في مهرجان المربد وقال فيها: ما أصدق السيف! إن لم ينضه الكذب/ وأكذب السيف إن لم يصدق الغضب/ بيض الصفائح أهدى حين تحملها/ أيد إذا غلبت يعلو بها الغلب/ وأقبح النصر.. نصر الأقوياء/ بل/ فهم سوى فهم كم باعوا وكم كسبوا/ أدهى من الجهل علم يطمئن إلى/ أنصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا ويختمها قائلاً: "حبيب" مازال في عينيك أسئلة/ تبدو.. وتنسى حكاياها فتنتقب/ وما تزال بحلقي ألف مبكية/ من رهبة البوح تستحيي وتضطرب/ يكفيك أن عدانا أهدروا دمنا/ ونحن من دمنا نحسو ونحتلب/ سحائب الغزو تشوينا وتحجبنا/ يومًا ستحبل من إرعادنا السحب؟/ ألا ترى يا "أبا تمام" بارقنا / إن السماء ترجى حين تحتجب أدخل السجن في عهد الإمام أحمد حميد الدين وصور ذلك في قصائده حيث العمى والقيد والجرح والسجن يقول: هدني السجن وأدمى القيد ساقي/ فتعاييت بجرحي ووثاقي/ وأضعت الخطو في شوك الدجى / والعمى والقيد والجرح رفاقي/ في سبيل الفجر ما لاقيت في/ رحلة التيه وما سوف ألاقي/ سوف يفنى كل قيد وقوى/ كل سفاح وعطر الجرح باقي يقول في قصيدته "أحمل الذكرى": يا رسول الحقّ خلّدت الهدى/ وتركت الظلم و البغي حطاما/ قم تجد الكون ظلما محدثا/ قتل العدل و باسم العدل قاما/ و قوى تختطف العزل كما/ يخطف الصقر من الجوّ الحماما/ أمطر الغرب على الشرق الشّقا / وبدعوى السلم أسقاه الحماما/ فمعاني السلم في ألفاظه/ حيل تبتكر الموت الزؤاما/ يا رسول الوحدة الكبرى / وياثورة وسّدت الظلم الرغاما/ خذ من الأعماق ذكرى شاعر/ وتقبّلها صلاة وسلاما ومن قصيدته "لا تقل لي" نقرأ: لا تقل لي: سبقتني و لماذا/ لا أوالي وراءك الإنطلاقا؟/ لم أسبقك في مجال التدنّي/ والتلوّي :فكيف أرضي اللّحاقا؟/ أنا إن لم يكن قريني كريما/ في مجال السباق عفت السباقا/ لا تقل: اع في الوحول رفاقي/ وأضاعوا الضمير والأخلاقا/ لم أضيّع أنا ضميري و خلقي/ وكفاني أنّي خسرت الرفاقا من قصيدته "أصيل من الحب" نقرأ: قد كان لا يصحو ولا يروى / واليوم لا يسلو ولا يهوى/ ينسى، ولكن لم يزل ذاكرا/ حبيبة، كانت له السلوى/ وكان إن مرّ اسمها أزهرت/ في قلبه الأشواق والنجوى/ وانثالت الياعات من حوله/ أحلام عشّاق بلا مأوى/ وكانت الحلوى لطفل الهوى/ والآن/ لا خلا، ولا حلوى/ وكان يشكو إن نأت أو دنت/ لأنها تستعذب الشّكوى/ كانت لسديه الكلّ لا مثلها/ لا قبلها لا بعدها حوّا/ فأصبحت واحدة لا اسمها/ أحلى ولا مجنونها أغوى/ يود أن يهوى فيخبو الهوى/ ويشتهي ينسى فلا يقوى/ فلم يعد في حبّه كاذب الدعوى/ أصيل حبّ يستعيد الضّحى/ وينطوي في الليلة العشوى.
فاضت روح البردوني إلى بارئها في30 أغسطس 1999م في آخر أسفاره إلى الأردن للعلاج حيث توقف قلبه عن الخفقان، يقول في احدى قصائده: فمتى متى يطفي الفنا الموعود عمري الأحمقا كيف الخلاص و لم يزل روحي بجسمي موثقا لا الموت يختصر الحياة ولا انتهى طول البقا لا القيد مزّقه السجين ولا السجين تمزّقا حيران لم يطق الحياة و لم يطق أن يزهقا