طغت الثورة وتداعياتها على حفل توقيع كتاب "ست الحاجة مصر" الذي استضافته مساء أمس، مكتبة "الشروق" في فرعها بالمهندسين، حيث تحدث صاحب الكتاب الكاتب الكبير والصحفي بلال فضل، بنبرة الواثق الذي يوزع طاقة التفاؤل على الجميع، عن الثورة المصرية، مستنكراً وصفها بالضياع، أو السرقة، مشيراً إلى أن المصريين لا يفكرون بشكل علمي، ولا يقرئون التاريخ. فكيف نشعر باليأس ونحن نختار لمنصب الرئاسة بين دكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، وحمدين صباحي وغيرهم، في حين أن النخبة كانت تروج منذ عام ونصف فقط إلى أن مبارك إذا رحل عن الحكم ستتفكك مصر، قائلاً: لا تمنح عدوك نصراً مجانياً لا يستحقه بيأسك.
وانتقد السيناريست في كلمته ممارسات المجلس العسكري، قائلاً أنه ضد تدخل الجيش في السياسة، مؤكداً أن من يحب هذا الوطن عليه أن يبعد الضباط عن السياسة، حرصاً على مصلحة مصر.
يواصل: الكاتب الذي يقبل ضميره أن يحاكم حسني مبارك لأنه مسئول سياسياً عن قتل 1200 متظاهر، سواء بإعطائه أوامر بقتلهم، أو الصمت على قتلهم، ولا ينادي بضرورة محاكمة المشير طنطاوي وأعوانه لمسئوليتهم السياسية عن قتل مواطنين أبرياء، هو كاتب يخون إنسانيته وضميره، ولا يستحق أن يكون كاتباً.
مؤكداً أنه لن يفلت أحد من العقاب، لا قادة المجلس العسكري ولا غيرهم، فالتاريخ يعلمنا أن الحاكم الجديد يفتش دائماً عن خطايا الحاكم القديم، يواصل: كما أنني أؤمن بعدالة الله، فكل من تلوثت يده بدم سينال جزائه، قائلاً: أفهم جيداً رغبة الناس في الاستقرار وأن هذا هو همهم الأول، فكيف لرب أسرة لديه من الأطفال خمسة، يكون مطلبه الأول - في ظل غلاء الأسعار وأزمات الحياة الطاحنة - القصاص، هو يريد توفير قوت يومه له ولأولاده، فالله لم يخلق الجميع شهداء ونبلاء يضعون مصلحة الوطن دائماً في المقدمة. مشيراً إلى أن المجلس العسكري بممارساته أفسد فرصته في أن يصبح بطلاً، وتحول قادته إلى قتلة على حد قوله، وسيذكر التاريخ أن قاداته أفسدوا الطاقة الإيجابية التي تولدت عند المصريين بعد الثورة، وأوضح فضل أن المجلس العسكري لا يحب الاستماع إلى أي نقد، فهم يريدون "بكري ستايل" على حد وصفه، في سخرية من الكاتب والصحفي مصطفى بكري، مؤكداً أن من يدلل الآن على أن الثورة فشلت لعدم حدوث تغيير جذري، لم يقرأ التاريخ، لأن التغيير الجذري علمياً يستغرق 25 عاماً.
ويرى فضل الخلاص يكمن في الانتقال إلى رئاسة مدنية فوراً، مشيراً إلى أن المجلس العسكري سقطت شرعيته حين تلوثت يده بالدم في ماسبيرو، على حد قوله.
و كشف فضل عن بداية تعاونه مع صحيفة "الشروق" بدءا من الأربعاء المقبل، في تجربة جديدة تجمعه ورسام الكاريكاتير عمرو سليم، وبدءاً من يوم الخميس سيكتب فضل زاوية صغيرة في الصحيفة، قائلاً أنه كان من المفترض أن يكتب في العدد الأول من جريدة "الشروق"، لكن الظروف حالت دون ذلك، مؤكداً أنه يفضل التنوع ولا يحب الاستقرار في مكان، فهو على حد قوله يبحث عن قارئ جديد دوماً.
وكشف أيضاً أنه يعكف الآن على كتابة عمل تليفزيوني وصفه بأنه الأهم في مشواره، وكذلك في مشوار أبطاله، وهم كريم عبدالعزيز، والمخرج محمد علي، المسلسل بعنوان "الهروب"، وهو عمل اجتماعي يرصد رحلة مواطن مصري مع معنى العدالة في مصر قبل الثورة، ومع بداية الثورة، مشيراً إلى أن القصاص في مصر هو المطلب الأول، فلا استثمار أو سياحة دون إقامة العدل.
وحول دور الكاتب والمثقف في مصر الآن أوضح فضل أن دور الكاتب ليس الهتاف، ولا كتابة ما يطلبه الثوار أو القراء، بل أن يعرض الكاتب ما يطمئن إليه من أفكار، حتى وإن اختلف معه البعض، قائلاًَ: رغم إدراكي لنقاء الثوار وحماسهم لأن تصبح مصر الأفضل، إلا أنني هاجمتهم في موقعة السفارة الإسرائيلية، وكتبت أن هذا ليس من أولويات الثورة.
يواصل فضل: بإحساسي تعلمت من هذا الشعب أني لا أسير في مظاهرة لا يوجد بها أناس كثير، فأنا مؤمن بالعقل الجمعي للثورة، وأطالب الجميع الآن بعدم الاستدراج إلى معارك لتفجير البلد، وتعطيل الانتقال السلمي، طالباً من الثوار محاولة كسب تعاطف الشعب، باللين والحسنى، وألا يصبح الثائر ضيق الصدر.
داعياً الجميع إلى اختيار شهيد من الثورة والتفكير فيه، وقبل الإقدام على أي عمل أن يسأل كل منا نفسه، هل سيفيد هذا الشهيد، وهل سيساهم الإقدام على هذا الفعل في ألا ينسى الناس حقه، وإن وجد الإجابة بنعم فليفعله.
وحين سئل عن موقفه من التيارات الدينية، قال فضل أنه يحترم اختيار الشعب، مشيراً إلى استطلاع جالوب الذي جاءت نتائجه تؤكد أن 40 % من المصريين نادمون على إعطاء أصواتهم للتيارات الدينية.
وفي حديثه عن الدكتور محمد البرداعي قال أن مصر تحتاج إلى رئيس كوني النظرة مثله، واصفاً انسحابه من سباق الرئاسة بالحنكة، مشيراً إلى أنه من الممكن أن يلعب دوراً آخر، قائلاً أن الشعب إذا اختار عمرو موسى لا يعني هذا أن الشعب كاره للديمقراطية، فحين شاركت في الثورة كان هدفي هو إعادة حق الاختيار للمصريين، مؤكداً أن مصر انتهى بها إلى الأبد فكرة "الفرعون الإله".
تطرق فضل إلى حال الإعلام المصري، قائلا أن ما عطّل خروج "قناة الشعب" إلى النور، لا يتعلق بالماديات، بل المشكلة تكمن في القوانين المنظمة للإعلام، فمن أجل إنشاء قناة يجب استخراج تصريح من المخابرات العامة، أو جهاز الأمن الوطني، وهو ما لا يمكن فعله، فهل من الممكن إعطاء تصريح لقناة ثورية تهاجم المجلس العسكري وقادته، مؤكداً أن الرهان يبقى على مجلس الشعب، من أجل سن قانون جديد ينظم الإعلام.
يواصل: جزء من أزمة وجود إعلام ثوري، تتحمله قناة "التحرير"، الذي كان في بيعها خطأ كبير، فإذا كانت القناة تواجه أزمة مالية كان عليهم أن يعلنوا ذلك للشعب الذي كان سيساهم في إقالتها من عثرتها، مشيراً إلى أنه يتعين على مقدمي البرامج الذين يثق بهم الناس، أن يعلنوا تفاصيل بنود عقدهم بوضوح، حتى لا نظل نتعامل مع أجور الإعلاميين الباهظة على أنها جريمة، فالبعض يستغل ذلك خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار الذي تمر به مصر.
وتوجه فضل بتحية خاصة إلى الإعلاميين يسري فودة، وريم ماجد، وباسم يوسف، ومدير قناة "أون تي في" البرت شفيق، ومعتز مطر لإدارتهم عمل إعلامي يتسم بالمصداقية والاحترام والمهنية.
وكشف الكاتب أنه يدعى كثيراً إلى التليفزيون المصري، الذي يسعى لاستضافته إلا أنه يرفض، لوجود حاجز نفسي بينه وبين ماسبيرو على حد قوله.
مشيراً إلى أن الثورة لا تتعرض إلى هجوم إعلامي، بقدر ما يتحمل الثوار عدم قدرتهم على ملء الفراغات، قائلاً أن ظاهرة "توفيق عكاشة" نحن من صنعناها، فأين الضغط الشعبي وحملة مقاطعة الشركات التي تمول مثل هذا البرنامج وغيره، وأين الضغط الشعبي أيضاً من أجل مقاطعة القنوات التي تهاجم الثورة، لافتاً إلى أنه ضد منع ظهور توفيق عكاشة.
من جانبه أكد الصحفي وائل قنديل الذي شارك في الندوة إلى أن اليأس والإحباط لم يصل إلى القوى الثورية الحقيقية، فكيف من الممكن أن ينتابنا اليأس، وهناك شاب مبدع مثل علي هشام عمره 16 عام، فاجئنا بحديثه مع يسري فودة، مشيراً إلى أن الكاتب إذا كتب ما يريد البعض سماعه فهو إذاً لم يأت بجديد، فواجب الكاتب أن يختلف مع السائد والمكرس، مؤكداً أن الثورة لا تزال مستمرة ولم تخطف. كاشفاً أن دكتور البرادعي يعمل الآن على تنفيذ مشروع سياسي، وهو إنشاء حزباً سيكون مظلة لكل الأحزاب الثورية. يذكر أن كتاب "ست الحاجة مصر" الصادر عن دار الشروق، جاء فيه تحت عنوان "تصدير مهم لحماية المستهلك": " الكلام ده قبل الثورة، ولا بعد الثورة؟ . من حقك أن تسأل هذا السؤال وأنت بصدد اتخاذ قرار شراء هذا الكتاب "إذا كنت تقوم بسرقته من على شبكة الإنترنت فليس من حقك السؤال، حَمِّل وأنت ساكت وأنا لن أسامحك على فكرة"". وأضاف "لكي أجيب على سؤالك، أنا بصراحة لا أدري متى ستقرأ هذا الكتاب، هل ستقرأه في نفس عام صدور طبعته الأولى، أم في العام الذي يليه، أم بعدها بعشرة أعوام، أم بعدها بخمسين عامًا، لا أدري هل سيكون عندك دم وتشتريه؟ ، لا أدري هل سأكون حيًا أم ميتًا، وهل ستذكرني بالخير أم بالشر وأنت تقرؤه، لا أعلم، في اللقا نصيب والخطوة نصيب، وأنت ستقرأ هذا الكتاب عندما يكون ذلك من نصيبك، عندما تقرأه إذا شعرت أن السطور التي تقرأها في هذا الكتاب لم يعد لديها صدى في واقعك المحيط بك فقد اكتمل نجاح ثورتنا، أما إذا شعرت أنها لا تزال جزءًا من واقعنا، فتأكد إذن أنك لازلت تحتاج إلى ثورة.. ثورة تكتمل".