الثورة هي تغيير المجتمع تغييراً جذرياً فى كل مناحى الحياة من خلال سلطة ثورية يتم الوصول اليها بتنظيم ثورى له مبادئه التى تعى مطالب الجماهير وترصد قضاياهم وتسعى الى تحقيق امالهم وتجسيد طموحاتهم . فيتم الاندماج بين الجماهير وبين هذه السلطه لتحقيق تلك المبادئ على أرض الواقع . فهل حدث هذا فى ثورة يناير 2011 ؟ . ما حدث هو أن هبه جماهيرية غير مسبوقة وحدت الاغلبية المتحركة والصامتة حول أسقاط مبارك ونظامة . وكان أن احدثت تلك الهبة نتيجة ثورية فسقط مبارك ولم يسقط نظامة . فتعثرت ولادة الجنين (الثورة) فلم تكتمل ملامحه . فتحول الى روح هائمة تبحث عن جسد تتقمصة . ولغياب التنظيم الثورى الذى يوحد كل القوى التى شاركة فى تلك الهبة الجماهيرية ولضياع الفرصة الحقيقية للأتفاق على أى شكل لتنظيم ثورى طوال الثمانية عشر يوماً قبل سقوط مبارك . وذلك لغياب الرؤية السياسية التى كان يجب أن تعى الظرف السياسى الذى كان يحتم تأجيل النظرة الذاتية والمصلحة الحزبية والأختلاف الأيدولوجى لما بعد تحقيق الثورة . فكانت النتيجة الطبيعية هي تشرذم وتفتت كل القوى التى شاركة فى ميدان التحرير وتمترسها وراء مصالحها الحزبية . فكان ما نحن فية الأن . وما نحن فية بكل وضوح يقول أن الصراع الذى بداء فى 19 مارس 2011 مع نتيجة الاستفتاء على تعديل بعض مواد الدستور بين التيار الأسلامى بكل فصائلة وبين باقى التيارات الأخرى بكل توجهاتها . سواء كان حول أيهما أسبق الدستور أم الأنتخابات أو الدولة المدنية أم الدينية أو المبادئ الحاكمة للدستور أو غير ذلك . فأن هذا الصراع قد حسم تماماً لصالح التيار الأسلامى فكان له ما أراد . فقد تمت الأنتخابات قبل الدستور وحصل على الأغلبية المطلقة فى مجلسى الشعب والشورى مع رئاسة الغرفتين . وهو يطالب الأن بتشكيل حكومة بدلاً من حكومة الجنزورى بالرغم من عدم أستحقاقة لهذا التشكيل حسب البيان الدستورى الذى يبرر به كل أفعالة وسلوكياتة المتناقضة بحجة أستفتاء الشعب على ذلك البيان . ثم تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور حاصلاً على الأغلبية العددية سواء عن طريق نسبة ال50 % من داخل البرلمان أو عن طريق تعيين اتباعة ومريدية والمتوافقين معه من نسبة ال50 % من خارج البرلمان . بما يؤكد استحواذ تيار سياسى بعينة على كتابة الدستور بما يتناقض والمبداء الدستورى الذى يحدد وضع الدستور بالتوافق وليس بالأغلبية . وأخيراً وليس أخراً فهو له موقع رئاسة الجمهورية سواء كان لمرشح الأخوان أو غيره من المرشحين الأسلاميين . ومن الطبيعى أن يقال هنا انها الديمقراطية وصندوقها وأختيار الجماهير . نعم أنها الديمقراطية ولكن هذا الذى حدث ليس هو بدمقراطية كما ينبغى أن تكون . فالديمقراطية التى مورست وأدت الى هذه النتائج هي الجانب الأجرائى والشكلى للديمقراطية . ولكن لم نصل بعد الى الجانب القيمى للديمقراطية ذلك الجانب الذى يكون فيه المجتمع مهيأ لممارسة الديمقرطية بعد ثقافة عامة تخلق وعياً سياسياً يسلح الناخب بالرأى الحر وبكيفية الأختيار على الأساس السياسى والبرامجى بدون وصاية دينيه أو اقتصادية او سياسية أو اجتماعية من أى احداً مهما كان . فهل ما تم حتى الأن من نتائج وما نحن فيه من مشاكل ومعوقات وماَزق وصراعات بين العسكرى والأخوان وغير ذلك كثير فهل يمكن أن نقول أن الثورة قد ضاعت أو على أحسن الاحوال فهى فى طريقها للضياع ؟ هنا لا القى الذنب أو الوم على التيار الأسلامى لأستغلالة الدين والتدين وتأجيج العواطف الدينية والأدعاء بحماية الأسلام أو أن رجاله هم المسلمون ولا غيرهم يدافع عن الأسلام . أو لطرحهم لأنفسهم وكأنهم موسى ويوسف أنبياء الله الصالحين . فهذا حقهم ولكن على أن يعلنوا أن هذا سلوكاً ساسياً لا علاقة له بالدين فالدين مطلق والسياسة نسبية وأنه لا أحد يتكلم بأسم الأسلام فالأسلام هو الذى يتكلم ويحكم بقيمة ومبادئه ومقاصدة العليا التى تظهر فى سلوك وفى معاملة الأنسان لا فى أقواله فقط فالدين المعاملة والأيمان ما وقر فى القلب وصدقة العمل . والعيب كل العيب فى مجلس عسكرى لم يقم بواجبة ولم يعى مسئوليته فتصور أن الثورة حركة أصلاحية حتى هذه الحركة لم يستوعبها ولم يجسدها . العيب فى القوى السياسية جميعها فالتشرذم والتفسخ والجرى وراء المصالح الذاتية والظهور الأعلامى والغياب عن الشارع والجماهير وفقد مصداقيتهم فهذا لا يحقق ثورة ولا يدخل فى اطار أى نضال ثورى . ولكن ومع كل ذلك فالأمل فى الشعب والرأى العام الذى كسر حاجز الخوف وأنهى كل الخطوط الحمراء . الشعب الذى لن يسمح بضياع الثورة ولا أختطافها . فهل تعلمون ذلك أم تريدون أن نجد انفسنا أمام ثورة أخرى لا تبقى ولا تزر فالله يكفينا شر ثورة الجياع.