حين أنشد أيوب طارش "أحنَّ لليمن كثيراً" ، تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل، حتى وصلت إلى جيل الثورة . قد لا يسمعها جيل الثورة، وقد تكون لهم أغنياتهم الخاصة ولكن حتماً صعدت أرواحهم لتلتقي بروح أيوب طارش بسماء صنعاء. شاعران أثرا بالتمهيد لثورة الشباب، أحدهما الزبيري رحمه الله والآخر عبد الله البردوني رحمه الله. أما الزبيري فبعد أن فشلت ثورة 1948 ضد أسرة حميد الدين المتوكلية، لم يجد وطناً من العرب يأوي إليه، وقد كانت العرب يحكمها يومئذ مجموعة من الملوك والسلاطين لم يرحبوا بمقدمه، ففر إلى دولة باكستان الإسلامية، وعمل بالإذاعة الباكستانية، وقرأ أشعار إقبال وروايته (رسالة الخلود أو جاويد نامة) وكتب في ظل هذا الجو روايته "مأساة واق الواق" وحامت روحه في سماء صنعاء، وأمر لميس أحد ملكات تبع أن تظلل سحابة على شعب اليمن حتى لا يتدخل أحد لنصرتها، فتكون معرة كبرى. وحين قامت الثورة التي قادها السلال بمعاونة عبد الناصر، رجع الزبيري إلى أرض الوطن وقبَّل ترابها، ثم ذهب إلى جبال البرط وجمع القبائل حول الإسلام، حتى جاءته رصاصة غادرة أردته قتيلاً، ويقال إن الرصاصة جاءته من أحد يتبع أسرة حميد الدين، ويقال أيضاً أن الرصاصة جاءته من المخابرات المصرية. أما البردوني فقد كان أعمى البصر ولكنه متيقظ البصيرة وقد أنشد قصيدة يهجو فيها أسرة دولة عربية مجاورة، ولما شكا سفير هذه الدولة إلى الرئيس إبراهيم الحمدي، قال له الرئيس بذكاء رجل مثقف: لو أنني صادرت هذه القصيدة لانتشرت بين كل رجل يمني. ويمكن أن نضيف إلى هذين الشاعرين شاعراً آخر هو الدكتور عبدالعزيز مقالح رئيس جامعة صنعاء، وهي الجامعة الوحيدة في عام 1977، حينما كنت معاراً للتدريس لهذه الجامعة، وظللت أدرس بها أربع سنوات وأصدرت خلالها كتباً حول الرواية اليمنية المعاصرة، والقصة القصيرة اليمنية ومقدمه لرواية "مأساة واق الواق" أقول يمكن أن نضيف لهذين الشاعرين الدكتور عبد العزيز المقالح وهو على الرغم من أنه متردد بين العلمانية، وحزب البعث، والولاء لأدونيس، إلا أنه أفادنا في أمرين : إحداهما فضح عقدة سيف بن زي يزن، الذي استنجد بدولة خارج اليمن، هي دولة الفرس، أما الأخرى فقد استبدل تلك العقدة باستهداف مدينة صنعاء في ديوانه "لابد من صنعاء وإن طال السفر" . ويمكن أن نستنتج أمام شباب الثورة خلال تلك المقدمة التاريخية ما يأتي : 1- إن اليمن ينتمي إلى العرب القحطانية، وهم العرب الأصلاء، الذين فروا إلى البلدان المجاورة، بعد أن هدم جرز من جرزان سد مأرب (وليس جرزان القذافي كما يقول) . 2- إثارة النعرة بين القبائل، أثبت فشلها تجربة الزبيري، التي جمع فيها القبائل حول الإسلام . 3- فكرة الاستنجاد بدولة عربية مجاورة، أثبت فشلها تجربة البردوني، والتي صدق عليها الرئيس المتيقظ إبراهيم الحمدي. 4- التعلل من الرئيس علي عبدالله صالح بأنه لا يجوز اختلاط النساء اليمنيات بالشباب في ساحة التغيير، أثبت فشلها تجربته مع المرأة اليمنية في قاعات الدرس فقد يكون اسمها أمة الله وتجلس بجوار زميلها عبدالله، وعلى الرغم من أنها منقبة أو سافرة كما هو الحال مع اليمنية التي جاءت من عدن لتدرس في جامعة صنعاء، وهي الجامعة الوحيدة في السبعينيات، وقد تجلس بجوار صومالية مولدة، ولكن كانت تجمعهن روح واحدة روح قاعات الدرس الجاد كان ذلك منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فما بالك بالفتاة اليمنية اليوم وقد نضجت كثيراً. كل تلك النقاط أضعها أمام شباب الثورة لكي يستمروا في ثورتهم، فحتماً سيرحل الرئيس الهارب إلى السعودية، واقترح عليه أن يذهب إلى جدة ويتبادل الذكريات مع الرئيس المخلوع زين العابدين، ولا يلتقيان بأحداً من الإعلاميين حتى لا يسببا حرجاً للأسرة الحاكمة، ويبقى ما بعد ثورة الشباب، وقد ألفت كتاباً حول الأدب اليمني المعاصر، بمقدمة للسفير الذي ثار على النظام وأعلن استقالته وهو الدكتور عبدالولي الشميري، وسأصدر هذا الكتاب قريباً وأوزعه على شباب صنعاء ديناً في رقبتي لهذا الشباب الذي حمل لآبائه كل الذكريات الجميلة . وأخيراً يا شباب صنعاء اتحدوا، وسيخرج علي عبدالله صالح مطروداً كما خرج الرئيس المخلوع زين العابدين من تونس، وكما خرج الرئيس حسني مبارك من مصر . يا شباب صنعاء اتحدوا، وقووا من عزيمتكم، ولا تقبلوا عرضاً من دولة عربية مجاورة، حتى لا تتكرر مأساة سيف بن زي يزن، وسينصركم الله حتماً . أستاذ الأدب العربي الحديث بالجامعات المصرية والعربية وجامعة لندن