شدني (كمراقب) ما تردد عن تكليف أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، بمهمة تسليم رسالة للنظام السوري، يطالبه فيها بتنفيذ كامل تعهداته الخاصة بوقف العنف وسحب الجيش من المدن والقرى السورية التي تشهد تظاهرات واحتجاجات، وإطلاق سراح المعتقلين، والسماح لوسائل الإعلام العربية والأجنبية بالعمل بحرية، بهدف التعرف على مدى التزام النظام بتعهداته التي قطعها على نفسه، بموجب توقيعه على بروتوكول المراقبين العرب، وقبوله للمبادرة العربية. وسبب ذلك :
أولاً- قول العربي أن مشعل لعب دورا كبيراً في تقديم النصيحة للجانب السوري كي يوقع على بروتوكول المراقبين العرب، ما يعني أن مشعل ساهم إلى حد كبير في إقناع النظام السوري بالتوقيع على البروتوكول!!!.
وتعليقنا على ذلك .. أن مشعل والعربي يبدو وكأنهما يجهلان حقيقة أن النظام السوري لا يستمع لأحد غير نفسه، وأن ثمة دوافع خفية- لا مجال لذكرها الآن- هي التي تقف وراء موقفه المتعنت، في اتخاذ العنف المغلظ منهاجاً ثابتاً في التعامل مع أي معارضة تظهر في الشارع السوري ضده .. أيا كانت انتماءاتها وأهدافها، ومهما كان حجمها.
ثانياً- قول مشعل بأنه وحركة حماس بذلا جهدا مضنيا من أجل إقناع النظام السوري بالتخلي عن استخدام العنف ضد التظاهرات، وأنهما ما زالا يسعيان لتحقيق هذا الهدف!!!.
وتعليقنا على هذا: أن مشعل يعلم جيداً أن مساعيه لن تنجح في تحقيق هذا الهدف، ذلك أنه يدرك أكثر من غيره أن النظام في سوريا لن يتخلي عن خيار العنف (بكل أشكاله) في التعامل مع المتظاهرين والمحتجين، طالما لم تظهر أسباب قوية تقنعه بأن االاستمرار في اتباع هذا النهج سينتهي به إلى الهاوية.
بل نقول أن من الصعب على هذا النظام أن يتدارك هذه الحقيقة في الوقت المناسب، ذلك أن الفرصة التي كانت متاحة أمامه عند بدئ الثورة قد أضاعها سيل الدماء الزكية التي سالت على أرض سوريا (أولاً)، ثم تنشئة أرباب هذا النظام- وعلى رأسهم بشار الأسد- التي تقوم (أساساً) على اعتقادهم الراسخ بأن استخدام القوة (بكل أشكالها)، هو الوسيلة الوحيدة والمتفردة التي تستطيع الإبقاء على النظام الحالي واستمرار تحكمه في الشعب السوري بكل أطيافه السياسية والطائفية والعرقية والمذهبية (ثانياً)!!.
ثالثاً- قول العربي بأن المراقبين- بوضعهم الحالي- يقومون بمهام هي أكبر بكثير من المهمة التي كُلِّفوا بها، دون أن يعطي تفصيلات عن تلك المهام .. يثير لدى المراقبين تساؤلات عديدة حول السبب الذي دفع به لإطلاق هذا التصريح، وبخاصة بعد مضي عشرة أيام على عمل البعثة التي تكهن معظم المراقبين بحتمية فشلها حتى قبل مباشرتها لمهامها.
هنا نتساءل: هل يستهدف أمين الجامعة بهذا القول إقناع الرأي العام العربي، بأن ما تردد عن انحياز رئيس بعثة المراقبين العاملة في سوريا للنظام السوري غير صحيح؟، أم يريد إقناع الشعوب العربية بأن الجامعة العربية قامت بكل ما تستطيع من أجل وقف أعمال القتل والتعذيب والإذلال التي يمارسها النظام في دمشق بحق شعبه؟!!.
والأهم من ذلك أن يدرك أمين الجامعة حقيقة موقف النظام العربي الرسمي (الذي يمثله) من سقوط النظام في سوريا .. بمعنى أن يعرف ما إذا كان هذا النظام يريد (حقا) إسقاط بشار الأسد ونظامه؟.
وإذا كان هذا صحيحاً، فهل يعتبر التدخل الدولي- في نظر العربي- الملجأ الصائب والوحيد لإسقاط بشار؟، أم أن كل ما قامت به الجامعة بشأن هذه البعثة والمبادرة العربية بعامة، كان بهدف التمهيد أو حتى التبرير لإحالة الملف السوري لمجلس الأمن ومن ثم تدويل المسألة؟.
وأخيراً وليس آخراً .. ألا تتحسب أمانة الجامعة التي تنطق باسم دول النظام الرسمي العربي، من أن تأتي نتائج التدخل الدولي على النحو الكارثي الذي جرى في ليبيا، هذا من ناحية؟!!.
ومن ناحية أخرى، ألا يعلم أمين الجامعة (مسبقاً)، أن الإمكانات التي زُوِّدت بها البعثة لا تكفي لتحقيق الحد الأدني من الضرورات التي تحتاجها، كي تغطي ما يجري في واحدة من المدن الرئيسة في سوريا، بل ولا حتى في عدد محدود من أحياء المدينة الواحدة، (سواء من حيث عدد المراقبين، أو خبراتهم، أو قدرتهم على التحرك بحرية ودون تدخل من النظام، أو تعريض حياتهم للخطر) ؟!!.
رابعا- كيف يتواءم مسعي مشعل وحركة حماس لإيجاد حل سياسي للمشكلة في سوريا، مع عدد من المعطيات التي تظهر حتمية فشل هذا المسعى؟. ولعل من أظهر تلك المعطيات:
1- مدى التوتر القائم بين حركة حماس من جهة والنظام السوري وإيران من جهة أخرى، بسبب رفض الحركة لطلب دمشق تنظيم مظاهرات تؤيد بشار الأسد، ما يعني- في نظرهما- تأييد حماس للثورة.
2- ما زاذ الطين بله، أن رئيس الحكومة في غزه اسماعيل هنية صرح بأن حركة حماس، تقف مع الشعب السوري في ثورته ضد نظام دمشق .. ما يعني تصاعد حدة التوتر بين الحركة وبين "نظام الأسدين".
3- قد يهدف قبول مشعل للقيام بهذه المهمة تجنيب الحركة من أن يصل الغضب السوري عليها، إلى حد القطيعة مع قيادة حماس السياسية التي ما زالت تتخذ (رسمياً) من دمشق مقراً لها؟.
لو كان هناك من يرى بأن مقولة " للضرورة أحكام" هي التي تقف وراء قبول مشعل القيام بمهمة الوساطة، فهل هذا يكفي لإقناع دمشق بأن رفض الحركة تنظيم مظاهرات تؤيد نظام بشار، وتصريحات هنية التي أعلن فيها تأييده للشعب السوري في ثورته على حكامه .. يأتيان ضمن سياق هذه المقولة؟!!.
الواقع أن أخطر ما ينطوي عليه قبول مشعل للقيام بهذه المهمة، هو التساؤل عما إذا كان يدرك أن الذي كلفه بها هو أمين عام الجامعة العربية، التي تعبر (بدورها) عن موقف النظام الرسمي العربي من مسألة إسقاط بشار ونظامه.
والأخطر من ذلك أن جميع الدلائل تشير إلى أن الجامعة العربية (التي تنطق بلسان النظام العربي الرسمي)، لن تتوانى عن اتخاذ أي إجراء من شأنه تبرير إحالة الملف السوري لمجلس الأمن ومن ثم تدويلها.
وهذا يعني أن نجاح التدخل الدولي في إسقاط بشار ونظامه، يتطلب أولاً موافقة العرب على هذا التدخل، ثم استخدام القوة العسكرية في ضمان تحقيق هذا الهدف ثانياً. وهذا قد يأتي بنتائج كارثية تكون أخطر بكثير مما جرى في ليبيا بسبب الموقع الجيوسياسي الذي تتمتع به سوريا.
ذلك أن المرشح للقيام بهذا التدخل هو الغرب، الذي طالما رأى في الشعب السوري عائقاً يقف بصلابة أمام طموحاته في الهيمنة على المنطقة والاستيلاء على نفطها وثرواتها الطبيعة من ناحية، والذي يحرص دوما على أمن إسرائيل ووجودها في المنطقة من ناحية أخرى.
ومشعل بهذا الموقف، إنما يضع حركة حماس والشعب الفلسطيني في موقف حرج، ذلك أن قبوله بهذه المهمة الفاشلة (مقدماً) سوف يعرض الحركة لاتهام خطير وهو وقوفها بجانب بشار ونظامه ضد إرادة الشعب السوري، في الوقت الذي تشتد فيه الضغوط عليه عربياً وإقليميا ودوليا.
هذا فضلاً عن الصمود الأسطوري للشعب السوري أمام جرائم "نظام الأسدين" واستمراره في التظاهر، برغم أعمال القتل والترهيب والتعذيب التي يتعرض لها على يد هذا النظام الاستبدادي الفاسد والمفسد.
والظاهرة المؤلمة التي تسود أجواء المنطقة، أن الكثير من المحللين السياسيين العرب والأجانب، باتوا يعتقدون (إلى حد اليقين) بأن التدخل العسكري الغربي واقع لا محالة، وأن هذا التدخل سيتم تحت عباءة الجامعة العربية التي تعمل- في حقيقة الأمر على إحالة الملف السوري لمجلس الأمن، وتحت مظلة مطالبة ما يسمى بالمجلس الوطني التابع للمقاومة السورية في الخارج بالحماية الدولية.
فهؤلاء جميعاً يعلمون أن الشعب السوري سوف يقع ضحية هذا التدخل الذي ستتزعمه أمريكا وبريطانيا وفرنسا. وجميعنا يعرف حقيقة موقف هذه الدول من أي جهد عربي يتصدى لأطماعها في المنطقة.
ومن يستمع لتصريحات المسئولين في تلك الدول، سوف يصل لقناعة بأن القادم أمرُّ وأخطر مما تمر به سوريا حاليا على يد نظام بشار، وبسبب تخاذل النظام الرسمي العربي نحو إجباره على الرضوخ لمطالب الشعب السوري. ناهيك عن مواقف المعارضة السورية الخارجية التي تدفع الكثير من المحللين السياسيين، لأن يضعوا علامات استفهام حيال إلحاحها في طلب التدخل الدولي.
ولعل هذا يتضح من تصريح "ألان جوبيه" وزير خارجية فرنسا الذي قال فيه: إنه يتعين علينا العمل معا (أي مع الجامعة العربية) على دفع مجلس الأمن كي يتخذ موقفاً من الوضع في سوريا، إذا ما فشلت بعثة المراقبين التابعة للجامعة العربية في إنجاز مهمتها.