على سرير في منزل صغير بمنطقة محرم بك بالإسكندرية، وبينما كان الليل يسدل ستاره، رقدت الأم بوجهها الشاحب وجسدها المنهك الذي فعل فيه المرض ما فعل، وأدركت دنو أجلها. تأكدت من عدم وجود ابنتيها على مقربة منها، عندها طلبت من ابنيها إغلاق الباب جيدًا وأوصتهما أن يحفظا سرهما الكبير بعد موتها خوفًا من عواقب إفشائهما التي قد تقودهما للسجن. ولأن الليل لا يخفي سرًا، نقل هدوءه كلام الأم ووصيتها لأبنيها، لتلتقطه أذن الطفلة الصغيرة، وتحل معه لغزًا عاش لسنوات: "كيف اختفى أباها؟" وتدرك بالفعل أنه مات وأن من قتله أمها بمساعدة أخيها غير الشقيق. لم تدري ماذا تفعل؟ فوصية الأم لأخويها وضعتها بين شقي رحى، فهل تنتقم لأبيها وتبلغ الشرطة عن قاتله الذي يعيش معها بين أربع جدران، أم تكتم السر لتحمي أخيها؟ ماتت الأم، وعاشت الطفلة الصغيرة، نحو عام كامل حاصرتها خلاله كل تفاصيل اختفاء الأب، وبراعة الأم في إخفاء تفاصيل الجريمة عن الجميع بما فيهم أشقاء زوجها الذين لم يكونوا على وفاق معها. تزوجت الأم من المجني عليه، رغم أنها كان لها طفلان من زوجها الأول، وأنجبت منه طفلتين "شهد" و"نيرة" وطفل صغير توفي وعمره 9 شهور بعد ولادته بثقب في القلب. صورة الأب التي لم تفارق أحلام الصغيرة، جعلتها تحسم أمرها في كشف الحقيقة والثأر لأبيها، ولكن من له أن يصدق طفلة صغيرة، تحدثهم عن جريمة وقعت قبل نحو 8 سنوات؟ وضعت الابنة الصغيرة خطة للسفر إلى عمتها التي تعيش في محافظة سوهاج، وأخبرتها بكل ما سمعته، لتصحبها العمة إلى الإسكندرية، وأمام ضباط مباحث قسم شرطة محرم بك، وهناك روت الطفلة كل ما حدث. تذكر "السيد صابر علي"، شقيق المجني عليه، كل ما حدث منذ لغز اختفائه عام 2017، وعدم قدرته على الذهاب إلى منزله للسؤال عنه بسبب المشكلات والخلافات بينهما وزوجة شقيقه. لجأ الأخير إلى خالته التي توجهت إلى منزله بحثًا عنه، عندها أخبرتها زوجته بعدم معرفتها مكانه، قائلة لها إنها كانت رفقة طفلها الصغير المريض محجوزة في المستشفى لتلقي العلاج اللازم، طيلة 4 أيام. رحلة طويلة قادها الأخ بحثًا عن شقيقه منذ انقطاعه عن عمله في كلية طب الإسكندرية، بدأت بتحرير بلاغات في شرطة النجدة وقسم شرطة محرم بك ومديرية أمن الإسكندرية، وإجراء تحليل (DNA) لمطابقته بالجثث المجهولة. طيلة 8 سنوات كاملة، تسرب الأمل خلالها في العثور على الأخ الغائب، يقول "السيد صابر": "بوصول الشرطة للشقة محل الحادث كانت المفاجأة حيث تبين أنها كانت مؤجرة وتركتها زوجة أخيه الراحلة بعد عامين". وأضاف أن الشقة جرى تأجيرها لسكان جدد، لكنهم لم يعلموا بوجود جثة مدفونة في أرضيتها، مشيرًا إلى أن الجناة تخلصوا من الجثة بدفنها على عمق نحو متر و70 سم ووضعوا عليها أسمنت وسيراميك. ولا تزال الأسرة في انتظار تصريح النيابة العامة بالدفن بعد استخراج الرفات، فيما قررت النيابة العامة حبس الابن المتهم في الواقعة 4 أيام على ذمة التحقيق، وذلك بعد إنكاره المشاركة في قتل زوج والدته طعنًا بسكين. كان قسم شرطة محرم بك قد تلقى بلاغًا بقتل موظف طعنًا بسكين خلال مشاجرة مع زوجته داخل المنزل، وتعاونت الزوجة مع ولديها في دفن الجثة وإخفاء آثار الجريمة طيلة 8 سنوات". اقرأ أيضًا: صمت 8 سنوات.. تفاصيل صادمة في جريمة قتل مدفونة داخل "شقة محرم بك" بالإسكندرية مفاجأة في جريمة "شقة محرم بك".. وفاة المتهمة بقتل زوجها قبل كشف الواقعة بعام