هُناك ظواهر مُرتبطة بالإعلام أُلاحظ تراجُعها في الفترة الأخيرة ولكن بإختلاف المضمون، الأولى : الإعلاميون الذين يتراجعون عن مواقفهِم،
والثانية: الفضائيات التي تتراجع عن سياساتها،
والثالثة: الإعلام المصري الذي يتراجع بعد أن كاد يتحسن،
والرابعة والأخيرة : الإعلام الإلكتروني والذي بدأ في التراجع عن الصدارة ... فبعد ما حققتهُ وسائل الإعلام البديل من شُهرة لما كان لها من دور فعال في قيام ثورات الربيع العربي، بدأ شباب العالم الإفتراضي ومن خلال الأحداث المُتتالية أن يُدركوا أنهُم أخطأوا التقدير في بعض النقاط الهامة، وأن الشعب الحقيقي لم يُساهم في الثورة بشكل فعال، الشعب البسيط الذي لا يصلهُ الإنترنت ولا يُجيد القراءة والكتابة من الأساس، الشعب الذي لا يُفكر إلا في "لُقمة العيش" وكيف سيحيا لغدهِ ؟! بجانب الشعب الذي لن تهتز ثقتهُ في الجيش بسهولة. ولكن تم إدراك ما سبق مُنذ نتيجة "إستفتاء مارس" والتي جاءت صادمة لعديد من شباب ورموز الثورة، وما لبثوا أن يفيقوا حتى جاءت اللطمة الأكبر بفوز وإكتساح الإسلاميين ولن أقول تيار الإخوان فهذا ما كان مُتوقعاً بعض الشئ، ولكن المقصود تيار السلفيين والذي لم يكُن يُتوقَع فوزهُ بهذه النسبة، كُل هذا إلى جانب بدء قطاع آخر من الشعب في الظهور ممَن كان يُطلق عليهُم الأغلبية الصامتة وحزب الكنبة إلى آخرهِ... ومن هُنا بدأت نبرة الفضائيات تختلف وبدأت بعض رموز الإعلام في التراجُع عن مواقفهِم بعد أن كانوا مع الثورة والثوار "قلباً وقالباً"، حيثُ تحولت الأغلبية منهُم كمُحاولة لمُجاراة كُل تلك التغيُرات التي حدثت بوتيرة مُتسارعة في الفترة الأخيرة إلى مبدأ "نمسك العصاية من النص". وبدأ الغزو الإسلامي للشاشات فبعد أن كان الإسلاميون مصدراً للفزاعة وفي الBlack List، أصبحوا نجوم "التوك شو" يستضيفونهم يوماً تلو الآخر - وكأنهُم كائنات فضائية يتم إستكشافها-، هذا إلى جانب مُحاولات الإعلاميين المُوازنة بين التحرير والعباسية بعد أن كانت أيضاً وقفات المنصة وروكسي والعباسية في ال Black list ولكن مع تزايُد الأعداد وإعتراف بعض من وكالات الأنباء العالمية بذلك، أصبح شر لابُد منهُ، وإنقسمت الفضائيات إلى أبواق لل "تحرير" وأبواق لل "عباسية"، وباقي الشعب "طير أنت". هذا وبالإضافة إلى إعلاميين آخرين يُثنون على المجلس العسكري وبشكل مُلفت للإنتباه، فتبدلت مواقفهم وأصبحت مُتناقضة وإنتقلت من "مُنتهى الصراحة" إلى "مُنتهى السخافة". كما تراجع الإعلام الرسمي عن تحسُنهِ الذي لاحظهُ الجميع بعد الثورة، فمع أحداث "البالون"، و"ماسبيرو" وما تلاها من أحداث بدأ يفقد شعبيتهُ ومصداقيتهُ للمرة الثانية، وإنهال عليه النقد من كُل الأطراف، ولازال حالهُ مُتخبطاً حتى وقتنا هذا. أما الشباب الذي كان أكثر تطوُراً إتجه إلى إستخدام وسائل أكثر تأخُراً بعد أن أدرك أنها هى الوسائل الأكثر فعالية للحشد الحقيقي لشعب ترتفع به نسبة الفقر والأُمية، حيثُ إتجه بدورهِ إلى "الإعلام الشعبي" من خلال شاشات للعرض يتم نصبها في أماكن مُتفرقة بمواعيد مُختلفة وفي جميع المناطق سواء شعبية وبسيطة أو راقية لعرض أفلام أشبه بالوثائقية كمُحاولة منه وعلى حد قوله تثقيف الشعب وجعلهُ على دراية بما يحدُث حولهِ من خلال عرض الحقائق كاملة دون تشويه أو تغيير، وذلك بعد إتهامهِ لوسائل الإعلام بأنها من العوامل الرئيسية والمؤثرة في تغييب الشعب عن كُل ما هو حقيقي وواقعي مما يتسبب في بعض الأحيان بالإنقلاب عليهِ وعلى الثورة. فهل بذلك سنعود إلى الخلف من الإعلام "البديل" و"الإلكتروني" إلى إستخدام وسائل لل "إعلام الشعبي" و"إذاعات أهلية" ؟! وفي حال حدوث ذلك، هل ستظل تلك الوسائل بدون رقابة أو ضوابط كما حدث مع غيرها ؟! وإن حدث كالمُعتاد، فإلى متى سنترُك دائماً الأمور خارجة عن القواعد والضوابط المشروعة حتى تحدُث الفوضى ؟!! وبالنسبة للشعب هل سيُترَك كثيراً في مهب الريح لا يعرف من يُصدِق ومن يُكذِب، متروكاً للأهواء ؟!!!
** مُدير وحدة الدراسات الإعلامية والمعلوماتية المركز الدولي للدراسات المُستقبلية والإستراتيجية