«الثورة المصرية في 25 يناير 2011م، أخرجت من المصريين أجمل وأنبل ما فيهم من تحضر وأخلاق، كذا أبرزت أسوأ ما فيهم من همجية وغوغائية وسوء أدب». كنتُ أعتقد أن الناس في بلدي يعانون من نقص حاد في مركب الحرية ويحتاج وجدانهم إلى غذاء مكثف لاستعاضة هذا النقص، ولذا كان لابد من التماس العذر للعطشى الذين تزاحموا بلا نظام على الماء، فمذاق الارتواء قد حُجِبَ عنهم عقوداً، حتى تشوقت قلوبهم ونفوسهم وحلوقهم إلى حرية جارية صافية، فلما جاءت بعد ظمأ شديد كان لابد من بعض التعكير والتكدير إثر التسابق أو التعارك. وكنت أعتقد أن الناس سينتقلون تلقائياً من مرحلة «الزَّنِّ» إلى مرحلة «الغناء» متى ارتوت أكبادهم المُتعطشة إلى جرعات الحرية، عملاً بمقولة «إن جاعوا زنوا، وان شبعوا غنوا»، ولكن طاش ظني، لأني نسيت أن لدينا تراجعاً حاداً في قيم كثيرة، تراكم عَبَرَ سنين طويلة من إهمال التربية والتأديب، فشبَّ جيل لا يعرف ما معنى احترام الكبير، ولا معنى احترام الآخر، ولا معنى احترام الآداب العامة، فكان لابد أن يتمخض هذا التراجع مع جرعات الحرية المتزايدة عن همجية، وإساءة للأدب. إنَّ الأمثلة بعد الثورة عن الهمجية وإساءة الأدب لا تكاد تحصى، فأقربها وأكثرها انتشاراً: قطع خطوط سكك الحديد، أو الاعتصام فوقها، لتعطيل حركة القطارات ومن ثم تعطيل مصالح الناس.. وأي ناس هم؟ هم الطبقة الكادحة العريضة من أبناء الوطن، من موظفين وعمال وطلاب، دفعتهم ظروفهم الاقتصادية إلى استخدام هذه الوسيلة الرخيصة من المواصلات، معنى هذا أن موظفين لن يذهبوا إلى أعمالهم، وأن عمالاً لن يذهبوا إلى أماكن أكل عيشهم، وأن طلاباً لن يذهبوا إلى جامعتهم، لأن فئة لها مطالب عجزت عن عرضها بأي وسيلة إلا تعطيل حركة القطارات.. فأي همجية هذه؟!. أنا لست من مؤيدي تحقيق المطالب بليِّ الذراع، وصبِّ النكد فوق حياة الناس، وتخريب المال العام، بل إنني ومن فوق هذا المنبر أطالب بضرب تلك الفئات بيد القانون بلا مساومة ولا تفاوض ليكونوا عبرة لمن تسول له نفسه السير في ذات الطريق.. فكلنا نعاني من مشكلات مزمنة ونرجو لها حلولاً تثلج صدرونا، لكن الرحمة بمصر العزيزة تستلزم التغاضي عما ألمَّ بنا حتى تتعافي لتغدق علينا من خيرها!. مشاهد تعطيل الطرق والسكك الحديد يجب أن تتوقف فوراً، وقطع شريط حديدي لقطار لا يقل جرماً ولا إثماً عن مهاجمة وزارة أو ديوان.. لابد من تفعيل القانون لمعاقبة هؤلاء كقُطَّاع طرق، وهي من جرائم الإفساد في الأرض. حفظ الله مصر وطناً عزيزاً