علي جدران إحدي الخيام في ساحة التغيير في قلب صنعاء، يعلق الثوار قصيدة عبد الله البردوني (يمنيون في المنفي، منفيون في اليمن)، وعلي جدران خيمة أخري، يعلقون قصيدة (وعيد) وقصيدة (مصطفي) أيضاً للبردوني، لم يعد الشاعر الثائر وحيداً، لقد ثار شعبه إلي جانبه.. لكن لماذا اختار اليمنيون البرادوني، الشاعر الكلاسيكي، العمودي، المعني بالتراث، والراحل منذ أكثر من 12 عاماً ليكون صوت الثورة وصوت التغيير؟ الإجابة بالتأكيد في الشعر، في قصائد البردوني تحديداً، والتي حملت أسباب خلوده واستمراره، وقدرته علي التجدد، وعلي الثورة، الثورة التي انتظرها دائماً.. ( عشرون عاما.. سوف تأتي غداً ما اسم الذي كان بها يختلي؟).. شعر البردوني من ذلك النوع، الذي كتب ليعيش ويمارس دوره في كل لحظة.. أطلقوا عليه أمير شعراء اليمن، لكن الأمير رفض الإمارة، كان معارضاً وسليطاً وساخراً، لم يسلم من قلمه ملك أو أمير، هاجم الحكام جميعاً فحاربوه جميعاً، سجن في عهد الإمام أحمد حميد الدين، ونفي لبلاد عديدة، وأغلقت في وجهه الأبواب كلها.. طارده الفقر والعجز والتهميش، حتي أمه بكت يوم ميلاده مصائبها الثلاث: ( لم ينزل المطر، مات الجمل، وولد عبد الله)! حكي البردوني، عندما زار الجزائر بدعوة من وزارة التعليم العالي، كان ماراً بالسعودية، فتم إيقافه واستجوابه لمدة 24 ساعة، بتهمة الذهاب إلي بلد شيوعي!! وفي الجزائر استقبل بفتورشديد، حتي أن أحد الكتاب (محمد فارح) كتب في الصحف معترضاً علي زيارة البردوني متسائلاً (كيف يمكن دفع أموال من أجل دعوة أعمي، كان يمكن الاستعاضة عن حضوره بكتبه)!! لكن البردوني كان دائماً الأعمي البصير، والذي تمكن من رؤية الحقيقة، والتعبير عنها بجرأة أضاءت العقول والقلوب أيضاً.. 12 ديواناً شعرياً حفلت بأشكال التجريب الشعري كافة، هو الكلاسيكي الذي تجاوز التقليد في لغته وبنيته وموضوعاته، و11 كتاباً، أثارت الكثير من الخلافات.. لم يكن البردوني جميل الوجه، أعمي لا يداري، ولا يخفي عينيه بنظارة سوداء كطه حسين،علي وجهه ندوب وآثار إصابة قديمة بالجدري، عندما يسألونه عن أحوال اليمن؟ كانت إجابته الدائمة: إنها تشبه وجهي!! لكن الوجه المعتل المصاب بالجدري والعمي، ينطوي علي قيم بالغة الجمال وطاقة التغيير، هو وجه اليمن المضيء دائماً.. فليقصفوا لست مقصف وليعنفوا أنت أعنف وليحشدوا أنت تدري أن المخيفين أخوف [email protected]