استحكمت حيرة المصريين في الاتفاق على مرشح بعينه في اول انتخابات رئاسية ديمقراطية في البلاد وفشلت وحدة مطالب العمال في قلعة صناعية بدلتا النيل في جعلهم استثناء وتوحيد صفوفهم وراء مرشح واحد. وبدأ اكثر من 50 مليون ناخب التصويت اليوم الاربعاء في السباق الرئاسي الذي يتصدره خمسة مرشحين يتوزعون بين تيارات سياسية ودينية دون ان تظهر اشارات على رجحان كفة احدهم بشكل حاسم.
وتفتح الانتخابات صفحة جديدة في تاريخ البلاد بعد عقود من حكم الرئيس السابق حسني مبارك الذي اطاحت به في مطلع العام الماضي انتفاضة شعبية رفعت شعار "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية."
وفي مدينة المحلة الكبرى بدلتا النيل حيث توجد كبرى مصانع الغزل والنسيج في مصر ويعمل بها اكثر من 27 الف عامل عجز العمال عن نسج رؤية واحدة للمرشح الذي يأملون ان يعيد امجاد صناعتهم.
ويتنافس في الانتخابات 12 مرشحا بعد ما انسحب المرشح الثالث عشرمن السباق الذي يتصدره وزير الخارجية الاسبق والامين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى واحمد شفيق اخر رئيس وزراء في عهد مبارك ومرشح جماعة الاخوان المسلمين محمد مرسي والعضو السابق بالجماعة عبد المنعم ابو الفتوح والمرشح الاشتراكي حمدين صباحي الذي يستلهم افكار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي اولى اهتماما لطبقة العمال في الخمسينات والستينات من القرن الماضي.
وقال صالح عبد الفتاح 55 عاما قبل دقائق من انتهاء دورة عمله في المصنع اليوم "الثورة" التي اطاحت بمبارك قامت من أجل التغييروالتجديد ... سانتخب حمدين صباحي وعليه ان يعيد الأمن ويصلح الاقتصاد ويعيد امجاد صناعة الغزل والنسيج ويحقق آمال العمال والمصريين جميعا" لكن عمرو علوان 26 عام) وقد انضم للعمل في المصنع منذ عدة اشهر "صوتي لأبو الفتوح لأنه رجل وسطي يعبر عن الثورة. اتمنى ان يحقق الحرية والعدالة."
وطالب علوان بإعادة النظر إلى قطاع الغزل والنسيج في مصر قائلا "نحتاج إلى نظرة جديدة وثورة شاملة في قطاع الغزل والنسيج. قبل 30 عاما كان هذا القطاع يمد الدولة بالاموال لكن القطاع الآن منهار ويحتاج إلى تطوير ورفع الجودة ليعود لسابق عصره."
ودعا علوان إلى قبول نتيجة الانتخابات ايا كان الفائز. وقال "علينا أن نقبل أي شخص يأتي به صندوق الانتخابات ونثق في أن الجيش (الذي يدير المرحلة الانتقالية الحالية) سيجعل عملية الانتخابات تسير على أكمل وجه."
لكن مجدي حسين 42 عاما اختلف مع علوان قائلا "لا نقبل ان يأتي أحمد شفيق رئيسا. إذا جاء رئيسا ستكون هناك ثورة ثانية، كان شفيق رئيسا للوزراء ماذا فعل؟ ماذا قدم للبلاد؟" ووافقه في الرأي زميله البيومي الاعصر (37 عاما) وقال "سواء جاء (شفيق) بالتزوير أو بانتخابات حرة فأنا لا اقبله ومع أي شرارة ستشتعل الاوضاع مرة ثانية."
ونجح شفيق في النجاة بأعجوبة من محاولة لابعاده من سباق الانتخابات من خلال قانون العزل السياسي لكن معارضيه يرون ان ارتباطه بنظام مبارك يجعله يعيد النظام الذي اسقطته الثورة، وقال الاعصر "ربما يكون عمرو موسى مقبولا إذا لم يتم تزوير الانتخابات لكن شفيق غير مقبول على الاطلاق" إلا انه اشار إلى انه سيصوت لمحمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الاخوان المسلمين.
واضاف "مصنعنا يحتاج نظرة خاصة في الفترة القادمة، نحتاح لفتح مجال التصدير وان تعود زراعة القطن المصري طويل التيلة لسابق عهده، لدينا مطالب عمالية لكن يمكننا الانتظار حتى تتحسن الاحوال. المهم الآن فتح الاسواق لان هناك منتجات راكدة منذ سنوات."
وتأسست شركة مصر للغزل والنسيح (مصنع المحلة) التي يعمل بها أكثر من 27 الف عامل عام 1927 وظلت لعقود قلعة للصناعة المصرية إلى ان تدهورت اوضاعها في اخر عقدين ومنيت بخسائر فادحة وتراكمت عليها الديون.
وفي السنوات القليلة التي سبقت انتفاضة 2011 أدت المصاعب الاقتصادية المتنامية إلى اضطرابات عمالية يرى البعض انها كانت الإرهاصات الأولى للاحتجاجات الاوسع التي أسقطت مبارك.
وقال حسين الذي يعمل منذ 16 عاما بالشركة مترامية الاطراف المقامة على نحو الف فدان "نريد الرئيس القادم أن يدعم المصنع بالاموال وأن يدعم حقوق العمال، نريد أن نرى الشركة تعود لعصره االذهبي مرة اخرى، لا بد من دعم المنتج المحلي من أجل انتعاش الاقتصاد وتوفير فرص عمل للشباب."
وأوضح حسين انه سيدلي بصوته لأبو الفتوح مشيرا إلى انه يراه الأفضل بين كل المرشحين وبإمكانه تحقيق كل ما يسعى اليه الشعب المصري.
وقال أحمد رشاد (52 عاما) الذي يعمل في مصنع المحلة منذ 30عاما "صوتي لحمدين صباحي لانه شخص متواضع وسيطبق الحد الأدنى للاجور ويعيد اصلاح منظومة التأمين الصحي."
وقال عبد الفتاح الذي قضى 30 عاما في المصنع "لا نقبل اعادة النظام القديم الذي قامت ضده الثورة، فلا يمكن ان يكون أحمد شفيق أو عمرو موسى رئيسا لمصر لكن إذا كانت الانتخابات حرة بدون تزوير علينا أن نقبل النتيجة مهما كانت في النهاية لان هذه هي الديمقراطية" واذا كان أغلب عمال المحلة الكبرى ضيقوا اختياراتهم باستبعاد شفيق الا ان دائرة الاختيار ما زالت تسع اربعة مرشحين بارزين اخرين على الاقل.