من المشكلات والأزمات الكثيرة التي جلبها الاحتلال السافر الذي قادته الإدارة الأمريكية ضد العراق عام 2003، التدفق اليهودي الغريب إلى هذا البلد الجريح وتحديدا الى محافظة التأميم وشراء العقارات والأراضي بخمسة أضعاف قيمتها الحقيقية، وتمركزهم بشكل خاص في مدينة كركوك مركز المحافظة . وقبل الغوص في هذه المشكلة، ولماذا عاد اليهود إلى مدينة كركوك بالذات ؟ تؤكد الأنباء الصحفية التي نشرت ذلك مؤخرا ان هذه الظاهرة ليست جديدة ولم تكن مفاجئة للعراقيين الذين يعلمون يقينا ان مجموعة كبيرة من عناصر الموساد الصهيوني تدفقت إلى العراق، بعد احتلاله المشئوم في آذار عام 2003 ، تحت مسميات شتى بينها الشركات الأمنية الخاصة وأخرى وهمية، ما زالت تعمل في هذا البلد بالرغم من الانسحاب المزعوم لقوات الاحتلال نهاية العام الماضي.
وأوضحت الأنباء أن الدفعة الأولى من الموساد الصهيوني التي ضمت 900 جاسوسا، قامت بتشكيل فرقة خاصة لتنفيذ الاغتيالات ضد الكوادر والشخصيات السياسية والعسكرية والإعلامية والعلمية والقضائية في بغداد، طالت خلال عام واحد فقط اكثر من 1000 عالم ومتخصص عراقي، مشيرة الى ان 450 عنصرا صهيونيا من تلك الدفعة انتقلوا من العاصمة بغداد إلى مدينة كركوك، وأسسوا لهم هناك مركزا لإدارة عمليات الاغتيالات .
وأكدت الأنباء أن فرقة الاغتيالات الصهيونية اتخذت مركزا لإدارة عملياتها الإجرامية في احد المنازل القريبة من مبنى محافظة التأميم وسط كركوك، لافتة الانتباه الى ان المركز المذكور ضم عددا من الأكراد الذين كانت المخابرات المركزية الأمريكية ال C I A قد نقلتهم عام 1996 من شمال العراق إلى جزيرة غوام الأمريكية في المحيط الهادي، حيث يتحدث معظم أفراد الفرقة الصهيونية اللغة العربية، واللهجة العراقية خاصة بطلاقة، إضافة اللغة الانكليزية.
وقالت الأنباء أن الفرقة الصهيونية كثفت جهودها منذ البداية لشراء الأراضي والدور السكنية والمزارع في مدينة كركوك وضواحيها، فضلا عن استمرارها في تنفيذ عمليات الاغتيالات التي طالت شخصيات سياسية تركمانية وعربية وكردية، كما قصف المقرات الحزبية للتركمان والأكراد في كركوك، بهدف إشعال الفتنة الطائفية في هذه المدينة، في الوقت الذي زادت من نشاطاتها في بغداد ومحافظة بابل، إضافة إلى المحافظات الشمالية الثلاث اربيل والسليمانية ودهوك.
وربطت الأنباء الصحفية أسباب عودة اليهود الى العراق ومحاولاتهم السيطرة على خيرات هذا البلد، بالسبي البابلي لليهود بعد أن دمر القائد العراقي نبو خذ نصر دولتهم الجنوبية عام 576 قبل الميلاد، حيث تم اسر50 ألف يهودي، وفي طريق عودة القائد نبو خذ نصر إلى بابل مرّ بمدينة كركوك، لوقوعها على الطريق الاستراتيجي للقوافل الصاعدة إلى شمال، وشمال غرب كل من تركيا وسوريا وفلسطين، وهو نفس الطريق الذي سلكه ملك الفرس دارا وجيشه لمحاربة الاسكندر المقدوني في معركة " أربائيلو " التي انتصر فيها الاسكندر المقدوني.
وأوضحت انه عندما وصل نبو خذ نصر إلى مدينة كركوك التي كانت تسمى في العهد السومري كاركوك، أي العمل المنظم الشديد، وجد على الجانب الشرقي من نهر "خاصة صو" الحالي ثلاثة تلال متقاربة نسبيا، حيث سخّر الأسرى اليهود لجلب التراب والأحجار من المناطق القريبة منها، وتكديسها بين تلك التلال، على أن يكون البناء بمستوى أعلى تل من بينها، وهكذا تم تشييد قلعة كركوك الحالية، وبعد انجاز بناء القلعة، أمر ببناء سرداب يبعد نحو 300 متر من الباب الرئيسي للقلعة التي تسمى الآن طوب قابو واحتراما لمكانة الأنبياء، فقد تم في العصر العباسي الأخير بناء مسجد فوق السرداب أطلق عليه اسم مسجد النبي دانيال ، الذي كان قبلة لليهود القاطنين في كركوك قبل هجرتهم إلى فلسطين عام 1952، حيث كانوا يحتفلون فيه بيوم يسمى "عيد كبور" الذي يبدأ في السادس من تشرين الأول من كل عام .
ونسبت الأنباء الى احد كبار السن من أبناء كركوك قوله " أن اليهود كانوا يتجمعون خارج المسجد ويبكون بالقرب من جدرانه، وعندما سألت جدتي آنذاك عن سبب بكائهم ؟ أكدت لي أنهم يدَعون أنهم يتذكرون تدمير معبدهم في مدينة القدس، وسجن النبي دانيال في هذا المكان.
وأكدت الأنباء ان السبب الحقيقي لتدفق اليهود الى مدينة كركوك ان هذه المدينة تحتوي على نحو 60% من الاحتياطي النفطي العراقي، الذي يعد من أجود أنواع النفط الخام في العالم، وبما أن أبواب السلب والنهب قد فُتحت على مصراعيها في العراق خلال السنوات التسع الماضية اثر الاحتلال البغيض، فان اليهود يحاولون الآن شراء أكبر قدر ممكن من الأراضي في هذه المدينة بهدف تحويلها إلى لآس فيغس أخرى في الشرق الأوسط .. مشيرة الى ان المبالغ المرصودة لاستثمار المنشآت النفطية في كركوك لا يسيل لها لعاب اليهود فحسب، وإنما لعاب كل الوحوش التي تحاول السيطرة على ثروات الشعب العراقي الصابر.
ولفتت الأنباء، الانتباه الى ان هناك سببا آخر هو أن الكيان الصهيوني قدم عرضا إلى "جلال الطالباني ومسعود البارزاني" لحماية ما يسمى إقليم كردستان من أي خطر، سواء من داخل العراق أو من خارجه، وان التواجد اليهودي في كركوك التي يعدونها عاصمة للإقليم أصبحت ضرورة إستراتيجية لقربها من تركيا وإيران وسوريا.
وإزاء ما تقدم تتضح الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان، بان الهدف الرئيسي لغزو واحتلال العراق الذي قادته الإدارة الامريكة تحت أكاذيب وادعاءات زائفة، هي حماية أمن الكيان الصهيوني، وجعل هذا الكيان اللقيط قوة عظمى وحيدة في المنطقة، وتثبيت عملاء أمريكا على قمة السلطة في بغداد، وطمس هوية العراق العربية والإسلامية، ومحاولات قطع صلاته بتاريخه الحضاري العريق، دون أيلاء أي اعتبار لحقوق الشعب العراقي، الذي يكابد شظف العيش ويواجه منذ ابتلائه بالاحتلال المقيت وعملائه الأذلاء، العديد من المشكلات والأزمات في حياته اليومية.