القاهرة: أكد الدكتور عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس وخطيب المسجد الأقصى المبارك، أن للعرب والمسلمين في القدس حقين تاريخي وديني؛ أما التاريخي فيكمن في أن العرب هم أول من سكن أرض فلسطين والشام وهو ما تدلل عليه نتائج الحفريات الإسرائيلية في القدس، بينما يتمثل الحق الديني في أن سيدنا عيسى عليه السلام ولد في بيت لحم ونشأ في الناصرة ثم سكن القدس، كما أن حادثة الإسراء والمعراج جاءت لربط القدس بمكة المكرمةوالمدينةالمنورة. وأضاف عكرمة أن القدس أصبحت تابعة للعرب والمسلمين سياسيا في عام 15 ه، حين دخلها عمر بن الخطاب، ليعقد بعدها ما سمي بالعهدة العمرية والتي حافظ بموجبها على المقدسات غير الإسلامية والتي كانت في حينها المقدسات المسيحية؛ وهو ما يدلل على أنه لم تكن هناك كنسٌ يهودية آنذاك. وأوضح، في محاضرة نظمتها جامعة الاسكندرية في إطار اللقاء السنوي للمفكرين والمثقفين والعلماء المصريين، أن التوثيق للقدس علميا بالوثائق والصور وغيرها من المواد ضرورة لا خلاف على أهميتها، كما أنه خدمة يمكن أن يقوم بها كل من يريد الدفاع عن المدينة المقدسة، وذلك كي يكون النقاش العربي في هذا الموضوع نقاشا علميا مجردا من العواطف، وهو ما يضمن التواصل مع الغرب. وتساءل الدكتور عكرمة: "لماذا أدعى اليهود مؤخرا أحقيتهم في ما يسمى حائط المبكي (حائط البراق) دون أن يفعلوا ذلك قبل 15 قرنا من ظهور الإسلام؟"، لافتا إلى أن تلك الإدعاءات هدفها قطع روابط العرب والمسلمين بالقدس؛ وهو ما لن يحصل. ونوّه إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية على القدس تشمل الحجر والبشر؛ فالبيوت الفلسطينية في المدينة مهددة بالهدم بحجة عدم وجود ترخيص للبناء، وتحديدا هناك 3000 بيت تم فتح ملفات لهدمها خلال ثلاث سنوات، كما أن البشر مهددون بالنوم في العراء. وأضاف أن هناك مخططا إسرائيليا لبناء 50 ألف وحدة سكينة في القدس عام 2010، كما أنهم لم يلتزموا بتجميد الاستيطان وبناء المستوطنات التي تعد جميعها غير شرعية لإقامتها على أرض مغتصبة ولتمزيقها للبلاد، مؤكدا أن سلطات الاحتلال ماضية في تنفيذ تلك المخططات لأنها وجدت الفرصة سانحة نتيجة للانقسام الفلسطيني الداخلي وعدم وجود مواقف مشرفة للحكومات العربية. وفي هذا الإطار، أثنى خطيب المسجد الأقصى المبارك على جهود المصالحة التي تبذلها مصر للتقريب بين الفرقاء الفلسطينيين، متمنيا أن تستمر تلك الجهود للوصول إلى مبتغاها، نظرا لأن الانقسام أفاد الأعداء وأضر بالقضية الفلسطينية، وداعيا إلى التركيز على القواسم المشتركة عوضا عن التركيز على القشور. وألمح إلى أنه فيما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك، فإن هناك خطرين يهددانه، أولهما محاولة المتطرفين اليهود اقتحامه والصلاة فيه والعيث فيه فسادا، أما الخطر الآخر فيتمثل في وجود الحفريات التي تنقسم إلى قسمين: حفريات في البلدة القديمة تتجه ناحية الجدار الغربي، وحفريات أو أنفاق في سلوان تتجه للجدار الجنوبي. وأضاف أن الهدف المعلن للحفريات هو البحث عن هيكل سليمان، في حين أنهم لم يجدوا حجرا يؤكد مزاعمهم رغم أنهم ينقبون عن هذا الهيكل منذ القرن 18. وفي هذا السياق، أشار إلى أن اليهود يعدون سيدنا سليمان ملكا وليس نبيا كما يعتقد المسلمون، وبالتالي فإن الهيكل أو المعبد المزعوم الذي يبحثون عنه خاص بملك، وهنا فإنه لا قدسية له! كما أن الله سبحانه وتعالى أمر المسلمين بالحفاظ على أماكن عبادة غير المسلمين، فكيف يطلب منهم بناء مسجد (مسجد الأقصى) فوق الهيكل (هيكل سليمان) في حالة ما إذا كان الهيكل مقدسا كما يزعمون، وفي حالة ما إذا كان موجودا من الأساس؛ حيث إنهم لا يعرفون موقعه حتى الآن! وشدد الشيخ الدكتور عكرمة صبري على أهمية استثمار الانتهاكات التي تحدث في فلسطين ومدينة القدس دوليا، مشيرا إلى أنه يجب نقل الاهتمام الذي يسود العالم العربي والإسلامي بتلك القضية إلى الغرب ومخاطبتهم، ذاكرا في هذا الإطار الحريق الذي أشعله مستوطنون في مسجد ياسوف قبل أسابيع. ورفض فضيلته وضع القدس تحت الحماية الدولية، قائلا: "هناك طرحان؛ الأول تهويد القدس، والثاني وضع المدينة تحت الحماية الدولية، ونحن نرفض كليهما، لأننا إن وافقنا على الإشراف الدولي فإننا لا نضمن مستقبلا تحرير المقدسات، كما أنني لا أثق في المنظمات الدولية ومنها اليونسكو التي تواطأت مع الاحتلال الإسرائيلي في قضية حارة المغاربة رغم الأدلة التي قدمناها، إضافة إلى أننا كعرب ومسلمين لسنا قُصَّر لطلب الحماية!". وأعرب عكرمة عن عدم تفاؤله إزاء إمكانية وجود حل لقضية القدس في الأفق، مضيفا أنه يتعين الآن العمل على الوقوف ضد هدم المنازل العربية في المدينة، ورصد الميزانيات الكافية للحفاظ على الإسكان والمؤسسات التعليمية والتعليمية وغيرها. وفيما يتعلق بزيارة العرب والمسلمين للقدس ومقدساتها مثل المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، دعا الدكتور عكرمة صبري إلى عدم القيام بذلك حتى لا يتم تثبيت واقع الاحتلال الإسرائيلي على الأرض، مشيرا إلى أنه لا مانع من قيام العرب والمسلمين الذين يحملون جنسيات غربية من زيارة المدينة ومقدساتها، نظرا لأن حكوماتهم تعترف أساسا بالاحتلال الإسرائيلي.