الرياض: أكد الدكتور صالح بن أحمد الغزالي، أستاذ الفقه بجامعة أم القرى، أن راكب الطّائرة محكوم بسير معين، وهو لا يمر بسماء الميقات غالبًا، لكن يمر بمنطقة تُعد محاذية لسماء الميقات، في أثناء اتجاهه إلى مطار جدة . وقال الغزالي في دراسته، " إحرام القادمين على الطائرات من أين يكون". التي نُشرت على موقع "الإسلام اليوم": ليس في كلام الفقهاء السابقين بحث في المسألة لكونها من المسائل الحادثة، والمعروف عندهم هو المرور البري والبحري فحسب . وأضاف أيضا، أنه ليس هناك في كلام الفقهاء تعريفًا مُحددًا لمصطلح (محيط الميقات)، بل لم يذكروه، إنما يذكرون لفظ المحاذاة للمواقيت، وهو اللفظ المنضبط والوارد معناه في كلام الصحابة - رضي الله عنهم- موضحًا أن (محيط الميقات) هو البعد والقرب من مكة، مستدلًا بقول الإمام ابن تيمية، فلم يأمرهم عمر والمسلمون بقرن، بل جعلوا ما يُحاذيها بمنزلتها؛ وذلك "لأن الإحرام مما يُحاذي الميقات بمنزلة الإحرام من الميقات" مشيرًا إلى أن لهذا المعنى اتفق الفقهاء على مشروعية الإحرام من المحاذاة( [51] )، ودليلهم قول عمر - رضي الله عنه - لما شكا إليه أهل العراق، جور قرن عن طريقهم: (انظروا حذوها من طريقكم) . وأضاف، أن هذا الاتجاه هو الصحيح لصحة مأخذه ودليله، مبينًا أن تطبيق هذا المعنى على صورة المسألة على الآتي: 1- اعتبار محيط المواقيت باعتبار الجهات المختلفة، بُعدًا وقربًا من مكة. محيط ميقات الحليفة، هو ما حاذاه وسامته يمنة ويسرة، يعني أنّ المّار في الجو من جوار ميقات المدينة أو سمائها (الحليفة) إلى مكة يُعد متجاوزًا لمحيط المواقيت بتجاوزه. وأوضح، لو فُرض وصول راكب الطائرة إلى مطار جدة، من غير المرور بسماء أحد المواقيت ولا محاذاته، فحينئذٍ ينطبق عليه كلام جمهور الفقهاء، ومنهم الثلاثة: الحنفية، والشافعية، والحنابلة: مَن لم يمر بالميقات ولا محاذاته يُحرم على بُعد مرحلتين من مكة، اعتبارًا بمسافة أقرب المواقيت إلى مكة، وهي قرن ويلملم. مشيرًا إلى أنّ المّار من جهة غرب جدة يمر - غالبًا - بمحاذاة الجحفة أو يلملم، قبل وصوله مطار جدة، فيلزمه الإحرام حينئذٍ. وأوضح، أنه في حالة اتجاه الطائرة إلى مدينة جدة، من غربها تمامًا، بحيث لا يُحاذي ميقاتاً، ثم اتجه إلى شمال جدة ليهبط في مطارها، فيُحرم الراكب حينئذٍ من المطار. وتطّرق الغزالي إلى مسألة، هل ركوب الطائرة مشقة تُجيز تأخير الإحرام؟ قائلا : للعلماء قولان: الأول: أكثر العلماء لم يروا في ركوب الطائرة مشقة، يُرتب الشرع عليها تأخير الإحرام عن سماء الميقات، أو محاذاة سمائه، ومنهم: الشيخ عبد الله بن جاسر، صاحب كتاب ( مُفيد الأنام)، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله البسّام. الرأي الآخر: في ركوب الطائرة مشقة، رتّب الشرع عليها تأخير الإحرام على مكان هبوطها، ولو إلى داخل المواقيت كجدة. وعللوا بالآتي: الأولى: اضطراب الطائرة في الجو، وأهلها مشغولون بالاضطراب والخوف، خشية وقوع الحادث بها، ولا يزالون في خوف حتى يصلوا إلى ساحل السلامة، وحال الخوف في الطائرة يشبه اضطراب الباخرة في لجّة البحر، ولهذا نصّ علماء المالكية، على تأخير الإحرام في السفينة إلى البر، كما قال سند بن عنان وشرّاح خليل. ورُدّ بالآتي: 1- لفظ (الاضطراب) هنا مُجمل، لا ينبني عليه الحكم إلا ببيان الإجمال فيه، وعند التفصيل يُقال: الاضطراب الذي يقع بالطائرة يُراد به أحد ثلاثة أقسام: الأول :إمّا أن يُراد به اضطراب مخوّف من سقوط الطائرة، فهذا لا يصح وصف راكب الطائرة به إلا في النادر جدًا، ولو كان وصفًا كثير الوقوع للطائرة لما جاز ركوبها ابتداءً. الثاني: الاضطراب لا يُعتبر إلا إذا حدث نوع مشقة أو تفويت أمرٍ مشروع، كأن يُشغل عن واجب أو كمال واجب كالخشوع في الصلاة، وهذا يقع لراكب الطائرة في حالتي الإقلاع والهبوط، وفي أحوال قليلة أثناء السير الجوي . الثالث: في أثناء سير الطائرة المعتاد لا يكون ثَمّ اضطراب. 2- الإحرام: هو نيّة الدخول في النّسك، وهذا لا يمنع منه الاضطراب المذكور، مشيرًا إلى أنّ الإحرام في مقعد الجلوس ممكن، ومَن لم يتمكن يُمكنه الانتقال من مقعد الجلوس إلى مؤخرة الطائرة؛ للإحرام، أو في المكان المعد للوضوء فيها، وهذا ممكن في الغالب، موضحًا، أنه إذا أتى راكب الطائرة مكان الإحرام، وهو سماء الميقات أو محاذاة سمائه، وهو مريد النّسك، فيلزمه حينئذٍ الإحرام، وهو الدخول في النّسك، في الميقات والتجرّد من محظوراته، فإن كان معه ملابس للإحرام، أحرم فيها، وإن لم يكن معه ملابس إحرام، رتّب لباسه على طريقة الإحرام إزارًا ورداءً . وخلُّص الغزالي، إلى أن راكب الطائرة الذي يريد السفر إلى مكة، وهو مريد النّسك، يتوجه أولاً - بحسب الواقع الحالي - إلى مدينة جدة، وبالتحديد مطار مدينة جدة الذي يقع شمالها، ويبعد عن مكة نحو 110كم وهي زيادة على مسافة مرحلتين عن مكة، مشيرًا إلى أن التوجه إلى مطار جدة لا يكون سببًا في جواز مجاوزة الميقات بلا إحرام، وسواء كان هذا المكان واقعًا في طريق الميقات إلى الحرم، أو في غير الطريق. وبيَّن الغزالي، أنه عند الشافعية: إذا قدِم من بحر اليمن - أي الجهة الجنوبية للبحر الأحمر- قاصدًا جدة، ثم جاوز مُحاذاة يلملم، فإنه يُحرم من مثل مسافة يلملم، ثم اختلفوا هل يُحرم من جدة باعتبار أن يلملم إلى مكة مرحلتان وهكذا جدة. أو،لا ؟. فمَن قال بتساوي المسافتين قال بالجواز، وإلى هذا ذهب الرملي صاحب (التحفة) ومَن قال بالفرق وزيادة مسافة يلملم إلى مكة منع منه، وإليه ذهب الشرواني في حاشيته.