قال "ص"{ كل ابن آدم خطاء، وخير الخطاءين التوابون}، ليس العيب أن نخطأ، وإنما كل العيب أن نكرر خطأنا وألا نتعظ ممن أخطئوا قبلنا، هكذا علمنا حبيبنا ونحن نتبعه بعقولنا وقلوبنا.
يروى البخاري في صحيحه من حديث سمرة بن جندب قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحدٌ منكم البارحة رؤيا؟ فيقص عليه ما شاء الله أن يقص, وأنه قال لنا ذات غداة, أنه أتاني الليلة آتيان, وأنهما انبعثا لي, وأنهما قالا لي:انطلق, وإني انطلقت معهما,
وأنا أتينا على رجلٍ مضطجع, وإذا آخر قائم عليه بصخرة, وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه, فيثلغ (يشدخ) رأسه فيتهدهده (يتدحرجه) ها هنا وها هنا وها هنا فيتبع الحجر فيأخذه, فلا يرجع إليه حتى يصبح رأسه كما كان, ثم يعود عليه, فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى, قال: قلت لهما: سبحان الله ! ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق, فانطلقنا,
فأتينا على رجلٍ مستلقٍ لقفاه, وإذا آخر قائمٌ عليه بكلوبٍ من حديد, وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه, ومنخره إلى قفاه, وعينه إلى قفاه, ثم يتحول إلى الجانب الآخر, فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول, فما يفرغ ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان, ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى,
فأتينا على مثل التنور, وإذا فيه لغط وأصوات, قال: فاطلعنا فيه, فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراة, وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم, فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا(صاحوا). قال: قلت لهم: من هؤلاء؟ قال: فقالا لي: انطلق انطلق.
قال: فانطلقنا, فأتينا على نهر أحمر مثل الدم, فإذا في النهر رجلٌ سابحٌ يسبح, وإذا على شط النهر رجلٌ قد جمع عنده حجارة كثيرة, وإذا ذلك السابح يسبح ما شاء الله أن يسبح ثم يأتي ذلك الذي جمع عنده الحجارة فيفغرُ له فاه فيلقمه حجراً, قال: قلتُ لهما: ما هذان؟ قالا لي : انطلق انطلق .
فانطلقنا, فأتينا على رجلٍ كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلاً, وإذا هو عنده نارٌ يحشها ويسعى حولها, قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق,
فانطلقنا حتى أتينا على روضةٍ معتمة, فيها من كل نور الربيع, وإذا بين ظهراني الروضة رجلٌ طويل, لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء, وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط, قال: قلت: ما هذا ؟ وما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق,
فانطلقنا, فأتينا إلى دوحة عظيمة لم أرَ دوحة قط أعظم منها ولا أحسن, قال: قالا لي: ارق فيها, فارتقينا فيها إلى مدينة مبنية بلبِنِ ذهبٍ ولبِن فضة, قال: فأتينا باب المدينة فاستفتحنا, ففُتِحَ لنا, فدخلناها فتلقانا رجال, شطرٌ من خَلقهم كأحسن ما أنت راءٍ, وشطرٌ منهم كأقبح ما أنت راءٍ, قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر. قال: وإذا نهرٌ معترضٌ يجري كأن ماءه المحض في البياض, فذهبوا فوقعوا فيه, ثم رجعوا إلينا وقد ذهب ذلك السوء عنهم, قال: قالا لي: هذه جنة عدنٍ وهذا منزلك, قال: فسما بصري صعداً, فإذا قصرٌ مثل الربابة البيضاء, قال: قالا لي: هذا منزلك قال: قلت لهما: بارك الله فيكما فذراني فأدخله, قالا: أما الآن فلا, وأنت داخله,
قال: قلت لهما: فإني رأيت منذ الليلة عجبا فما هذا الذي رأيت؟
قال: قالا لي: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة,
وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه, فإنه الرجل يعدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق,
وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في بناءٍ مثل التنور, فإنهم الزناة والزواني,
وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة فإنه آكل الربا,
وأما الرجل الكريه المنظر الذي عند النار يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازنُ جهنم,
وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم, وأما الولدان الذين حوله, فكلُ مولودٌ مات على الفطرة- وفي رواية البرقاني: ولد على الفطرة-فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله r : وأولاد المشركين, وأما القوم الذين كانوا شطرٌ منهم حسن وشطر منهم قبيح, فإنهم قومٌ خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم"
نعم إنه رسول الله الذي آتاه الله العلم والحكمة، " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى . عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى . ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى . وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى "، وكأنه "ص" اطلع علي صحائف الغيب، فمدنا منها ما يهذب أخلاقنا ويبدد غفلتنا عن الآخرة، ويعلمنا أن الله تعالي رحيم بعباده وأيضا شديد العقاب والعذاب.
فما تناوله النبي"ص" في حديثه نراه جميعه ما عدا الحالتين الآخرتين ، والفرق بين ما نري نحن وما رأي مولانا"ص" أننا نري القشور بل وأخطاءنا أيضا قشور، ولكن النبي"ص" رأي جوهر الخطأ وما يخفي علينا من العقاب، فقد رأي ما سيؤول إليه حالنا إذا تمادينا في الذنوب والمعاصي، وإنما ذكره "ص" لنا لننتبه ونتعظ، فمن منا لم يري الزناة ، ومن منا لم يتعرض لفوائد البنوك والرشاوي والربا ، ومن منا لا يكذب ، أو قل من منا يواظب علي صلاة الفجر؟؟؟؟.
الإسلام ليس كما نمثله في دول انتسبت إليه، أعتقد أنه جاء الوقت لنراجع أنفسنا كمسلمين، وخاصة بعد أن علا اسم الإسلام بين البلدان، ولنعلم أنه علي الرغم من كل العداء الذي يظهره البعض تجاه الإسلام، إلا أنهم موقنين أن الإسلام ليس كما يبدو في صورهم أو كتبهم المسيئة للدين ، إذ ما الغرض من تشويه الوجه إذا كان مشوها أصلا؟ ، وهذا يؤكد لنا أن ألد أعدائنا يعلمون أن الإسلام دين قويم وأهله لابد أن يمثلوه في هذا، فيحاولون جاهدين أن يتربصوا للإسلام لينتهزوا أقرب الفرص لتشويه حقيقة هم أنفسهم أقروا بها.
عيب علينا يا مسلمين أن نرتكب مثل هذه الأفعال التي يستحي القلم أن يسجلها في صفحاتنا، فما معني كل ما نراه من إهانة وعنف وسباب وزنا بكل أشكاله، بل وتطاول علي الدين حتي من بعض المنتسبين إليه وللأسف، والدين منهم براء. فهل هذا ما أمرنا به الإسلام؟
هذا الوقت الذي نحن فيه اختبار من الله تعالي فقد أذن الله لشرعه أن يعود ولحكم الإسلام أن يسود، وهذا معناه أن نرجع لسماحة ديننا وفضائله التي يقتدي بها غيرنا.
قال الشافعي: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا ونهجوا ذا الزمان بغير ذنبٍ ولو نطق الزمان لنا هجانا وليس الذئب يأكل لحم ذئبٍ ويأكل بعضنا بعضا عيانا