إن أكبر دليل علي أن ثورة 25 يناير في خطر، هو ما قاله الدكتور كمال الجنزوري- رئيس مجلس الوزراء، في بداية مؤتمره الصحفي، حيث زعم الرجل أن: "ما يحدث الآن في الشارع المصري ليس ثورة، بل انقضاض على الثورة"، في إشارة منه للعدوان السافر الذي قامت به عناصر من جيشنا، للأسف، ضد المعتصمين أمام مجلس الشعب. غاظتني كلمة الجنزوري؛ لأن رئيس الوزراء المُعيّن، أعطى لنفسه حق تحديد من هو الثائر، ونحن لا نعرف ما هي علاقة الدكتور الجنزوري بالثورة من الأصل، الرجل كان يخاف أن يتنفس في زمن مبارك، بدون إذن منه، وبعد أن عزله مبارك، كان الجنزوري يستمع لكل تعليمات الأمن، ولزم بيته ورفض النطق بحرف واحد لأي وسيلة إعلامية. والفقير لله، كاتب تلك السطور بصفته من المشاركين في ثورة 25 يناير منذ مراحل الترويج والتخطيط لها، حيث شاركت في تمهيد الأرض لها منذ أواخر العقد قبل الماضي، أقول أيضا: إنني شاركت فيها كصحفي، وشاركت فيها كسياسي، وشاركت فيها كحركي، ولأنني خلال تلك السنون واجهت مع رفاق لي محاكمات وحبس لأكثر من عامين، ونمت في التحرير أياما، وجلست علي شبكات التواصل الاجتماعي شهورًا، وشاركت في العديد من مرات الخروج للشارع لأجل أن نصل إلى يوم 25يناير، وكان ذلك شرف كبير لي احتسبه عند لله سبحانه وتعالي، ولا أريد من أحد أيا كان جزاء ولاشكورًا. تلك المشاركة تجعل من واجبي أن أقول: إن كلام الدكتور الجنزوري يؤذينا بشدة، كما يؤذي كل ثائر، ومن حقنا أن نقول له: من الافضل لك أن تصمت سيدي، لأنك أنت تحديداً آخر إنسان يمكن أن ينقذ الثورة، وكلنا يعرف أنك شاركت مبارك في تخريب الوطن، ونريد أن نطوي صفحتكم كما طوينا صفحته، لا نريد منك مبررات اختلفت مع مبارك أو اتفقت، وأن من عيّنك في موقعك هم السادة أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة المفوضون من قبل مبارك لحكم مصر، ويفترض أن يسلم هؤلاء القادة الحكم للشعب في يناير المقبل، عقب انتهاء انتخابات مجلس الشعب. إن المجلس الأعلي للقوات المسلحة بات يتعمد اختيار فلول النظام السابق، وإسناد مهام خطيرة إليهم، بهدف الالتفاف على الثورة، وتفريغها من محتواها، وتوظيفها لخدمة مخططات أبعد ما تكون عن أهدافها، وخير مثال على ذلك فرض الدكتور كمال الجنزوري علي مصر كرئيس للوزراء، وها هي نتائج خيارات المجلس العسكري محبطة ومزلزلة ومسيئة للثورة ولسمعة مصر، ها هي نتائج خياراته، جعلت سمعة وطننا وجيشنا إقليميا ودوليا في الحضيض، إثر جرائم القتل والضرب في المليان، التي مارستها عناصر تنتمي لجيشنا ضد معتصمين سلميين، كانوا يعبرون عن مطالب مشروعة. والمصيبة أن رئيس الوزراء حرص على أن يؤكد أنهم فوضوه بسلطات رئيس الجمهورية، وينفي أنه رئيس وزراء يحمل صلاحيات من سبقوه، وتعهد بعد المساس بأي متظاهر سلمي، وفور انتهائه من مؤتمره الصحفي هذا، كانت قوات الجيش تحرق خيام المتظاهرين السلميين، وتطاردهم وسط شوارع القاهرة، بعد أن فضت اعتصامهم الذي انتقل لميدان التحرير بالقوة. ومن هنا لابد أن يترك الدكتور الجنزوري منصبه، إن كان ما يقوله صحيحًا، ويحترم نفسه، ويحترم تاريخ يمتلكه، ويصر على نصاحته، كما يقول، ويراه البعض- ونحن ليس منهم- كذلك. لقد تابع أبناء شعبنا وتابعت جماهير أمتنا أحداث الأمس، ولاحظت وقائع احتراق المجمع العلمي، والذي ظلت النيران تلتهمه الغرفة وراء الأخرى، ولساعات طويلة، بدون وصول أي سيارات إطفاء أو قوات الدفاع المدني، وكأن التراث الذي يحرق، والمال الذي تأكله النيران، ليس مال الشعب المصري، ولا أعرف لمصلحة من يتم ترك النيران كل هذا الوقت حتى أتت على المبني ومحتوياته بدون أي تدخل من أجهزة الحماية المدنية، ولو كانت هناك حكومة تعبر عن إرادة شعبنا، لما كانت تركت هذا المال يدمر بهذا الشكل، لذا فإن المسئولين الذين التزموا الصمت في مواجهة تلك الجريمة لابد من محاسبتهم. لقد تأكدنا أن من أضرموا النيران في وزارة النقل، ومن أحرقوا المجمع العلمي، ومن نهبوا محتويات الوزارة، هي عناصر جاءت من خارج المعتصمين السلميين، مستغلة ما تعرض له الثوار من اعتداءات سافرة. إن ما ما قامت به تلك العناصر من جرائم يذكرنا بأيام حبيب العدلي السوداء، عندما كان يخطط لتدبير جريمة تؤدي لتجميد حزب أو إغلاق صحيفة، أو فض اعتصام أو مظاهرة، فكان يرسل رجاله ليضرموا النيران بمركبات وسيارات ومنشآت عامة، ليوجِد مبررًا لتبرير جرائم ترتكب بحق الشعب من جهة، وليتسني له تقديم خصوم السلطة للمحاكمة، وهذا بالضبط ما فعله رجال حبيب العادلي مع جماعة 6 أبريل بالمجلة الكبرى، حيث تم تقديمهم للمحاكمة. وعلى كلٍّ، والفقير لله ينتهي من كتابة هذا المقال، أعلن إدانتي التامة لمن أصدر قرار إدخال عناصر من الجيش في مواجهات مع الشعب، ولابد أن يخضع من يحاول الوقيعة بين الشعب وقواته للعقاب والمحاكمة، أياً كان موقعه أو منصبه. وإذ نقول ذلك، لا تزال النيران تواصل التهامها للمجمع العلمي وتكاد تنهيه تمامًا، في وقت تدور فيه اشتباكات ما بين عناصر من الجيش وجموع الثوار الذين يصرون علي مواصلة اعتصامهم، بينما تتوالي بيانات الاحزاب والقوي السياسية والجماعة الوطنية التي تدين هذا الطغيان، وتحمل المسئولية للمجلس الاعلي للقوات المسلحة، وتصف ما حدث بالجريمة، ولعل الرسالة تكون قد وصلت لقادة المجلس الاعلي للقوات المسلحة، والذين باتوا يتمترسون خلف فلول الحزب الوطني، نعم قادة المجلس الاعلي للقوات المسلحة بدءوا عهدهم مع مصر مؤيدين ثورتها، والآن أصبحوا متمترسين خلف فلول الحزب الوطني، علي شاكلة توفيق عكاشة، فبئس له من تمترس، وبأس له من خيار.